" كتبت كتاب الشوق مني اليكم وفي أملي ان أعود إليكم، وإن طال الفراق بيني وبينكم، سأموت شهيدا والسلام عليكم".
هذا ليس مطلعا لقصيدة نثرية، وإنما دعوة كان يرددها الشهيد كرم عرفات يوميا، لأقربائه وأبناء عمومته، الذين أكدوا في حديثهم مع الرسالة أنه كان يتمنى الشهادة وقد تحققت أمنيته.
اسمه كرم، وكما تقول أمه هو كرم على مسمى، له من العمر ستة وعشرون ربيعا، عاشها بهدوء كنسمة صيف عابرة، تفتقده امه وأخواته الخمسة وشقيقاه، فهو الثالث الأصغر، والاحب إلى قلوبهم.
وعن اصابته تحدث شقيقه الأكبر إياد قائلا:" أصيب في الرأس، ودخل غيبوبة، كان ذلك في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، وبقي على حالته حتى صعدت روحه يوم الاثنين، رغم محاولات الأطباء المتواصلة لإنقاذ شيء منه، لكن حالته تزداد سوءا، حتى استشهد بعد أربعين يوما من الغيبوبة.
وفي البيت القديم في عبسان الجديدة وعلى قارعة الطريق حيث يطل المنزل القديم الذي تربى فيه كرم على نخلات صغيرة غضة كريمة الثمر، وكأنها تشارك الشهيد في صفاته الجميلة.
وعلى مدخل الدار تنتصب الأشجار والنباتات في ساحتها بكرم واخضرارا زائد، وكأنها تحدث عن أصحابها، وعلى أغصانها تعلق أحلام الشاب الصغير، الذي كان يتمنى أن يخرج ليكمل دراسته خارج قطاع غزة، وكان يحمل في قلبه أحلام أبناء بلده، ولكنها أحلام الشهداء البسيطة، لا تتحقق لأن الله قد خبأ لهم أقدارا أعظم كثيرا من أحلامهم.
وعلى مقربة من دالية العنب جلست والدته " الحاجة أم إياد" تدعو أن يغفر الله له ويحتسبه شهيدا، وتعدد بلهفة قلب الأم وشوقها مناقب ابنها الكريم، وكيف هو مثال الرضى الذي تحمله في قلبها له.
أما أبناء الحي فقد افتقدوا جلسات كرم، الذي اتخذ من أحد الزوايا المطلة على الشارع العام في جدران بيته، بسطة ليبيع المكسرات، وكيف كان يناول كل مار منهم حفنة بيده فيفرح قلوبهم، وكيف يجتمع شباب الحي ليشاركوه سهرته حتى الصباح في الهواء الطلق، وكثير من القصص التي لا يستوعبها لقاء عابر.
وفي غرفة على مقربة من الباب الرئيسي للمنزل، سترى سرير كرم خاليا من صاحبه، بينما مقاعد كثيرة تجلس فيها النسوة الى جانب السرير يشاركن الأم فرحة بشهيدها وحزنا لفراقه، ووجع القلب الذل لا تقوى على حمله الأمهات.
وقبل الرحيل، يجب أن تلقي نظرة على وجه الأب المكلوم، الذي يجلس مع الرجال في بيت العزاء، ويمكنك أن تسأله عن كرم وسيقول لك:"ماذا أقول؟، ابن المساجد، ابن الصلوات، الشاكر العابد، البار بوالديه، رحل شهيدا، فهل هناك أجمل من ذلك الله يرضى عليه، ويسهل عليه".