جاء العيد ثقيلا على عائلة أبو فطاير، فما زالت قلوبهم لا تستوعب خبر استشهاد ابنهم كريم، وما زالت ملامح الفجيعة تكسو وجوههم وربما ستظل ندبة في القلب إلى الأبد، لكن العيد جاء رغم كل شيء، ومرت لحظاته ثقيلة على القلوب المكلومة.
" كريم وهو كريم" هذا ما قالته أم الشهيد وهي تكتم حزنا على ابنها مخلوط بالفخر بينما تصف محبة الجميع له، وتتعجب من حبه لترديد أغنية زفوا الشهيد، مضيفة: كنت أساله:" مالك يمه؟" فيقول: "أنا بتمنى الشهادة يمه، أوعي تزعلي"
مضيفة: ويومها كنا نواصل أعمال بناء في منزلنا، فطلب مني أن أعطيه المال ليعطيها للعمال ثم ذهب، حضرت له المال ولكنه ولم يعد!
إلى أين ذهب ؟! كعادته إلى الحدود شرق البريج، لم يكن يمنعه أحد عن المجيء في كل جمعة، وهناك وكعادة القناص الإسرائيلي قنصته رصاصة تعرف كيف تستهدف المدنيين السلميين دليل عجزهم عن مواجهة الثبات الفلسطيني، فأصابت كريم إصابة قاتلة في رأسه استشهد في لحظته تلك.
وبين ترديدات المسعفين والأصدقاء ممن حملوا كريم يومها وهم يصرخون " أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله" لفظ كريم أنفاسه الأخيرة ورحل.
بائع الخضار الذي لم يتجاوز الثلاثين ترك وراءه أربعة أطفال، وعلى الرغم من فرحته بهم يكبرون يوما بعد يوم إلا أن أمنيته بالشهادة كانت تكبر أيضا كل يوم، هذا ما أكدته زوجته التي كانت تكفكف دمعا غزيرا، ثم تبتسم لذكرى جميلة جمعتها وزوجها كريم وتصف آخر المشاهد بينهما قائلة:" في يوم استشهاده، كانت تغمره سعادة غريبة، وكأنه يشعر أنه مغادر اليوم، فحضر كل شيء، وترك ذكريات جميلة، اشترى ملابس العيد وتجهيزات المدرسة لأطفاله قبل أن يذهب إلى الحدود، وكان قلبي يسألني عن سر ابتسامته ذلك اليوم، وكنت خائفة أيضا واتساءل: كيف لي أن أمنعه من الذهاب؟، فلم استطع أن أتكلم، وذهب وعاد إلينا شهيدا.
كريم هو الشهيد السبعين بعد المائة منذ انطلاق مسيرات العودة في أواخر مارس والتي بدأت تعبيرا سلميا لشعب أعزل، مطالبا بتطبيق القوانين الدولية وعودة اللاجئين إلى ديارهم، متجمهرين على الخط الذي يفصلهم مع عدوهم، بلا سلاح، وبلا عنف، ولكنه الاحتلال الذي لا يعرف التعبير سوى بسياسية القتل شأنه شان كل مغتصب لحقوق الشعوب، يقتل ليداري سوأته عن أعين العالم بسوأة أكبر في ظل عالم متواطئ صامت يشاهد من بعيد ويؤمن على الرصاصة الإسرائيلية التي تخترق الجسد الغض.
كريم أبو فطاير كان شابا يحلم بالحياة، يحلم بأن يربي أطفاله شأنه كل آب في أي مكان على هذه الأرض، لم يكن يسعى للموت وإن تمنى الشهادة، فهو على حبه للشهادة كان يريد أن يرى أطفاله يكبرون في كنفه.
تقول زوجته: ما ذنب أطفالي وكيف سيعيشون بلا سند يعينهم على هذه الحياة، وكيف لقناصة أن تستهدف شابا أعزل لا حول له ولا قوة هكذا بكل بساطة، ماذا سيقول العالم، هل سيتكلم، هل سيعيد لي حقي وحق أطفالي، وروح زوجي الطاهرة ؟!
ولأن أبناء السماء لا يتغيرون، لم تتغير أحلام كريم بعد أن تزوج وأنجب أربعة أطفال، رغم حبه لهم، وفرحه برؤيتهم يكبرون كل يوم، إلا أنه ظل يناجي ربه لتحقيق حلمه بالشهادة، فيذهب أسبوعا بعد أسبوع، وجمعة تتلوها جمعه، وكما قال شقيقه: كنا نحاول أن نمنعه خوفا عليه، ولكنه كان يقول: اتركوني أحقق حلمي، وها هو قد تحقق!
ولقد استشهد كريم أبو فطاير في جمعة ثوار من أجل القدس في السابع عشر من أغسطس بالإضافة إلى استشهاد الشاب أكرم أبو معمر "20" من مدينة رفح.