الرسالة.نت- وكالات
حذّر البنك الدولي من أن جميع البلدان تقريباً، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستواجه في الفترة الـمقبلة مخاطر بالغة من حيث تعرُّض الاقتصاد الحقيقي لآثار سلبية، إلا أن قدرة هذه البلدان ستتعزز باستعادة الانتعاش في مرحلة ما بعد الأزمة في حال اغتنامها الفرصة في تخفيف اختناقات البنية التحتية وإعادة هيكلة برامج إعانات الدعم الـمالي الـمفتقرة إلى الفعالية والكلفة الباهظة، حيث أدت الأزمة الأخيرة، مثل سابقاتها، إلى إبراز الحاجة الـملحة إلى تنفيذ إصلاحات هيكلية للحد من قابلية بلدان الـمنطقة للتعرّض للـمخاطر وتحسين مرونة استجابتها لأية هزّات في الـمستقبل.
مخاطر الأزمة
وقال البنك الدولي، في تقرير عرضه خلال الاجتماع السنوي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي الـمنعقد في إسطنبول: إن الأراضي الفلسطينية تتعرض لخطر انخفاض الـمساعدات الإنمائية.
وأضاف: بالنسبة للبلدان غير الـمصدرة للنفط الـمرتبطة بصلات اقتصادية قوية ببلدان مجلس التعاون الخليجي و/أو الـمعتمدة على الـمعونات، وهي: الأردن، ولبنان، وجيبوتي، والضفة الغربية وقطاع غزة، فإنها ستشهد ركوداً في التدفقات الـمالية من بلدان مجلس التعاون، وتواجه تحديات تعبئة الـمعونات اللازمة في الوقت الذي تعاني فيه بلدان الـمصدر من آثار الأزمة.
وأشار التقرير، الذي جاء تحت عنوان "آخر التطورات والآفاق الاقتصادية الـمستقبلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 2009"، إلى انه "بصورة متزامنة مع الأزمة العالـمية، من الـمحتمل أن تقوم بُلدان الـمصْدر الـمتأثرة بالأزمة بتخفيض الـمساعدات الإنمائية الرسمية، في وقتٍ تشعر فيه البلدان الـمتلقية بالحاجة الـماسّة إلى زيادة تلك الـمساعدات لتنفيذ السياسات الـمالية اللازمة لـمواجهة التقلبات الدورية".
وحذر التقرير من انه "في ظل استمرار الأزمة والأداء الباهت للبيئة الاقتصادية العالـمية وتغلغله الـممكن في العامين 2009 و 2010، تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا احتمالات ارتفاع أثر الأزمة العالـمية على الاقتصاد الحقيقي للـمنطقة بسبب التطورات السلبية الناتجة أو الاحتمالات الـمجهولة التي تُخيّم على التجارة الدولية، وأسعار النفط، والسياحة، وتحويلات الـمغتربين والـمهاجرين، وشروط التمويل الدولي".
وتوقع البنك نمواً نسبته 4% لـمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في العام 2010، وقال إن سعر النفط الـمتوقع أن يبلغ 63 دولاراً للبرميل العام الـمقبل سيكفي لتفادي أزمة كبيرة في الدول الـمنتجة للخام.
لكنه حذر من استمرار وجود مخاطر كبيرة بسبب تعرض الـمنطقة لخطر الصدمات التجارية من حيث الاعتماد الضخم على صادرات الوقود واستيراد الـمواد الغذائية قائلاً ان الـمنطقة قد تشهد معدلات بطالة وفقر متصاعدة.
وقال البنك: ان دولا في الـمنطقة ستشهد حيزها الـمالي ينكمش بدرجة كبيرة مع محاولة الحكومات تحفيز اقتصاداتها ودعم أسعار الغذاء، مضيفا ان الاردن ولبنان لـم يعد لديهما أي حيز مالي.
وعانت الـمنطقة من تراجع حاد في النمو إلى نسبة متوقع أن تبلغ 2ر2% في العام 2009 من 1ر6% في العام السابق.
