قائمة الموقع

الفقراء المنسيون .. تحسبهم أغنياء من التعفف

2010-08-12T10:33:00+03:00

الشئون: سنطلق البرنامج الوطني لقياس حاجة الأسر حسب استهلاكها

الرحمة: الأسر المتعففة على رأس أولوياتنا

المجمع الإسلامي: لا نألو جهدا بالبحث عن الفقراء لكن حاجة الناس كبيرة

الرسالة نت-محمد أبو قمر

تتعدد أشكال الفقر الذي يسدل أستاره على آلاف الأسر الغزية، وتنهش مخالبه أجساد المحتاجين ، فما بين الحصار وآثار العدوان، والمرض، وفقدان رب الأسرة يكمن الفقر في التفاصيل المريرة لتلك الأسر.

ويطرق الفقر أبواب الغزيين دون إذن مسبق مما يتركهم في صراع مع الأيام علهم يتمكنوا من الخروج من دوامة مظلمة لا تعرف عاقبتها.

ورغم الانتشار الواسع للمؤسسات الرسمية والخيرية التي تبحث عن المحتاجين إلا أنه لا زال هناك "فقراء منسيون" يتسترون خلف جدران منازلهم بعيدا عن السؤال، ويسدون رمقهم أحيانا "بالخبز والشاي".

ضيف كريم

يحل شهر رمضان ضيفا على الفقراء الذين اعتادوا على الصوم لعدم تمكنهم من توفير الطعام، لكن لا زال الأمل يحدوهم بأن يتطلع أهل الخير لهم ويعينوهم على تجاوز محنتهم في هذا الشهر الفضيل.

وتتعدد أسباب مآسي الفقراء الذين انحدر حالهم ، ما بين الحصار وغياب رب الأسرة، والمرض، وغيرها.

واكتشفت "الرسالة نت" من خلال زياراتها الميدانية أن عددا من الأسر الفقيرة تفتقر لأي دعم أو مساندة سواء من الجهات الرسمية أو الأهلية.

فقد تناثرت بضع حبات من الطماطم وبدا العفن على جزء منها في صاع صغير احتفظت به الحاجة الستينية "أم حسن" في داخل الغرفة لاستخدامها في تجهيز غذاء لأبنائها المعاقين.

وتقول الحاجة " هذه نعمة من ربنا" ، فيما احتفظت بكمية قليلة من الدقيق في وعاء أبيض، تستعين بالأخشاب والحطب لخبز الخبز.

في إحدى زوايا المنزل تكاثرت أكوام القمامة من المخلفات التي كانت تجمعها "أم حسن" لإشعال فرن الطين، ولم تقو على التخلص منها بعدما نهشت الأمراض جسدها، فيما انغمس رب الأسرة مع أبنائه الثلاثة المعاقين في عالم خاص بهم شاردي الذهن ولا يدركون ما يدور حولهم.

وفي قصة انسانية أخرى, شقت الدموع طريقها على تجاعيد وجه "أبو مازن" السبعيني التي حفرتها مرارة الزمن، وأثقلت الهموم جسده النحيل، وهو يشكو ضيق الحال وأمله بأن يتغير وضع أبنائه للأفضل قبل أن يحين وقت الرحيل.

عاش "أبو مازن" آلام التهجير وكابد مشقة الحياة حتى آل به المطاف مع اثنين من أبنائه إلى منزل قديم تكسو سقفه ألواح من "الزينقو" المليئة بالثغرات.

مساحة المنزل لا تتجاوز المائة متر, وجدرانه المهترئة تضم ثلاث غرف صغيرة إحداها للمسن وابنته، وأخرى لابنه الأكبر مع أبنائه الثمانية، وثالثة لابنه الثاني مع عدد مماثل من الأبناء.

في كل غرفة تعيش أسرة بأكملها استغلت مساحتها الصغيرة لمكان للنوم، ومطبخ، وحتى الاستحمام.

آلية المساعدة

وتفتح قضية الأسر المستورة الباب أمام الحديث عن الآلية التي تتبعها المؤسسات الرسمية والأهلية في البحث عن المحتاجين.

