أم لشهيد وثلاثة مصابين

مكتوب: "جمعة الوفاء للجرحى" استفزت أم رامي فتركت لها "نُدبة"!

أم رامي العيسوي
أم رامي العيسوي

غزة_أمل حبيب

استفز الاسم أمومتها، لم يعلم أحدهم قبل أن يطلق على الجمعة الثالثة عشر اسم "جمعة الوفاء للجرحى" أن أم رامي العيسوي أم لثلاثة جرحى معًا! ربطت حجاب رأسها جيدًا وكذا حذاءها، كانت تدرك أن عمرها الذي تجاوز الخمسين قد يعيقها أثناء الهرب من رصاص قناص خلف لها لقب أم الشهيد عام 2002 حين فقدت ابنها محمد خلال اجتياح لمخيم النصيرات.

تسكن أم رامي المخيم وفي قلبها غصة بل اثنتان، رغم ذلك توجهت للشريط الحدودي شرق البريج وفاءً لدم أبنائها الذي نزف قبلها.

رحبت بنا بابتسامة، "كيف استطاعت أن تتمدد عضلات وجهها بهذا الشكل رغم وجعها المضاعف منذ انطلاق مسيرات العودة"، حتمًا لن تجد إجابة إن جال في خاطرك هذا السؤال، الا بعد أن تبدأ السيدة بسرد قصتها على كرسي تتوسط ابنيها الجريحين.

على يمين الأم كان أحمد ممددًا على سريره الحديدي، مغطى الوسط ومنطقة الحوض التي تهتك جزء كبير منها بعد رصاصة متفجرة أصيب بها قبل أسبوعين خلال مشاركته بمسيرة العودة.

مازن وعكازه كانا معًا على يسار والدته، يقول مازن بأنه ضغط بيديه على أحشائه التي خرجت من بطنه لحظة استهداف قناص (إسرائيلي) له بدم بارد، بعدها "أغمى عليا وطبيب الإسعاف كان ينادي "شهيد.. شهيد جديد".

وقع مغشيًا عليه، لم يستيقظ الا بعد أن أجريت له أكثر من عملية جراحية لإعادة أحشائه في موقعها الطبيعي، لم تعد تمامًا، وجهه مصفر، وعيناه جاحظتان، ويقول:" ألم مستمر ومسيرة مستمرة".

الجريح الثالث كان بعيدًا عن شقيقيه أحمد ومازن، اسمه محمد ويتلقى العلاج في دولة مصر العربية، وضعه كان الأسوأ بينهم لعمق الجرح بعد أن تلقى أكثر من رصاصة في جسده وساقيه اللتين يثبتهما حالًا معدن البلاتين!

"بس أرجع يا أمي لازم آخد بثأرك" صوت محمد الذي وصل عبر أسلاك الهاتف ردد هذه الجملة، بل كانت نية، حاول أن يخفف على أمه ألم اصابتها في رقبتها خلال "جمعة الوفاء للجرحى".

رقبتها التي تركت قنبلة الغاز عليها ندبة حمراء، غطاها حجاب رأسها خلال زيارتنا لها، الا أنها كشفت ذاك الجرح لتؤكد لمراسلة "الرسالة" قائلة: "رغم هالجرح راجعة الجمعة الجاية على الحدود".

"مين قادر يا أولاد يروح على الحدود؟".. تسأل بعد أن فتحت باب غرفة أبناءها المصابين ثم تجيب في نفس الوقت، لا تنتظر منهم إجابة، لأنها تدرك واجبها اليوم: "أنا بدي أسد عنكم كلكم وأروح عشانكم".

نار مرت من أمام وجهها، ثم استقرت حول عنقها، حتى سقطت أرضًا ألمًا واختناقًا من الغاز المنبعث من احدى خيام العودة. تؤكد سلمية مشاركتها، تؤكد أنها فقط كانت ترقب حدود مدينتها، فقط تشارك بقلبها لأجل دماء أبنائها، فقط هي أم وقلبها يحترق!

الروتين الوحيد الذي لا تريد تغييره هذه الأم هو الدعاء ألا تفقد أحدًا من أبنائها كما فقدت محمد، تقول وابنها مازن يردد معها: "مستمرين حتى ننال الحقوق كاملة، العودة والحرية وفك الحصار".

بخطوات مازن المتعثرة، ودعنا بعكازيه، كان يجر نفسه جرًا، أما أحمد فهز برأسه مرحبًا بالزيارة، ووالدتهم تؤكد لنا بذات الابتسامة وقد تمددت أكثر:" أنا من قرية حمامة راجعة عليها وولادي من قطرة كمان راجعين عليها".

البث المباشر