تضغط الولايات المتحدة الامريكية بكل ثقلها على الطرف الفلسطيني للموافقة على تمرير صفقة القرن التي تنوي تنفيذها في منطقة الشرق الأوسط وتبدأ من الملف الفلسطيني.
وتسعى أمريكا إلى تصفية القضية الفلسطينية كمدخل للحل الإقليمي الذي يتم بناء عليه ضمان هيمنة (إسرائيل) على المنطقة والتطبيع العربي الكامل معها.
وفي خطوة خطيرة أوقفت أميركا المساعدات التي تقدمها للسلطة بالكامل باستثناء الأموال المخصصة للأجهزة الأمنية الفلسطينية والتي تبلغ حوالي 100 مليون دولار سنويا، رغم إعلانها وقف دفع المساعدات المالية المباشرة للسلطة الفلسطينية.
سبق هذه الخطوة تهديدات للسلطة بضرورة وقف دفع رواتب لأسر الشهداء والجرحى، حيث يمنع قانون "تايلور فورس" وزارة الخارجية الأميركية من تحويل مساعدات للسلطة الفلسطينية، بقيمة 300 مليون دولار، إذا ما استمرت الأخيرة بدفع مخصصات لعائلات الشهداء والأسرى، بدعوى "أنهم قتلوا وأصابوا إسرائيليين" وهو الأمر الذي رفضت السلطة الالتزام به.
وتحمل هذه الخطوة في طياتها الكثير من المخاطر والاهداف التي تسعى لتحقيقها أبرزها:
أولاً: الضغط على السلطة الفلسطينية للتراجع عن موقفها الرافض لصفقة القرن او القبول بالطرف الأميركي كوسيط في عملية التسوية بعد خطواتها الأخيرة بإعلان القدس عاصمة للاحتلال ونقل السافرة الى القدس ووقف تمويلها للأونروا، والذي يمثل تجاوز خطير على حقوق الشعب الفلسطيني.
ثانياً: تحاول الولايات المتحدة فرض معادلة جديدة على الطرف الفلسطيني تقضي بعدم دفع مخصصات الشهداء والجرحى والأسرى وهي مسألة ذات بعد وطني لا يمكن للسلطة تجاوزها، إلا أن أميركا ترغب في ترسيخ مبدأ أن كل من يقاوم الاحتلال "إرهابي" وعلى السلطة محاربته.
ثالثا: استمرار تمويل الأجهزة الأمنية للسلطة يعكس حجم الرضى الأميركي عن الأداء الأمني للسلطة عبر التنسيق المباشر مع أجهزة أمن الاحتلال والتي ساهمت في ضرب مفاصل المقاومة في الضفة الغربية والحفاظ على حالة الهدوء هناك، حيث ترغب الولايات المتحدة في استمرار هذه الوظيفة الأمنية للسلطة وذلك بسبب أهميتها لضمان أمن إسرائيل.
يشار إلى أن واشنطن لا تقدم تمويلاً مباشراً لخزينة السلطة الفلسطينية إلا بشكل نادر، حيث قدمت الولايات المتحدة منذ عام 1994 مساعدات مباشرة للسلطة في خمس مناسبات بحوالي 50 - 60 مليون دولار، عبر استثناء رئاسي فعله الرئيس بيل كلينتون (تسعينات القرن الماضي) ومن ثم الرئيس جورج دبليو بوش بعد إعلانه عن خريطة الطريق، ومن ثم الرئيس باراك أوباما في دورته الثانية.
رابعاً: تعمل الولايات المتحدة على تصفية القضايا الرئيسية وازاحة الملفات الكبرى عن طاولة المفاوضات التي تنوي اجبار الطرف الفلسطيني على العودة اليها، وذلك عبر إجراءاتها منذ شهر ديسمبر 2017 والذي حمل اعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ومن ثم نقل السفارة الامريكية للقدس في منتصف مايو وفي ذكرى النكبة، لتعقبها وقف التمويل والمساعدات عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الاونروا وهي مساعي خطيرة لتصفية الملفات الكبرى والحقوق الفلسطينية.
خامساً: في ذات الوقت تغرق الإدارة الامريكية وسائل الاعلام بالحديث عن الأموال والمشاريع التي تنوي تنفيذها في غزة وذلك يحمل رسالة ضغط لأبو مازن بانه سيتم تجاوزه وأن الأموال والمشاريع ستسير إلى غزة من فوق رأسه، لكن في الحقيقة أن ما يتم تسويقه حتى الان لم يخرج عن إطار المبادرات وما زال بعيداً عن ساحة الفعل.
ويمكن الاستنتاج ان الولايات المتحدة تستغل حالة الانقسام الفلسطينية لتمرير صفقتها عبر ممارسة ضغوط مختلفة على الطرفين في غزة والضفة بينما تعمل (إسرائيل) على تمرير مشاريعها الاستيطانية وتفرض وقائع تبقي لها الكلمة العليا في أي عملية تسوية قادمة.
كما تستغل الازمة الإنسانية في غزة لتحقيق هدف سياسي يقضي بفضل القطاع وإقامة دولة فلسطينية تنهي الصراع وتصفي القضية ومعها الحقوق الفلسطينية.