تمت كتابة عدد قليل من الأوراق البحثية والتقييمات الاستخبارية عن أداء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وخاصة ما سيتبعه. المشكلة هي العدد الهائل للسيناريوهات المحتملة التي يقترحونها.
ورث عباس السلطة من سلفه ياسر عرفات، وهي سلطة حكومية ومع ذلك، لم يكن ذلك نتيجة لمنظوره السياسي أو الاجتماعي أو القيادي أو الإداري.
تماما كما كانت تفعل قبل 10 أو 20 سنة، لا تزال السلطة الفلسطينية تعتمد بشكل كامل على المساعدات الدولية من جهة، وعلى جمع الضرائب والبنية التحتية للكهرباء والنقل لـ(إسرائيل) من جهة أخرى.
طوال هذه السنوات، لم تطور السلطة الفلسطينية اقتصادها الخاص، وواصلت الاعتماد كليًا على (إسرائيل)، بحيث تعتمد كل الأسر الفلسطينية تقريبًا بالكامل على سبل كسب العيش من أرباب العمل الإسرائيليين.
تبدو مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية اليوم تمامًا كما كانت عندما انسحبت (إسرائيل) من هذه المناطق في عام 1991. ومنذ ذلك الحين، لم تفعل السلطة الفلسطينية أي شيء لتحسين الوضع أو الظروف المعيشية للناس الذين يعيشون هناك.
عباس كما كان واضحاً من البداية، هو زعيم ضعيف جداً يفتقر إلى الكاريزما والقدرة الإدارية.
في كل سنواته حكمه لم يقم بخطوة مهمة لإفادة شعبه أو تعزيز سلطته. وبسبب هذا الضعف وقلة القيادة السياسية، بدأت حماس تتسلل إلى سياسات الضفة الغربية في السنوات الأخيرة، بقصد التحريض على انقلاب شعبي ينهي هيمنة فتح، على غرار ما حدث في قطاع غزة.
لقد أدرك قادة فتح أنفسهم أن عباس لن يتخذ أي قرارات مهمة قبل نهاية فترته الرئاسية. بدأ النضال من أجل الخلافة على القيادة الفلسطينية قبل سنتين أو ثلاث، دون أن يعلن عباس رسمياً نهاية حكمه.
بالإضافة إلى المخاطر القادمة من حماس، فإن العديد من المنافسين والمعارضين لعباس قد صعدوا، حتى من داخل فتح، أبرزهم محمد دحلان ومروان البرغوثي، اللذان يريدان وراثة وراثة قيادته.
وبينما توجد شخصيات أخرى في الساحة الفلسطينية تطارد هذه الفريسة، فإنها تبني مكانتها في ظل عباس وتحت ذريعة الولاء له. ومن بين هؤلاء: جبريل الرجوب، الرئيس السابق لقوة الأمن الوقائي في الضفة الغربية والآن رئيس اللجنة الأولمبية الفلسطينية، وماجد فرج، وهو الرئيس الحالي للمخابرات الفلسطينية والمقرب من عباس. وكلاهما يصبو لخلافة عباس منذ فترة طويلة.
ومع ذلك، في الأشهر القليلة الماضية، انضمت شخصيتان إضافيتان إلى السباق.
الأول هو محمود العلول، النائب الحالي لرئيس فتح، ويرى العلول أنه الخيار الطبيعي ليخدم كرئيس للمنظمة بعد رحيل عباس. والآخر هو توفيق الطيراوي، الذي شغل منصب رئيس الاستخبارات العامة الفلسطينية في الضفة الغربية أثناء الانتفاضة الثانية. وقد أجبر الطيراوي على ترك منصبه بعد أن تبين تورطه في أنشطة إرهابية ضد دولة (إسرائيل) وكان يقوم بالسماح لهؤلاء الذين تحت قيادته بمهاجمة مستوطني الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية.
كل من هذه الشخصيات لديها موطئ قدم كبير في هذا المجال. يتمتع دحلان بعلاقات ممتازة مع حماس في قطاع غزة ويجلب معه مهرًا كبيرًا من دول الخليج، كما يتمتع بثقة مصر. وحصل الرجوب على دعم وقوة كبيرة من العمل مع قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وما زال لديه تأثير كبير، خاصة في منطقة الخليل.
يمتلك ماجد فرج في منصبه الحالي قوات تحت قيادته، وهو مقبول على نطاق واسع في قاعات الإدارة الأمريكية، كما يستفيد العالول من منصبه الحالي ويدعمه على نطاق واسع تنظيم "فتح" التي يترأسها لسنوات عديدة.
كل واحد من هؤلاء يعتبر نفسه مرشحًا جادًا ليحل محل الرئيس الفلسطيني، ولكن لم يُعين أي منهم من قبل عباس كوريث، وهذا يعني أن كل من يريد أن يأخذ المهمة يجب عليه أن يناضل من أجلها وأن يثبت قوته.
لقد قام المرشحون بالفعل بتأسيس هذه السلطة لفترة طويلة: لقد قاموا ببناء قواعد الدعم داخل مخيمات اللاجئين والمدن. لقد أسسوا ميليشيات مسلحة موالية لهم ويتم تمويلهم من أموالهم الخاصة؛ وهم يحاولون باستمرار زيادة وسائل الإعلام والحضور التنظيمي الخاص بهم.
السيناريو الأكثر احتمالًا هو أن لا شيء جديد سيحدث في ظل حكم عباس، وسوف يختفي في صفحات التاريخ دون أن يترك علامة كبيرة، لكن ما الذي سيجلبه المستقبل؟
إذا حاول عباس تسمية وريث طبيعي ليأخذ مكانه، فإن فرص فرج تكون أعلى للحصول على المنصب، وسيتم استقباله بأذرع مفتوحة من قبل الإدارة الأمريكية، لكن دحلان والبرغوثي والرجوب العلول والطيراوي لا يعتزمون الجلوس بلا حراك ومشاهدة السلطة تضيع منهم، سيناريوهات محتملة لما سيأتي بعد ذهاب عباس.
ربما نشهد حرب عصابات قاتلة تستمر حتى تحصل مجموعة واحدة على ميزة على خصومها، ومن ثم نصل إلى ترتيب يوزع السلطة والأدوار السياسية بين جميع المرشحين وهو يشبه إلى حد كبير عمل بارونات المخدرات في أمريكا الجنوبية في الثمانينيات، والاحتمال الآخر هو أن تسيطر حماس على المؤسسات الحكومية في الضفة الغربية نتيجة للفوضى وانعدام القيادة، هذا ما تبنيه حماس اليوم، بغض النظر عما سيحدث، من المستبعد جداً أن يكون هناك أي تغيير حقيقي في قيادة السلطة الفلسطينية طالما بقي عباس في السلطة.
من المرجح أن يستمر عباس في الوقوف كجدار صلب في طريق أي مبادرة سلام أمريكية، لا يسعنا إلا أن نأمل في أن يظهر القائد القادم للسلطة الفلسطينية شجاعة وقيادة.
دعونا نأمل أن ينجح كل من يخرج من أنقاض النضال في إحداث تغيير في نهج الفلسطينيين تجاه تسوية سياسية واقعية ستتمكن (إسرائيل) أيضا من العيش معها، وتكون خالية من الأوهام والتطلعات الوطنية غير المعقولة.
ليري كيرمان / جيروزالم بوست