وستغرد قطر خارج السرب بنمو قدره 2ر18% في العام 2009 و2ر16% في العام 2010 مع بدء الإنتاج من مجمعات جديدة للغاز الطبيعي الـمسال، في حين من الـمتوقع انكماش الاقتصاد الكويتي 2ر1% هذا العام والسعودي 9ر0%.
تراجع التجارة العالـمية
ونسب التقرير لشمشاد اخطر، نائبة رئيس البنك الدولي لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "من الـمتوقع أن يشهد حجم التجارة العالـمية انخفاضاً حاداً بنسبة 7ر9% في العام 2009، وهو الانخفاض الأول من نوعه منذ العام 1982 والهبوط الأكبر والأشد منذ 80 عاماً. ويؤثر هبوط التجارة بصورة مباشرة على الصادرات والإيرادات النفطية إلى جانب تأثيره على صادرات الـمنطقة من السلع الـمُصنّعة والـمنتجات الأخرى، وعلى الخدمات الأخرى الـمرتبطة بالتجارة مثل الـمرور عبر قناة السويس في مصر واستخدام ميناء جيبوتي الذي تقوم بتشغيله شركة موانئ دبي العالـمية".
واضافت: يتوقف تأثير الأزمة على مدى تأثر وتفاعل بلدان الـمنطقة مع الأسواق والسلع الأولية، وكذلك أوضاعها وسياساتها الاقتصادية الكلية الـمبدئية (...) كان تأثير الأزمة العالـمية على القطاعات الـمالية في الـمنطقة محدوداً، ويصْدق ذلك أيضاً على بلدان مجلس التعاون الخليجي التي كانت قطاعاتها الـمالية أكثر انفتاحاً على الـمراكز الـمالية العالـمية، ولكنها كانت في وضع جيد أتاح لها القدرة على مواجهة الأزمة بفضل الاحتياطي الـمالي من فوائض إيرادات النفط السابقة".
وتابعت: من حيث التأثير على الاقتصاد الحقيقي، تمكنت الـمنطقة من تحقيق الاستقرار بصورة جيدة في العام 2008، حيث ظل متوسط نمو إجمالي الناتج الـمحلي ثابتا بينما انخفض النمو في الـمناطق الأخرى.
وذكرت: ان الآفاق الاقتصادية الـمستقبلية لـمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للعامين 2009 و2010 تتعرض لـمخاطر سلبية كبيرة، وسيتم اختبار قدرة بلدان الـمنطقة على الصمود والتصدي من واقع عمْق الأزمة العالـمية وتوقيت الانتعاش العالـمي.
ولفتت إلى ثلاثة مخاطر تهدد الـمنطقة، جديرة بتسليط الضوء عليها، أولها: كلـما زاد عمق الانكماش العالـمي وطال أمده أكثر من الـمتصور حالياً أو طال انتظار الانتعاش العالـمي، فإن ذلك من شأنه استمرار انخفاض الطلب على صادرات الـمنطقة من الهيدروكربون والسلع الـمصنعة. وحتى إذا تحوّل النمو العالـمي إلى نمو موجب في العام 2010، فسيظل مستوى إجمالي الناتج الـمحلي دون إمكاناته الكاملة نتيجة للطاقة الفائضة الكبيرة والتصحيحات الضرورية لأنماط الاستهلاك العالـمي.
ويتمثل الخطر الثاني بالـميول الحمائية غير الـمتوقفة أو غير الـمكبوحة من قبل الشركاء التجاريين للـمنطقة، أو فيما بين بلدانها، التي يمكن أن تُعرّض للخطر مساهمة الـمنطقة في تحقيق الانتعاش العالـمي من خلال التجارة فضلاً عن التأثير على آفاق النمو والتشغيل في الـمنطقة على الـمدى القصير. وثالثاً، توجد مخاطر أن يؤدي التدهور الحاد أو الـمستمر للاقتصاد الحقيقي للـمنطقة إلى التأثير على القطاع الـمالي من خلال الآثار الناشئة من حلقة الـمعلومات التقييمية، وفي حال استمرار الأزمة وتأثيرها على الـمركز الـمالي للشركات الصغيرة والـمتوسطة الـموجهة نحو التصدير وبالتالي الشركات الـمحلية الأخرى، ولهذا فإن الخطر يكمن في احتمال تدهور الـميزانيات العمومية للبنوك بسبب ظهور أو تزايد القروض غير العاملة.
