في منزل يفتقد إلى التهوية تجلس الطفلة مي على فراش ملتهب بفعل حرارة الجو المرتفعة التي تزيد من تتابع أنفاسها، وتحت سقف من " الزينجو" تعيش مع والدها العاطل عن العمل، وأمها التي لا تحلم بشي أكثر من شفاء ابنتها البكر، وشقيقين يصغرانها.
سمراء الوجه نحيلة الجسد، تتنفس من خلال أنبوب مرتبط باسطوانة أكسجين ضخمة لا يمكن الاستغناء، وما أن تنفد حتى تعبئها من جديد، فرئتا الطفلة وصلتا مرحلة متقدمة من التلف، وباتت العملية ضرورية للحفاظ على حياتها، والوقت لم يعد يسعف، وكل هذه المحاولات لتهدئة أنفاسها لم تعد تجدي!
خالد أبو عمشة والد مي، وصف للرسالة حالة ابنته قائلا: بدأت رحلة المرض منذ 2013 حينما اكتشفنا ارتفاعا مفاجئا في الدم، حيث وصل دمها إلى 15، وهنا تطلب الأمر تحويلا سريعا لمستشفى الرنتيسي فاكتشفنا أن لديها تشوهات خلقية في الأوعية الدموية للرئتين، ينتج عنه نقص في الاكسجين بنسبة 50%.
ولم تتوقف حالة مي عند أسطوانة أكسجين، وصعوبة في التنفس بل تسبب تطور نقص الاكسجين في ظهور "خراج في المخ" وتشنجات في الرئة وفقدان لحظي للبصر مصحوبة بسخونة لا تنخفض.
حياة الطفلة مرهونة بكل ما له علاقة بالهواء، قفزة صغيرة مع أقرانها قد تكون سببا في اختناق جديد، وهي بناء على ذلك محرومة من الركض واللعب مع أبناء الجيران، ومنعها من الذهاب إلى المدرسة كان آخر الحرمان، خوفا على حالتها بسبب انقطاع شهقات الأكسجين وعدم وصولها إلى رئتها التالفة.
أما في ساعات الليل فيبدو الأمر أكثر صعوبة، ففي لحظات يمكن للأنفاس أن تختنق، ويركض الجميع إلى المستشفى أملا في انتعاش جديد، في لحظة قد تنعدم جدوى أنبوبة الأكسجين.
تقول أمها: أريدها أن تذهب إلى المدرسة، كغيرها من الصغيرات، ففي العام الماضي تغيبت طوال فصل الشتاء، ورقدت في المشفى أثناء عملية استئصال الخراج من المخ حوالي خمسين يوما، حتى ضجرت من رائحة الدواء والمضمدات والمحاليل وتحاول الهرب، وتبكي بشكل متواصل ولا تهدأ إلا إذا أخذت مني وعدا بالعودة إلى البيت في الغد، ويأتي الغد وهي ما زالت معلقة بمحاليل المستشفى!
وفي البرد قصة أخرى، ففي فصل الشتاء لا تذهب إلى المدرسة مطلقا لأن البرد يؤدي إلى تفاقم حالتها أكثر، كما أنها لا تخرج من المنزل بدون مرافق، ولا تستطيع أن تمشي تلك المسافة الفاصلة بين البيت والمدرسة على قصرها، عدا أن الأطفال في المدرسة يحدقون بها، ودائما ما يسألونها عن سبب الزرقة في وجهها، وغدا الأمر محرجا بالنسبة لها، لأنها تتعرض من بعض الأطفال لتنمر بسبب هزالها وضعف نموها.
والدها يمسح دمعة عن خد مي، ويثبت أنبوب الأكسجين في أنفها، ويقدم استغاثة ليست الأولى من نوعها لعلها تصل إلى مكتب الرئيس، فهو يمتلك قرار تحويلة سريعة من الطبيب المشرف على حالة ابنته في مستشفى الرنتيسي، فحالتها لم تعد تحتمل، وتحتاج إلى زراعة رئة بشكل فوري.
يقول الوالد: بعد أن سافرت مي أكثر من مرة على مستشفى - تل هاشومير- في القدس اكتشفوا أن الأمر أصعب مما كانوا يتوقعون، وأخبرونا أن علاجها لم يعد موجودا لديهم، فهي تحتاج إلى زراعة رئة، والعملية مكلفة ومرهونة بقرار الرئيس لأنها يجب أن تعمل في أوروبا او أمريكا.
وأنت تحدق في وجه مي يمكنك أن تسألها عن أحلامها، ربما لن تفاجأ إذا قالت لك، أنها لا تريد اللعب، ولا تريد ثيابا جديدة، ولا تريد حتى أن تغادر البيت، تريد فقط ألا تذهب إلى المستشفى هذا اليوم.