وفي هذا السياق يقول صبحي أبو رضوان وكيل وزارة الشئون الاجتماعية أن لدى وزارته قاعدة بيانات حول الفقراء وأفقر الفقراء، وتمكنوا من انجاز قاعدة القوى العاملة سواء في الحكومة أو المدنيين والمؤسسات الخاصة .

وأضاف: " نحاول الوصول للفقراء والعاطلين عن العمل ، وقد أعلنا عن حملة رمضان الخير التي تستهدف 70 ألف أسرة" .

وبحسب أبو رضوان فقد تمكنت وزارته منذ مطلع الأسبوع توزيع عشرات الآلاف من الطرود الغذائية، كما وزعت منذ بداية الشهر الجاري المساعدات على الأسر المنتفعة من الوزارة والمقدر عددها بما يزيد عن عشرين ألف أسرة.

وكان وزير الشئون الاجتماعية أحمد الكرد قد أعلن عن حملة رمضان الخير، وقال أن الحكومة الفلسطينية دعمت الحملة بشكل كامل،  كاشفاً نية وزارته توزيع مساعدات نقدية خلال رمضان للأسر المتضررة والفقيرة جداً، وأيضا للعمال المتوقفين عن أعمالهم منذ فترة طويلة.

وأكد وزير الشئون الاجتماعية أن عملية توزيع المساعدات على الأسر الفقيرة سيتم بالتنسيق الكامل مع عشرات الجمعيات الخيرية العاملة في القطاع للوصول إلى كافة شرائح المجتمع.

وتعتمد جمعية المجمع الإسلامي – من جهتها - على البحث الميداني لمعرفة الأسر الفقيرة من خلال اللجنة الاجتماعية كما يقول مديرها نضال شبانة، وذلك من خلال طواقم عمل تدرس حالات الفقراء عن كثب وتقدم التقارير الكاملة للجمعية التي تسارع لإغاثتهم.

ويشير شبانة إلى أن هناك أشخاصا مكلفين في مناطق نفوذ الجمعية للبحث عن الأسر الفقيرة وتزويد الجمعية بأسمائهم التي بدورها تقدم المساعدة المناسبة لهم.

وبحسب المهندس كمال مصلح مدير جمعية الرحمة للإغاثة والتنمية فان هناك قائمة بيانات حصلت عليها جمعيته من المؤسسات العاملة في القطاع ووزارة الشئون الاجتماعية، يتم تحديثها بشكل دوري، وتشمل تلك القوائم أسماء المحتاجين في جميع المناطق ، وفي كل منطقة تكون العائلات الأشد فقرا على سلم أولويات المساعدات.

تعددت الأسباب

ولعل الحرب والحصار كانا أبرز الأسباب التي ألقت بالأسر الغزية إلى مستنقع الفقر، حيث وجد شحادة حسن القرعاوي وأسرته ضالتهم في خيمة مهترئة لا تحميهم من لهيب شمس يوليو الحارقة تسلموها عندما كانوا في مخيم العزة لمشردي حرب الفرقان.

حياة المواطن القرعاوي وأبنائه الثمانية بائسة بمعنى الكلمة إذ يضم "المنزل" ثلاث خيمات, الأولى غرفة نوم للرجل وزوجته تحتوى على ثلاثة فرشات متهالكة, والخيمة الثانية لأبنائه يوجد بداخلها بعض الأغطية وخزانة لا تكاد تتسع لشيء, والثالثة مطبخ صغير يفتقر للكثير من لوازمه. 

ويقول: "أوضاعنا الاقتصادية متردية جدا فانا منذ العام 2002 عاطل عن العمل بسبب إصابة في يدي وغير قادر على توفير الإيجار الشهري لمنزل يجمعني أنا واطفالى بالكاد أحاول توفير متطلبات الحياة اليومية".