انتعاش غير مؤكد
وقالت: "في النصف الثاني من العام 2009 وفي العام 2010، سوف تعتمد قدرة بلدان الـمنطقة على تحمّل ومواجهة أثر الأزمة، إلى حد كبير، على العمق والـمدى الزمني للانكماش الاقتصادي العالـمي، وتفترض الإسقاطات والتوقعات أن الانتعاش العالـمي سيحدث في العام 2010 إلا أنه لا يمكن أن نعتبر ذلك أمراً مسلّماً به ومفروغاً منه".
وأضافت: طبقاً للسيناريو القائل إن الأزمة ستخف حدتها في العام 2010 ولن تتعمّق، فإن أسعار النفط يمكن أن تبقى أعلى من الـمستويات التي من شأنها مساعدة بلدان مجلس التعاون الخليجي على تفادي أية مشاقّ أو صعوبات حتى إذا ظل النمو الاقتصادي ضعيفاً.
وبعيداً عن بلدان مجلس التعاون الخليجي، قالت اخطر: من الـمحتمل أن تشهد كل مجموعات البلدان الأخرى صعوبات كبيرة، حتى لو خفّت شدة الأزمة في العام 2010، فلن يبقى النمو الاقتصادي منخفضاً فحسب، بل ستتقوّض بفعل طول الأزمة قدرة الحكومات على تخفيف أثرها على الأسر الـمعيشية والعمال، وبموجب تصوّر أن الأزمة لن تخف حدتها في العام 2010 وأنها سوف تزداد عمقاً، فإن جميع بلدان الـمنطقة، بما في ذلك بلدان مجلس التعاون الخليجي، يمكن أن تشهد تراجعاً خطيراً في قدرتها على التحمّل نتيجة لانخفاض كل من أسعار السلع الأولية والصادرات والسياحة والاستثمار الأجنبي الـمباشر وتحويلات الـمغتربين والـمهاجرين.
وأشار البنك الدولي إلى أن الخيارات على صعيد السياسات بتخفيف أثر الكساد العالـمي الحالي تتمثل بـ"معالجة انكماش الحيز الـمالي، وترشيد اعانات الدعم الـمالي من اجل خلق الحيز الـمالي، وازالة الاختناقات الـماثلة امام النمو".
واشار تقرير البنك الدولي إلى ان "الآثار البشرية للأزمة ستكون على الأرجح كبيرة في عامي 2009 و2010، فأولا وقبل كل شيء، أدى التباطؤ الاقتصادي إلى إضعاف قدرة الـمنطقة الخائرة أصلا على خلق الوظائف وفرص العمل في القطاع الخاص، وتتوقع منظمة العمل الدولية زيادة في معدل البطالة إلى حوالي 25% في الشرق الأوسط و13% في بلدان شمال أفريقيا في العام 2009 قياساً بالعام 2007".
وتوقع التقرير ان تشهد قطر نمواً في اجمالي الناتج الـمحلي الحقيقي بنسبة تصل إلى 16% في العام 2010 تليها العراق ثم لبنان ومصر.
ضعف البنوك
ومن ناحيته، انتقد اوغست كوام، كبير اقتصاديي البنك الدولي لـمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ضعف اداء البنوك في الـمنطقة وقال: "أدى ضعف اندماج منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الأسواق الـمالية العالـمية إلى عزل الـمنطقة جزئياً عن آثار الجولة الأولى للانكماش الاقتصادي الراهن، لكن قدرة الـمنطقة على التكيف مع الصدمات تعوقُها، من الـمنظور الأطول أمدا، التنمية الـمحدودة للقطاع الـمالي، والقدرة الـمحدودة لحصول الأسر الـمعيشية والشركات على الخدمات الـمالية، بالإضافة إلى محدودية التفاعل مع الأسواق الـمالية العالـمية".
