قائد الطوفان قائد الطوفان

مكتوب: زغاريد موجعة من أزقة "ميثلون" تخترق سجن "ايشل"

زغاريد موجعة من أزقة "ميثلون" تخترق سجن "ايشل"
زغاريد موجعة من أزقة "ميثلون" تخترق سجن "ايشل"

غزة- ياسمين عنبر

على باب الروضة قبل ثمانية عشر عامًا، وقفت زوجة الأسير "عمار الزبن" بعد عامين من أسره، برفقة طفلتها التي بدأ ربيع حياتها يتفتح وهي لم تكن تعي بعد ماذا تعني كلمة "بابا".

بكاء طفلتها "بشائر" أثار استغرابها كثيرًا، لاسيما بعد أن رفضت الدخول إلى الروضة قائلة لها: "ليش كل الأولاد والبنات معهم أبوهم وأنا لأ".

كانت "بشائر" ترى أمها تبكي فلم تكن تفقه ما السبب! غير أن زيارة بعد أن أتمت الثانية عشر من عمرها قد أباحت لها بعنجهية الاحتلال.

في هذه الزيارة كانت برفقتها أختها "بيسان" ذات الأحد عشر عامًا وهي لم تنطق كلمة "بابا" من ذي قبل، لتصل قاعة الزيارة ويخرج أبوهما بلهفة كبيرة.. لتقول له "عمو" بدلًا من "بابا".

تخرجت بشائر من الروضة وهي ترى صور زملائها يحتضنون آباءهم، فبكت بحرقة وكتمت زغرودة موجعة في قلبها.

اليوم الأول في المدرسة كان قاسيًا أيضًا حين سألت معلمتها طلاب الفصل جميعًا عن مهنة والدهم لتصل إلى بشائر وتجيب: "بابا أسير"!

لم تكن تعلم "بشائر" أن الفرحة الأولى في حياتها وقت نجاحها في الثانوية العامة ستؤلمها دون مشاركة أبيها لها.

على منصة التخرج قبل شهر جلست "بشائر" التي بالكاد قد أقنعتها صديقتها بالمشاركة وهي ترفض ذلك لأن صور الآباء سيقتلها كما ضحكاتهم وتهانيهم وعناقهم.

 سنة مرت على خطبة "بشائر" وهي تؤجل الفرح من شهر لآخر لعل صفقة جديدة تخرج والدها حرًا من زنازين الاحتلال، ولأنها باختصار تقول: "شو بسوى فرحي من غير بابا وضحكاته ترافقني فيه".

وتكمل: "كيف يمر العمر هكذا بكل الأفراح المنقوصة دون أن يكون بابا أساس الفرحة، ولماذا لا يشعر بنا من يحتضن أبناؤهم كل يوم، وإلى متى ستبقى زغاريد أمي توجع حلقها وتخترق زنزانة أبي فتبكيه"!

يوم الفرح مر دون كل الطقوس التي يكون الأب فيها، كأن يمسك بيدها بدفء وهي تخرج من بيتها لبيت عريسها يطمئنها ويتمتم لها بالدعاء.

علمت بشائر يومها.. أنها كبرت كثيرًا وفقهت، لماذا تبكي أمها مع كل شهادة يحصلون عليها، ومع كل نجاح يسجلونه.. كبرت كثيرًا وفهمت وأدركت أن المؤبد قاتل الفرحة وأن السجن ألعن من أي شيء في هذا الوطن الجريح.

زغاريد كثيرة أطلقت بين جدران بيتهم، أكثرها ألمًا حين أنجبت أمها "مهند" عبر النطف ليكون السفير الأول للحرية!

في السجن أيضًا أطلقت أمهات الأسرى زغاريدهم، احتفاء بأول زيارة لسفير الحرية "مهند" الذي انتصر والده على المؤبدات بإنجابه وحارب عنجهية الاحتلال.

 زغرودة يوم نجاحها ونجاح بيسان في الثانوية العامة، وأخرى يوم عقد قرانها اخترقت سجن ايشل ووصلت لأبيها بقهر.

كلها كانت موجعة كما تقول "بشائر" لـ"الرسالة".. "نعم في فلسطين هناك زغاريد كثيرة مؤلمة تزف القهر لمطلقيها بدلًا من السعادة".

عبر الهاتف.. قرأ والد بشائر فاتحتها يوم خطبتها، وفي سجن ايشل أحضر البقلاوة حلوانًا للأسرى، وبكوا على أعمارهم وجعًا، ويوم زفافها أرسل لها رسالة: "يا ابنتي.. لأجل عينيك الجميلتين أنت هناك وأنا هنا.. لأجل أن تسعد كل بنات فلسطين".

في قاعة الزفاف، لم يكن "مهند" ذو الخمسة أعوام سفير الحرية فقط، بل كان أيضًا سفير الفرحة.. أدرك جميع الحضور حين اقترب من "بشائر" وألبسها "عقد الذهب" أن الاحتلال مهما حاول قهرنا فـإننا قاهروه أكثر!

وفي عام 1998 اعتقلت قوات الاحتلال النابلسي "عمار الزبن" ابن قرية "ميثلون"، وغيب في السجن بعد أن حكموه بـ26 مؤبدًا و50 سنة.

البث المباشر