ويقعد المرض العديد من أرباب الأسر مما يحول دون تمكنهم من توفير متطلبات أبنائهم، فالخيارات كانت مغلقة في وجه "أبو أحمد" بعد صراعه مع غضروف أصابه في ظهره، واضطره لترك مهنة الخياطة والبحث عن عمل يتناسب مع وضعه الصحي لكن دون جدوى.

إلى حاصل صغير لجأ أبو أحمد ليجمعه وزوجته مع أطفاله الخمسة مقابل إيجار شهري يقدر بمائة شيقل، بالكاد يستطيع توفيرها.

وعن سبل إمكانية وصول الفقراء إلى المؤسسات الرسمية والخيرية في حال لم تتمكن هي من الوصول إليهم تقول وزارة الشئون الاجتماعية على لسان وكيلها أبو رضوان أن باب التسجيل مفتوح للفقراء، وتقارن الوزارة البيانات المسجلة من قبل المحتاجين مع قاعدة البيانات، ومن ثم يتجه الباحثون للتأكد من صحة المعلومات، ويتم تجديد البيانات بشكل دوري.

ويشير أبو رضوان إلى أنهم متأكدين من صحة البيانات التي بحوزتهم ولديهم تعاون مع وزارة العمل بهذا الشأن.

ويشدد على أن مديريات الشئون الاجتماعية مفتوحة أمام الجميع، ولا يغلقوا الأبواب في وجه أحد ،كما أنهم جاهزون لاستقبال المحتاجين.

وأوضح أبو رضوان أنهم في الماضي كانوا يصرفون مساعدات حسب الفئات، لكنهم في الأيام القريبة سيعتمدون على مبدأ معدل الفقر، وأضاف "سيتم قياس حال الأسرة بناء على معدل استهلاكها ، تحت مسمى البرنامج الوطني الذي سنطلقه قريبا، وسيتيح الفرصة أمام استفادة شريحة كبيرة من المحتاجين.

مرارة الفقر

وكثيرا ما تكون وفاة رب الأسرة مدخلا لتسلل الفقر إلى زوجته وأبنائه يصارعون الزمن لتوفير احتياجاتهم بعدما يفقدون معيلهم الوحيد.

وتمتد معاناتها إحدى الأرامل منذ ثلاث سنوات حينما فقدت زوجها ومأواها اثر قصف احتلالي لمنزلها، ووصلت نهاية المطاف بها مع أبنائها إلى المجهول وهي لم تجد غرفة تجمعها بأطفالها الأربعة.

وتدعو الأرملة المولى – ليل نهار - أن ينشلها وأطفالها من حالها وتجد مأوى حتى لو غرفة واحدة تجمعهم بعيدا عن نظرات المحيطين المؤلمة، بعدما ضاقت السبل في وجهها وهي تفكر بمصير صغارها، وقد حرمت من زوجها الذي مزقته صواريخ الاحتلال، فيما يقطن ذووها خارج القطاع.

ويحتاج عدد كبير من الأسر إلى مساعدات بعيدا عن الغذاء التي اعتادت الجمعيات على توزيعه على الفقراء، وفي هذا الصدد يقول وكيل وزارة الشئون الاجتماعية أن أية أسرة تحتاج مساعدة لا تشملها برامج الوزارة فانهم يتدخلون لتوفيرها من خلال الجمعيات وأهل الخير ، لافتا الى انهم تمكنوا في بعض الأحيان من بناء منازل ، وتوفير ملابس وأغطية لعدد من الأسر.

وتفرض بعض الجمعيات شروطا محددة كي يتسنى للمحتاجين الاستفادة منها، مما يزيد من أعباء بعض الأسر ، لكن مدير المجمع الإسلامي شبانة يقول أن الشروط ليست على إطلاقها، وكل حالة تقدر بقدرها، ويعملون جاهدين في البحث عن الفقراء، لكنه استدرك وقال "حاجة الناس كبيرة جدا".

وأشار إلى أن باب المجمع الإسلامي مفتوح أمام جميع الحالات التي تريد المساعدة، وهناك آلية لاستقبالها ومن ثم دراسة الحالة، ومساعدتها.