وأضاف: تهيمن البنوك على القطاعات الـمالية في البلدان غير الخليجية، بالإضافة إلى أن الـمؤسسات الـمالية غير الـمصرفية الـموجودة تعتبر غير متطورة إلى حد كبير، ونتيجة لذلك، فإن مجموعة الأدوات الـمالية لإدارة الـمخاطر، بدءاً من منتجات التأمين إلى الـمشتقات الـمالية، ليست متاحة للأسر الـمعيشية والشركات.
وقال: ان عدداً قليلاً من شركات القطاع الخاص يستخدم الائتمانات الـمصرفية لتمويل الاستثمار، فبدلاً من ذلك تعتمد الشركات بشكل رئيس على الأرباح الـمحتجزة، ويعني انفصال القطاع الـمالي عن الاقتصاد الحقيقي فقدان واحدة من أنجع الأدوات التي يستخدمها الاقتصاد لتخفيف الـمخاطر من خلال السياسة النقدية، وبصفة أكثر عمومية، فإن القطاع الـمالي الـمتطور بصورة جيدة الذي يقدم مصادر تمويل متنوعة لكل من الأفراد ومنشآت الأعمال لتخفيف الـمخاطر والتأمين ضد التعرض للأخطار، والذي يمكن أن تقترض منه الأسر الـمعيشية والشركات لتخفيف آثار الانكماش والركود الاقتصادي، يعتبر مصدراً حاسم الأهمية لـمرونة الاقتصاد بمفهومها الأوسع نطاقاً، أي قدرته على تخفيف وإدارة آثار الصدمات والتكيف مع الأوضاع الـمتغيرة في اقتصاد ديناميكي.
90 مليون فقير
وتوقع البنك الدولي أن يكون حوالي 90 مليون شخص آخر يعيشون في فقر مدقع على أقل من 25ر1 دولار في اليوم بحلول نهاية العام 2010، مشيراً إلى ان حوالي 43 بلداً من البلدان النامية الـمنخفضة الدخل تعاني من أثر مزيج من الأزمات التي شهدتها في قطاعات الغذاء والوقود والاقتصاد، فيما تفيد تقديرات البنك بأن النقص في التمويل لأغراض الوفاء باحتياجات الإنفاق الأساسي بالنسبة لتلك البلدان يمكن أن يبلغ حوالي 6ر11 مليار دولار.
وقال شانتا ديفاراجان، رئيس خبراء الاقتصاد في منطقة إفريقيا في البنك الدولي: "في منطقة فقيرة مثل إفريقيا، تتأثّر حياة الناس حين يبدأ الدخل بالهبوط، وحين تكون معدلات النمو في دخل الفرد سلبية. لقد وجدنا أن من بين أكثر الإحصاءات إثارة للقلق أنه حين يظهر مثل ذلك التباطؤ، يموت الأطفال الرُّضّع.
واضاف: توصّل أحد الزملاء إلى تقديرات تفيد بأنه بالنسبة لحجم التباطؤ الاقتصادي في إفريقيا، يمكن أن تحدث وفاة ما بين 30 و50 الف طفل رضيع قبل بلوغ سنة من العمر.
وكان وصول الأزمة الاقتصادية إلى إفريقيا استغرق حوالي ستة أشهر، وهبط معدل نمو الاقتصاد في إفريقيا من 8ر4% سنوياً في العام 2008 إلى حوالي 1% في العام 2009.
الانتعاش قد يتأخر
وفي هذا الصدد، اعرب ديفاراجان عن خشيته من أن يتأخر ظهور الانتعاش الاقتصادي في إفريقيا، اذ هبطت تدفقات رأس الـمال، كما هبطت الإيرادات من صادرات السلع الأولية.
