وسط تزاحم الأزمات التي تعيشها القضية الفلسطينية يبرز الحراك الدولي والإقليمي الذي أخذ يتكاثف مؤخرا في سبيل إنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي عبر الوصول لاتفاق تسوية ينهي قضية القرن بصفقة تُطبخ خلف جدران البيت الأبيض.
وكون قطاع غزة محور العقدة ومفتاح الحل؛ فإن أي حلول مقبلة تدفع مختلف الأطراف إلى محاولة فك تلك العقدة كمقدمة لتمرير أي صفقة سياسية تمثل حلا لأعقد ملفات الشرق الأوسط، وهو ما يدفع إلى طرح معالجات إنسانية قد تخفي في طياتها أهداف سياسية.
ويمكن تفسير ذلك في الطرح المفاجئ من جانب حكومة الاحتلال (الإسرائيلية) المتمثل بالاتفاق المبدئي بين (إسرائيل) وقبرص على بناء ميناء بحري على السواحل القبرصية لصالح قطاع غزة. يبدأ الاتفاق بتشكيل طواقم عمل خلال أسبوعين على أن تقدم الطواقم خطتها لإقامة رصيف بحري لصالح القطاع، على أن تشمل الخطة نظام مراقبة وإشراف إسرائيلي لمنع حماس من استغلال الميناء لتهريب المواد والوسائل القتالية، مقابل إعادة الأسرى الإسرائيليين، وفق ما أوردته القناة العبرية الثانية.
وأفادت صحيفة يديعوت احرونوت العبرية، بأن (إسرائيل) وافقت أيضا على إنشاء محطة للطاقة الشمسية "على أراضيها" لصالح توفير إمدادات الكهرباء لقطاع غزة.
وذكرت الصحيفة العبرية أنه سيتم بناء المنشأة بدعم إسرائيلي وأوروبي عند معبر (إيريز) "بيت حانون"، فيما أكدت مصادر سياسية إسرائيلية أن هذه خطوة إنسانية أحادية الجانب وليست جزءًا من اتفاقية مع حركة حماس.
أسباب التوجهات
وعلى ضوء ما سبق يمكن القول إن هناك أربعة أسباب تدفع (إسرائيل) إلى هذا التوجه مستغلة بوابة الأزمات الإنسانية وتردي الأوضاع في القطاع.
الأول يتمثل في محاولة تسكين جبهة غزة المشتعلة منذ أشهر والمتمثلة عقب مسيرة العودة على حدود القطاع والتي تخشى (إسرائيل) من تداعياتها بالوصول إلى مواجهة مسلحة مع الفصائل في ظل استمرار التوتر على الحدود.
ويتمثل السبب الثاني في التماشي مع الضغوط الدولية والإقليمية التي بدأت تزداد مؤخرا وتدعو إلى ضرورة رفع الحصار وتقديم تسهيلات إنسانية، وتبنى فكرة فصل الواقع السياسي عن الانساني، لا سيما مع تدهور الأزمات الإنسانية في القطاع بعد فرض السلطة الفلسطينية لعقوبات على غزة تسببت في شل الحياة فيها.
وهو ما يؤكده الكاتب والمحلل السياسي د. تيسير محيسن والذي يعتقد أن ما يُطرح من الطرف الإسرائيلي محاولات لاستمالة غزة التي ما زالت متصلبة في موقفها وتوجهاتها التي تسبب ازعاجا لـ(إسرائيل) مثل مسيرة العودة والبالونات الحارقة التي أربكت (إسرائيل) في تعاملها مع هذا الحدث الميداني.
ويُشير محيسن في حديثه لـ"الرسالة نت" إلى أن ما يطرح على المستوى الدولي يتحدث حول ضرورة وقف تدهور الأوضاع الأمنية في القطاع عبر دغدغة العواطف ومحاولات دفع غزة بالاستجابة لذلك عبر تلبية الحاجات الإنسانية.
ومن الواضح أن ثالث الأسباب التي تدفع لتقديم تلك الحلول، هو السعي لتحقيق مكاسب سياسية لحكومة الاحتلال تتمثل في إعادة الجنود الإسرائيليين المفقودين في القطاع والوصول إلى تهدئة طويلة للبدء في تنفيذ الممر المائي وإيجاد حل لأزمة الكهرباء وغيرها من الأزمات الأخرى.
وذكرت القناة العبرية الثانية أن رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" طلب من ليبرمان التوجه للسلطات القبرصية بهذا الخصوص وأنه جرى التوافق المبدئي مع قبرص، وسيجري لاحقاً إرسال العرض إلى حماس بشرط واضح وهو إعادة الأسرى الإسرائيليين.
وهنا يعتقد الكاتب محيسن أن الاحتلال يحاول ربط ملف الاسرى بالأزمات الإنسانية بعيدا عن عقد صفقة تبادل، وهو ما يستبعد أن تقبل به المقاومة، كونه مبدأ ثابتا لديها ولا تقايض هذا الأمر بتسهيلات إنسانية.
رابعا؛ وعلى ذكر آخر الأسباب فإنه لا يمكن استبعاد أن تكون تلك الحلول ضمن خطة الإنعاش الاقتصادي التي تحملها "صفقة القرن" والتي يجري مناقشتها خلال الجولة الأخيرة في المنطقة التي قام بها صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشاره، جاريد كوشنير، ومبعوثه إلى المنطقة جيسون غرينبلات، وشملت كلاً من الأردن، ومصر، والسعودية، و(إسرائيل)، وقطر.
تسريبات
ورغم تلك الأسباب فإن الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي د. عدنان أبو عامر يرى أنه حتى اللحظة لم تخرج موافقة (إسرائيلية) رسمية خطية علنية حول الشروع بالممر المائي أو محطة توليد الطاقة الشمسية.
ويوضح أبو عامر في حديثه لـ"الرسالة نت" أن ما خرج هو تسريبات من وكالات الأنباء (الإسرائيلية) القريبة من دوائر صنع القرار في (إسرائيل) تُشير إلى وجود حراك دبلوماسي كبير في الآونة الأخيرة من عدة أطراف أمريكية وإسرائيلية ومصرية وخليجية.
ويرجح أن تكون زيارة نتنياهو الاخيرة لقبرص أفضت للوصول لمرحلة إمكانية إيجاد لسان بحري يربط غزة بقبرص ويشمل النقل التجاري وربما نقل الافراد من خلال إيجاد رقابة امنية إسرائيلية صارمة.
ويلفت إلى أنه لا يوجد عرض أو وثيقة سياسية قُدمت لحماس بشكل رسمي حتى يتم الموافقة عليه، مبينا أن هذا الأمر منوط في الأيام المقبلة بموافقة حماس أو حتى فرض أمر واقع على القطاع بشكل أحادي.