لم تنس غزة أن تعيد لكوبر رسالة عزها في جمعة الغضب الأخيرة، فهي التي لا تنسى من دافع عنها في الصفوف الأمامية، من يحملون أرواحهم على أكفهم، فخرجت باسم شهيد كوبر.. ذاك الطفل الذي أرعب مستوطنة.
تمامًا كما فعل صديق روحه عمر العبد في ذات التاريخ قبل عام، غير أن محمد غادر شهيداً لتسلم روح أمه من حرب المحاكم، وقدرت غزة ذلك، فهي لا تنسى أبناءً لها حملوا السلاح اليتيم الذي يمتلكونه ولا يصنفهم في قائمة احتلالية مزدوجة.
هناك في كوبر.. قرية "الشهداء والأسرى"، صرخت إحدى المقدسيات "فش زلام؟" فانتفض لاستغاثتها "عمر العبد" قبل عام، لتصرخ غزة في يوليو أيضًا هذا العام: "سأقاوم وحدي؟"، فيثور لأجلها طفل لم يتجاوز السادسة عشر من عمره.
لم يعد يوم الجمعة ذا طقوس روتينية في قطاع غزة، منذ الواحد والثلاثين من مارس، حيث يتوجه المحتشدون نساء وشيوخًا وأطفالًا إلى حدود القطاع في محاولة منهم لاسترداد حقوقهم.
"غزة لست وحدك" هي خلاصة وصية شهيد كوبر الطفل "محمد طارق يوسف"، أما "لن يذهب دماؤك هدرًا"، فكانت رسالة الغزيين له يوم الجمعة على طول السياج الحدودي لقطاع غزة.
كانت "سلمى مقداد" إحدى الثائرات على الحدود الشمالية لقطاع غزة، حيث أتت تمسك صورة شهيد "كوبر" في يد، وتسند جدتها بيدها الأخرى.
"مقداد" التي لم ترَ قريتها حمامة قط، ولكنها عرفت تفاصيلها من جدتها الحمامية التي لم تنفك عن ترديد خراريف قريتها ومدينة أمها "يافا".
"يسعد البطن اللي حملك يا ابن كوبر فرحت قلوبنا"، كانت عبارة خطتها "سلمى" تحت صورة الشهيد، وعند سؤالها عن سبب فرحتها قالت: "طفل كوبر أعاد لنفوسنا شيئًا كنا ننتظره بشغف كبير.. كنا ننتظر أن نشعر أن غزة لا تقاوم وحدها.. كنا متألمين حين نشعر أن شطر الوطن لا يقاسمنا الوجع"، وأضافت: "ابن كوبر البطولة شفى غليل قلوبنا".
وبينما كانت "سلمى" تمشي برفقة جدتها مقتربين من الخط الزائل، حضر أبناء "الزواري" الذين صنعوا الطائرات الورقية على الحدود منذ بدء المسيرات حاملين بأيديهم أكبر طائرة ورقية صنعوها، وأطلقوها وسط تهليل الأطفال وفرح كبار السن.
ما إن أتى عصر الجمعة حتى بدأ الجميع في غزة يلهج بالدعاء لقلوب الأمهات هنا.. فكتبت "سعاد أحمد": "اللهم قلوب أمهات غزة، لا تطفئ نورهن.. لا تبكِ عيونهن"، قبل أن يأتي خبر ارتقاء الشاب "أحمد ياغي".
"طفل مجهول الهوية" هي العبارة التي أصبحت الأكثر حزنًا، الأكثر رعبًا أيضًا فتهرع الأمهات إلى صورة الشهيد وهو مسجى بدمه عند ثلاجات الموتى يتفحصنها بتفاصيلها متمتمات: "الله يعين أمه"، فكان الشهيد الثاني هو الطفل "محمد الصوري".
على الحدود الشرقية لرفح، تمكن الشباب الثائرون من اقتحام ثكنة عسكرية لقناصة الاحتلال واجتاز أيضًا متظاهرون الحدود بشكل جماعي شرق البريج.
كانت الأعلام موحدة في جمعة الوفاء لشهيد "كوبر"، وقال المشاركون إنها كانت الأكثر بين جمع مسيرات العودة، وصف المشهد الشاب "محمد سلامة": "أعلام فلسطين ترفرف، وجعنا واحد نحن والضفة، الثورة بوجه المحتل نراها في عيون طفل تلمع لأن العلم الذي يحمله قد رفرف أكثر من الطفل بجانبه".
ولأن ادعاءات الاحتلال تأتي جاهزة وتهمهم حاضرة في كل حين كي يبرروا أفعالهم الوحشية هناك على الحدود، فقد قصفت مدفعية الاحتلال نقطة للرصد الميداني شرق رفح، بادعائهم أن بعض الشبان هناك قد اخترقوا السلك الفاصل على الحدود.
كما أطلقت قوات الاحتلال النار باتجاه الثائرين شرق خزاعة شرق خانيونس جنوب قطاع غزة أثناء مشاركتهم في جمعة الوفاء لشهيد القدس.
شهيدان ومائتان وعشرون جريحًا، كانت حصيلة جمعة الوفاء لشهيد "كوبر"، والشهيدان هما "أحمد ياغي 25 عامًا"، بعد إصابته بنيران الاحتلال شرق غزة، والثاني الطفل "محمد الصوري 15 عامًا".