ويقول خبراء الاقتصاد في البنك الدولي: إن الإشارات الاقتصادية الحيوية مثل: إنتاج الصناعات، والتجارة، والاستثمار الأجنبي الـمباشر آخذة في التصاعد، ولو أنها عند مستويات أدنى بكثير مما كانت عليه قبل الأزمة الـمالية.
وقال أندرو برنز، رئيس خبراء الاقتصاد في مجموعة آفاق التنمية في البنك الدولي: "نرى الآن أن هذا الانتعاش مستمر ويبدو أنه سيزداد زخماً بالفعل. سنبدأ في العام 2010 والعام 2011 برؤية معدلات نمو أدنى مما اعتدنا على رؤيته في عدة سنوات ماضية، ولكنه نمو مستمر وثابت. ومن الـمتوقع أن يكون حوالي 5ر5% في العام 2010 بالنسبة للبلدان النامية".
بيد انه اشار إلى ان الفجوة بين ما يمكن للعالـم إنتاجه وما يقوم بإنتاجه فعلاً من الـمتوقع أن تظل كبيرة جداً (حوالي 6% من إجمالي الناتج الـمحلي بالنسبة للبلدان النامية)، كما أن ارتفاع تكاليف الاقتراضات وضعف النظام الـمالي من الـمرجّح أن يؤدّيا إلى تخفيض الإنتاج الـممكن في الأمد الطويل في البلدان النامية بحوالي 4 في الـمائة من إجمالي ناتجها الـمحلي.
وقال برنز: هذا يعني أن البطالة ستكون مشكلة مستمرة بالنسبة للبلدان النامية وللبلدان عالية الدخل، كما يعني أن تستمر إلى حين التحولات والتغييرات الهيكلية الصعبة جداً، التي يجري القيام بها حالياً أثناء التكيّف مع انخفاض معدلات النمو ومستويات الإنتاج".
والعديد من البلدان ما زالت تشعر بآلام الهبوط الاقتصادي، فيما يشير البنك الدولي إلى ان من الـمحتمل أن يكون معدل نمو اقتصادات البلدان النامية أدنى من 2% في العام 2009، مقابل حوالي 8% في السنة السابقة.
والوضع في إفريقيا ليس افضل حالاً منه في منطقة شرق أوروبا وآسيا الوسطى، اذ تعاني عدة بلدان من "ما يمكن أن يكون أسوأ" أزمة مالية ضربت تلك الـمنطقة.
وقال إندرمت غيل، رئيس خبراء الاقتصاد في منطقة شرق أوروبا وآسيا الوسطى في البنك الدولي: "من الـمتوقع أن يكون معدل نمو الاقتصاد في هذه الـمنطقة سلبياً بواقع 6% في العام 2009، مع كون ذلك الـمعدل في عدة بلدان عند مستوى 10% . وازداد عدد العاطلين عن العمل رسمياً من 5ر8 مليون شخص إلى 5ر11 مليون، إلا أن العدد الفعلي للعاطلين عن العمل يمكن أن يكون أعلى من ذلك بكثير".
ديون مستحقة
أما الديون الأجنبية فهي مشكلة تلوح في الأفق بالنسبة لهذه الـمنطقة، فالديون التي يستحق أجل سدادها في السنة القادمة تزيد على 300 مليون دولار يجب تمويل سدادها بطريقة من الطرق، فيما من الـمتوقع ازدياد عجوزات الـمالية العامة بأكثر من ثلاثة أمثال في بعض البلدان، مما يضطر الحكومات للعمل بموجب موازنات أصغر من السابق، علـماً أن الركود الاقتصادي في هذه الـمنطقة أدى إلى عكس مسار هبوط معدلات الفقر.
وقال غيل : بدلاً من هبوط عدد الفقراء بحوالي 15 مليون في هذه السنة، سيزداد ذلك العدد في الواقع بحوالي 15 مليون شخص، وهكذا نرى فرقاً كبيراً يبلغ حوالي 30 مليوناً من الفقراء.
