قائد الطوفان قائد الطوفان

مكتوب: المسعفة "لمياء" ودعت زوجها "الفدائي" وستنفذ وصيته على "الحدود"

المسعفة لمياء
المسعفة لمياء

غزة – مها شهوان

استيقظ الطفل "آدم" مسرعا نحو الطابق الأول يريد تقبيل والده" غازي أبو مصطفى" لكنه لم يجده هذه المرة، فبقي يتحسس فراشه عله يكون قد اختبأ منه ليضحكه كما اعتاد كل صباح، فبقي ينادي "بابا بابا" دون مجيب، حتى احتضنته والدته المسعفة "لمياء" – 34 عاما- دون إجابة، لكنه بقي يلح بالسؤال حتى أجابه شقيقه محمد "بابا في الجنة" فقاطعه الصغير "لا بابا في مسيرات العودة"، فهكذا اعتاد سماعه يقول.

دوما حكايات الشهداء مختلفة، فقصة المسعفة "لمياء" وزوجها "غازي" الذي قنصه جندي اسرائيلي قرب السياج الحدودي قد تبدو لمن يراقب الوجع الفلسطيني غريبة، فهو من دفعها منذ انطلاق مسيرات العودة إلى المجيء للحدود وتضميد جراح المصابين كونها "حكيمة" لم تخذله فأنهت حديثها معه عبر الهاتف ولحقت به حيث الجرحى.

وسط جموع المعزين اقتربت "الرسالة" إلى المسعفة لتنصت إلى حكاية وجعها، تزوجت من الشهيد "غازي" قبل عشرين عاما، ومن يومها وهو "فدائي" كما تصفه، كونه لا يترك فعالية وطنية الا ويشارك فيها بما يملك من إمكانيات، فمنذ انتفاضة الأقصى الثانية حتى مسيرات العودة لا يخشى قناصة الاحتلال فيتقدم حيث الصفوف الأولى "بالحجر"، وهو كما تقول من أوائل الذين ذهبوا إلى شارع "جكر".

تصمت قليلا وهي تراقب بناتها الثلاث وصغيرها "آدم" ومن ثم تكمل حديثها:" أصيب "غازي" عدة مرات وكان اخرها قبل أسابيع قليلة بإصابة تسببت بإعاقة حركته، لكنه كان يتعالى على ألمه ويذهب للمشاركة في مسيرات العودة".

الجمعة الماضية كان موعد الأربعيني "غازي" مع الشهادة، فقد تناول وجبة الغداء مع أبنائه ومن ثم خرج مسرعا، وعبر الهاتف طلب من زوجته المسعفة الا تتأخر عليه وتأتي لتراه شهيدا كما قالت "للرسالة"، فهي لم تأخذ كلامه على محمل الجد.

بعدما فرغت المسعفة "لمياء" من أعباء البيت، ذهبت مسرعة إلى الحدود لتضمد جروح المتظاهرين هناك، وفي لحظة ما ذهبت برفقة أحد المصابين بالإسعاف إلى المستشفى الأوروبي، وما هي الا لحظات حتى جاءها خبر استشهاده.

لم تستوعب المسعفة "لمياء" ما حدث فهرعت إلى الخيمة الطبية المتواجدة على الحدود فوجدت زملاءها يقومون بإنعاش قلب زوجها، لكنها مجرد لمحته أدركت أنه "فارق الحياة"، فهي لم تتوقع يوما أن يأتيها شهيدا كونه تعرض لإصابات أكثر من مرة وتعافى منها.

تحت شجرة الجميز ووسط المعزين في بيتها بخانيونس كانت تسرد "لمياء" بعض المواقف التي جمعتها بزوجها الشهيد خلال مسيرات العودة، حيث أخبرت أنه دوما كان يساعدها في نقل المصابين إلى الخيمة الطبية، ويناولها الأدوات الطبية البسيطة لتضميد جراحهم، ويمسح عرقها والغبار عن وجهها.

تصمت قليلا وتبتسم قائلة:" وقت التعب كان يحضر لي ولزملائي في الخيمة الطبية "الأيس كريم" ويردد "ارتاحوا شوية"، فنأكل على عجالة خشية أن يأتي مصابين جدد".

وبحسب زوجة الشهيد "أبو مصطفى"، فقد كان يصر على الذهاب كل يوم جمعة للمشاركة سلميا في مسيرات العودة، فهو رغم ألم ساقه والاصابات التي تعرض لها إلا أنه لم يتقاعس عن المشاركة كونها واجب وطني لابد من تلبيته.

"لن أخالف وصية بابا"، نعم فهي تنادي شريك حياتها "بابا" فهي تزوجته بعمر الرابعة عشر، جعلها طفلته المدللة فعمل جاهدا حتى أنهت دراستها الجامعية، ودوما كان يشجعها على مساعدة الاخرين، فهو من دفعها للمشاركة في مسيرات العودة وأخبرها أن هناك ممرضات يتطوعن في تضميد جراح المصابين ومنهم "رزان النجار".

وهي تمسح دمعات سقطت على وجنتها، استرسلت في حديثها قائلة:" كان نفسه يعلم بنته متل اختها لكن رصاصة الجندي الاسرائيلي خطفته (..) سأواصل كفاحه في تعليم أبنائنا الستة، وسأكمل مهمتي على الحدود كما أوصاني".

تركت "الرسالة" المكان، لكن عيون "لمياء" بقيت تراقب باب البيت الحديدي الكبير، علها تلمح زوجها "غازي" عائدا من الخارج، لكن أسراب المعزيين كانوا يوقظونها من صدمتها

البث المباشر