بيّنت السنّةُ المطّهرةُ أنّ من طرقِ إدخال السرور على الغير؛ "كسوتَ عورتَه، وقضيتَ حاجته، وأشبعت جوْعته"..
ومن صورها كذلك، أن تذبَّ عنه في غيابه، فذلك كساءُ عورتِه، وأن تقضيَ له حاجتَه بأدنى استطاعتك أو أقصاها؛ بدءًا بإنجازِ مرادِه أو بعضِه، أو الدلالةِ على من يفعل، أو الدعاءِ، أو كفِّ المنّ والأذى، وأن تشبعَ جوْعته النفسية، وطاقتَه الروحانية، فتذكّره الله، وتجعل نظرتَه للحياةِ إيجابية، وتقدم له في ذلك وجباتٍ عمليةً لا مثاليةً ما استطعت إلى ذلك سبيلا!
و"إدخالُ السرور على المسلم" عبادةٌ نفسيّةٌ نفيسةٌ، ليست مقصورةً على المسلمين دون غيرهم، فدينُنا إنسانيٌّ لا عنصريٌّ، وطوبى لامرئٍ جعل له رصيدًا من دعاء المحبّين والمخدومين، ووجوههم المبتسمة برؤيته أو بسببه.. ما أجملَ هذا، وأكملَه، وأحسنَه، وأرقاه! وليس لأحدٍ أن يقولَ: إنّ الأحاديث النبوية مدارُها على المسلم؛ لأنّ ديننا ابتداءً هو دين "وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين"، وكونُ المقصود بإسعاده وتفريج كربه المسلم ليس لشيء سوى أنّ أكثرَ من يتعامل معهم المسلم هم غالبًا من المسلمين.
ولا يستطيع أحدٌ أن يفهم من "المسلم من سلم المسلمون من لسانِه ويدِه" جوازَ إطلاق اللسان بالسبّ والطعن وفحش الكلام لغير المسلمين، فضلا عن ضربهم أو جرحهم والإضرار الجسديّ أو النفسيّ بهم؛ لأنّه يعلمُ أنّ الثلاثيّة التي توفّر له الرقيّ النفسيّ تبدأ بتحسينٍ مستمرٍّ للعلاقة مع الله تعالى كونه مصدرَ كل تكريم وتفعيل للجانب الإيجابي في النفس "اتّقِ الله حيثما كنتَ"، ثم تثنّي بـ"أتبعِ السيئةَ الحسنةَ تمحُها"، وهذا في إطار علاقته مع نفسه بأن يكون أفضل مؤثرًا الوقاية على العلاج، لكن إذا زلّت قدمُه أو دفعه الشيطانُ أو نفسُه الأمارةُ بالسوء إلى معاطن الانحراف ومواطن الإشكالات الشرعية والمعاصي فإنّ العلاج موجود بأن يغسلَ المعصيةَ بالطاعة، ويقبرَ الإساءةَ بالإحسان، من غير توانٍ ولا تخاذلٍ ولا تقصير، وهو بذا سيكون مُجيدًا في إتقان الفعل في رأس المثلث الآخِر "وخالقِ الناسَ بخلق حسنٍ"، فها أنت هنا ترى أنهم الناس أجمعون وليس المسلمين وحدهم، بل إنّ في هذا تحديدًا مع غير المسلمين درجة حسنى لما فيها من بعدٍ دعويّ وإرسال رسالة سامية عن الإسلام وأهله، فإيّاك أن يُؤتَى الإسلامُ من قبَلِك.
وإنّنا إذ لم نتوسّع في ضرب الأمثلة لأدواتِ وحالاتِ نشرِ السعادةِ في المسلمين؛ فلأنّ المجال ينبغي أن يكون واسعًا؛ مبدؤه الأوّل أن تكون طبيعة "الجسد الواحد" حقيقية لا ترديدية، وأن تتكافأ الدماء وتتكافل الأرواح ويسعى بذمّة المسلمين أدناهم، ويكونوا يدًا على من سواهم من المسيئين، لكن بالضرورة سنرى هذا العمل الأرقى صلاةً نفسيّة إن لم يستطعِ المرءُ أداءها بجسدِه، فبمالِه، فإن لم يستطع فبنصحِه ولسانِه، فإن لم يكن من قدرةٍ فبدعائِه، وإلا فبالكفِّ عن الوقوعِ في أعراضِ الناسِ، ورجاءِ السلامةِ لهم وارتقاء شؤونهم، وانتفاعهم في حياتهم، وننصح من كان بهذا المستوى البسيط أن يجالس المحسنين الفاعلين حتى يتمغنطَ بأفكارِهم وأعمالِهم وتصيرَ له سجيةً بعدُ.
وكلُّ مسلمٍ يعلم أنّ العبادة المتعدّية أفضل من القاصرة؛ فالأولى يتعدّى نفعُها صاحبَها ليصل غيرَه مثل الصدقات والخدمة الميدانية، أما الصلاة وقراءة القرآن والحجّ ومثيلاتُها فنفعها مقتصرٌ على فاعلها..
نسأل الله القَبول وحسنَ الوصول.