رغم انغلاق الأفق السياسي أمام السلطة الفلسطينية والحديث عن وقف المفاوضات مع الاحتلال تصر على لعب دور الحارس له في الضفة الغربية، وتسعى لتقديم الولاء والقرابين من خلال العديد من الممارسات والاستمرار في التنسيق الأمني وهو الأمر الذي ظهر جليا برفض حماية محمد شحادة منفذ عملية الدعس أول أمس في بلدة حوسان ما اضطره لتسليم نفسه للاحتلال.
"إذا بنستقبلك بيمسحوا فينا الأرض" كلمات وجهها أفراد الأجهزة الأمنية لشحادة متجاهلين رفض جموع المحتشدين في رام الله للتنسيق الأمني حين رددوا "التنسيق الأمني باطل" و"التنسيق الأمني عار باعوا الشهدا بالدولار" أثناء احتجاجهم على العقوبات المفروضة على قطاع غزة.
وكان المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي قد قال في ساعات الصباح الأولى أمس الأحد، إنّ منفذ عملية الدعس قرب بلدة حوسان في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة سلّم نفسه لقوات الجيش الاسرائيلي.
وكان منفذ العملية قد لاذ بالفرار بعد أن دعس مجموعة من قوات الاحتلال قرب بلدة حوسان في بيت لحم، وأسفرت عن إصابة 3 جنود بينهم واحدة خطيرة.
وأظهر مقطع فيديو نشر على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر كيف سلم الشاب نفسه لقوات الاحتلال على مدخل مدينة بيت لحم، بعد أن رفضت أجهزة الأمن حمايته من الاعتقال.
ويعتبر المحلل في الشأن الأمني اللواء المتقاعد يوسف الشرقاوي أن السلطة ترى التنسيق الأمني مقدسا ولا تكتفي بنشر أكثر من 40% من جيش الاحتلال في الضفة وعلى حدود غزة بل تزوده بالمعلومات، مشيرا إلى أن السلطة واهمة إذا كانت تعتقد أن التنسيق الأمني يقويها بل هو يضعفها والاحتلال سيطالبها دائما بالمزيد.
وبحسب الخبير الأمني فإن الكاتب (الإسرائيلي) يوسي سريد خاطب أبو مازن في أحد مقالاته قائلا: لو قتلت نصف شعبك تقربا (لإسرائيل) فل تحصل على مقابل.
وبين الشرقاوي أن الاحتلال يتعامل مع الأجهزة الأمنية كمخبرين لديه، لتقلل من قيمتهم أمام الشعب الفلسطيني.
إحدى الدراسات الصادرة عن (Middle East Monitor)، وعنوانها (Palestinian security Cooperation with Israel) أشار إلى أن رئيس السلطة هدد بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل 58 مرة، لكن أيا من هذه التهديدات لم يجد طريقه للتنفيذ.
بل إن تلك التهديدات انتهت عند تصريحه المشهور "بأن التنسيق الأمني مع إسرائيل هو أمر مقدس" (قالها عام 2014 وعام 2016)، بل إن الوزير الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قال حرفيا: "يستحق ضباط التنسيق الأمني الفلسطيني كل الشكر على دورهم" (افيغدور ليبرمان -جروزلم بوست 13 فبراير 2018).
وتشير دراسة صادرة عن معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية - في ديسمبر 2017 أن التنسيق الأمني هو جزء مهم من الهيكل الأمني الفلسطيني الذي يضم 80 ألف فرد وهو ما يساوي 44% من مجموع موظفي السلطة من العسكريين والمدنيين، وأن هذا الجهاز يستحوذ على 40% من ميزانية السلطة، وهو ما يتفوق على مجموع النفقات على التعليم والصحة.
وتشير الدراسة إلى أن التنسيق ساهم في إجهاض 40% من الهجمات التي كانت مخططة لضرب الاحتلال، وأن هذه النسبة ترتفع في لحظات التوتر مع الاحتلال كما حدث خلال شهرين من نهاية 2015 وبداية 2016 حيث نجح التنسيق الأمني الفلسطيني في إجهاض 200 هجوم محتمل، واعتقال الخلايا التي خططت لهذه الهجمات، ومجموع أفرادها حوالي 100 عنصر.
ويشير التقرير الأوروبي إلى أن اجتماعات التنسيق الأمني لا تتوقف، ولكنها في الظروف المضطربة تتحول لاجتماعات سرية، وكان أحدها نهاية العام 2017 والذي جرى الاتفاق فيه على "تيسير دخول الأمن الإسرائيلي لمنطقة "أ" التي من المفروض أنها خاضعة كليا للسلطة الفلسطينية، وكذلك تسهيل دخول الجيش الإسرائيلي للمنطقة "ا" في أي وقت ترى فيه "إسرائيل" أن هناك خطرا أمنيا معينا من أحد الخلايا، وتم الاتفاق على أن يتم تطبيق ذلك أولا في أريحا ورام الله.
ويشير التقرير الأوروبي إلى أن التعاون يمتد إلى تسليم السلطة المعتقلين لديها للأمن الإسرائيلي لاستكمال التحقيق معهم من المخابرات الإسرائيلية، وأحيانا يتم العكس بتسليم "إسرائيل" تقارير للسلطة الأمنية الفلسطينية تطلب فيها اعتقال أشخاص محددين وتسليمهم لاحقا.
وتشير الشواهد على الأرض أن السلطة الفلسطينية تكتفي بمتابعة الأحداث دون أن تحرك ساكنا رغم أن بعض المدن بالأساس تحت سيادتها، وهو ما أرجعه مراقبون إلى اتفاقيات أوسلو والتي لا تمكن السلطة من الاعتراض على أي إجراءات من قبل الاحتلال.