فيما يؤكد مدير جمعية الرحمة مصلح أنهم لا يضعون شروطا معينة لتوزيع الطرود الغذائية لاسيما أن الجميع باحتياجها، لكنه أشار إلى أن الشروط تضع على المساعدات الكبيرة التي تقدمها جمعيته للمحتاجين وذلك كي يتسنى توزيع المهام بين الجمعيات وفتح المجال أمام الجميع للاستفادة من الخدمات.

وبحسب مصلح فإنهم يعملون على أن توزع قاعدة البيانات على المهام بين الجمعيات كي يتلاشوا التكرار، ولتعم الفائدة على الجميع.

وأضاف " فرعنا بغزة مفتوح أمام الجميع لإضافة بياناتهم ، وبدورنا نتابع تلك الحالات،كما أننا نعتمد على المندوبين العاملين في المناطق الذين يبحثون عن الأسر المتعففة التي لا تلجأ للمؤسسات وترفض التردد عليها، ونوليها اهتمامنا".

تزايد الفقر

ويدق تصاعد معدلات الفقر والبطالة في قطاع غزة ناقوس الخطر، حيث تشير إحصاءات شبه رسمية أن قرابة 200 ألف عامل في قطاع غزة باتوا في صفوف البطالة وهم يعيلون مئات آلاف الأسر فيما بلغت نسبة الفقر مستوى 80 في المئة وأغلقت كافة القطاعات الاقتصادية - صناعية وزراعية وتجارية - أبوابها أمام الباحثين عن فرصة عمل.

وأوضحت الإحصاءات التي صدرت عن الغرفة التجارية الفلسطينية في وقت سابق أن 85 في المئة من سكان القطاع أصبحوا يعتمدون على المساعدات الإنسانية المقدمة من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) وبرنامج الأغذية العالمي والجمعيات الخيرية والاغاثية المختلفة.

ووفقاً للتعريف الموسع للبطالة بالنظر إلى معايير منظمة العمل الدولية فقد بلغت نسبة الأفراد الذين لا يعملون (سواءً كانوا يبحثون عن عمل أو لا يبحثون عن عمل) 8. 44 في المئة في قطاع غزة.

ودفع تصاعد نسب الفقر والبطالة بشكل كبير بعض الجمعيات الخيرية إلى التوجه للمشاريع التنموية بعيدا عن الإغاثة التي تعتمد عليها كثير من المؤسسات العاملة بالقطاع.

واتجه المجمع الإسلامي مؤخرا للمشاريع التنموية إلى جانب الاغاثية التي يعتمدها في برامجه، وتمكن المجمع بحسب شبانة من مساعدة اسر فقيرة من خلال تأثيت المنازل ، كما مضى المجمع في مشروع الأسر المنتجة الذي استفاد منه عشرات الأسر في تربية الدواجن والخياطة، ومحلات الكمبيوتر.

وتنفذ جمعية الرحمة العالمية مشاريع اغاثية وتنموية، حيث يشير مصلح إلى أن أولوياتهم تتجه لإعادة ترميم المنازل المدمرة بشكل جزئي، وقطعوا شوطا كبيرا في هذا الشأن.

وتستمر الرحمة في مشروع الوحدة النواة، حيث ستعود أسر كثيرة إلى منازلها قريبا، كما تحدث مصلح.

ويشير مصلح إلى أنهم يعتمدون الإغاثة في وقت الطوارئ، وتسعى جمعيته لكسر الحصار من خلال مشاريع إستراتيجية ستبدأ حملتها خلال الأيام المقبلة من الكويت وستجول اثنى عشر دولة عربية وإسلامية لدعم المشاريع التي تخص اهتمامات المواطنين بشكل كبير و ستشرف منظمة المؤتمر الإسلامي على المشاريع بشكل مباشر.

رمضان حل علينا و الفقراء يتطلعون لمن يعينهم، ويقف بجانبهم كي يتسنى لهم الخروج من وحل الفقر الذي انغمسوا في وحله لسنوات دون أن يتبدل حالهم.

 

 

اخبار ذات صلة
المنسيون!
2021-12-15T09:23:00+02:00