الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
إن استثمار الأوقات من أهم ما يحرص إليه الإنسان لأن الوقت هو الحياة والعاقل هو الذى يعرف قدر وقته وشرف زمانه فلا يضيع ساعة واحدة من عمره إلا في خير للدنيا أو للآخرة.
فالوقت من أجلّ نعم الله علينا قال تعالى:"وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً" (الفرقان: 62)
وها هو نبينا صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن الإنسان سيسأل عن ساعات عمره وعن أيام عمره كما في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذى عن أبى برذة الأسلمى رضى الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسمه فيما أبلاه.
وفى لفظ: (وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل فيه) رواه الترمذي وحسنه الألباني، فها هي الاجازة الصيفية موسم منتظر من الجميع سواء من الطلاب وذلك بعد عام دراسي شاق وعمل مضني، أو حتى من الموظفين حتى يستريحوا قليلا من عناء العمل، فهي كما ذكرنا موسم منتظر من الجميع صغارا وكبارا فقد أطلت علينا فمنا من يستثمرها في عمل ينفعه في دنيا أو آخرة ومنا من يضيعها بلا فائدة ولا عائدة في اللهو واللعب ولربما ضيعها على مواقع التواصل الاجتماعي، والشبكة العنكبوتية، ومشاهدة الفضائيات التي تجعل العباد الزهاد إلى فجار فساق وكذلك التسكّع في أماكن اللهو فتراه ليل نهار عاكفا بلا ملل ولا فتور فإذا أذّن المؤذن للصلاة قام كسلانا يتذمّر ويتأفف ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لذلك أيها الحبيب أيها الابن الغالي لا بد لك من وقفة وصحوة لنستثمر أوقاتنا ولا نقتلها فلربما كانت الإجازة نعمة للبعض ونقمة للبعض الآخر جاء في الحديث عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ " رواه البخاري ويعقّب الإمام ابن حجر على هذا الحديث فيقول ( فمن استغل صحته وفراغه في طاعة الله فهو المغبوط ومن استغلّ صحته وفراغه في معصية الله فهو المغبون أي المخدوع ) لذلك فكما أن الصحة نعمة فكذلك الفراغ نعمة من نعم الله علينا التي لا يعرف قدرها إلا من استغلها خير استغلال فلربما تملك اليوم فراغا لا تملكه في اليوم الذي بعده.
واعلموا أيها الكرام أن العمر الحقيقي للإنسان لا يقاس بسنواته التي قضاها من يوم ولادته إلى يوم وفاته وإنما العمر الحقيقي للإنسان يقاس بقدر ما قدم الإنسان في سنوات عمره من عظائم الأمور وجلائل الأعمال الخيرات الصالحات الطيبات.
هذا هو عمرك الحقيقي يقاس بعمل الخيرات وبالطاعات.
فكم من عمر طالت آماده وقلت خيراته!!
وكم عمر قلَّت آماده وكثرت خيراته!!
إن العمر الحقيقي يقاس بالأعمال والطاعات لا يقاس بالسنوات انظر إلى نبى الله نوح عليه الصلاة والسلام قضى ألف سنة إلا خمسين عاما في الدعوة إلى الله وقّدر الله جل وعلا ألا يؤمن معه إلا قليل.
وانظر إلى عمر المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم كم عاش وكم عدد سنوات دعوته؟ تزيد عن العشرين قليلاً جداً ومع ذلك قدر الله له في هذا العمر القليل أن يقيم للإسلام دولة من فتات متناثر فإذا هي بناء شامخ لا يطاوله بناء استطاع أن يرد الناس في صحراء تموج بالكفر موجا إلى الله العلي الأعلى جل وعلا.
وهذا هو صديق الأمة الأكبر في مدة ولايته التي لا تزيد على سنتين ونصف حَوَّلَ المحن التي أصابت الأمة إلى منح.
في سنتين ونصف قضى على فتنة الردة!!
في سنتين ونصف أنفذ بعث أسامة!!
في سنتين ونصف جمع القرآن الكريم وَرَدَّ الأمة إلى منهج النبي الكريم!!
لذلك لا بد لكل أخ كريم ولكل أب حنون ولكل أم واعية لا بد من وضع برنامج ملائم للإجازة حتى نتمكن من استغلال هذه الفرصة في الشيء النافع في دين أو دنيا ومن الأمور التي نقترحها حفظ أجزاء من القرآن الكريم أو حفظ الأربعين النووية مثلا أو أخذ دورة قصيرة في علم من العلوم التي تحبها أو مهارة من المهارات التي تحتاجونها مع إعطاء بعض الوقت للترفيه عن النفس فالنفس جموح إذا كلّت ملّت وإذا ملّت عميت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لحنظلة لمّا اتهم نفسه بالنّفاق " ساعة وساعة " ثلاث مرات رواه مسلم