وهذه الأرقام لا تُنبئ فعلاً عن مدى سوء أوضاع 150 مليوناً من الفقراء الذين كانوا فقراء أو معرضين للفقر، وليست هنالك احتمالات واعدة بالنسبة للعاملين وأسرهم في هذه الـمنطقة.
من جهة ثانية، يشير الخبراء إلى ان البلدان الـمنخفضة الدخل قلقة أيضاً من أن الـمعونات ستتباطأ أو تتضاءل مع مواجهة البلدان الـمانحة قيوداً ومعوقات خاصة بها، بينما تقلق ثلاثة بلدان هي: الصين والهند والبرازيل من الهبوط الكبير في أسواق صادراتها العادية في الولايات الـمتحدة وأوروبا.
وقد شهدت التجارة العالـمية انتعاشاً طفيفاً عن أدنى معدلات هبطت إليها، بواقع 35% في الربيع الـماضي، ومن الـمتوقع حالياً أن لا يزيد الهبوط بصفة عامة على 10% في هذه السنة.
الا ان برنارد هوكمان مدير إدارة التجارة في البنك الدولي، اكد أن نسبة كبيرة من انتعاش التجارة نجمت عن الـمحفزات الـمالية العامة والنقدية وعملية إعادة بناء الـمخزونات، وقال: "مع بدء الحكومات الانسحاب من تقديم الـمحفزات، يبقى السؤال الكبير: هل سيقوم الطلب في القطاع الخاص بالتعويض عن انكماش الـمساعدات من الـمحفزات؟ ومن الواضح في بلدان العالـم الـمستوردة الكبيرة، التي تعتبر الولايات الـمتحدة أكبرها وأوضح مثال عليها، أن الأسر ستشهد الـمزيد من القيود والـمعوقات في قدرتها على الاستهلاك بالـمستوى الذي اعتادت عليه".
الركود إلى الانحسار
من جهة أخرى، قال وزراء مجموعة الاربعة والعشرين الدولية الـمعنية بالشؤون النقدية والتنمية الدولية: ان "مخاطر الركود العميق وطويل الامد في الاقتصاد العالـمي تبدو في سبيلها للانحسار بفضل الإجراءات غير الـمسبوقة على مستوى السياسات التي اتخذتها كبرى البلدان الـمتقدمة والنامية على حد سواء، فضلا عن زيادة الدعم من الـمؤسسات الـمالية الدولية".
واشاروا في ختام اجتماع عقدوه برئاسة سورية في إسطنبول في اطار الاجتماع السنوي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي: "ان الأزمة كانت ولا تزال مستمرة في فرض عواقبها الوخيمة على بلدان العالـم النامية".
وأضافوا في بيان: "ادت حدة الانكماش في التجارة العالـمية وتراجع الايرادات من تحويلات العاملين والسياحة واستمرار ضيق الاوضاع الائتمانية، إلى تباطؤ ملحوظ في النمو وضياع فرص عمل كثيرة وزيادة حدة الفقر والضغوط الاجتماعية في العديد من البلدان، لا سيما افقرها واكثرها ضعفاً".
وشدد الوزراء على اهمية استمرار تطبيق سياسات مالية ونقدية متسقة ومتناغمة لـمواجهة اختلالات الدورة الاقتصادية، بالاضافة إلى اهمية الإجراءات الرامية إلى انعاش تدفقات الائتمان وتشجيع خلق فرص العمل وشبكات الامان الاجتماعي، داعين إلى "التنفيذ الـمتسق والعاجل للإجراءات اللازمة لـمعالجة اوجه الضعف العميقة في تنظيم الاسواق الـمالية الوطنية والدولية".
وقالوا: في الـمرحلة الـمقبلة فإن من شأن اعداد استراتيجيات للخروج من هذه الأزمة وتنفيذها بمجرد ان يصبح التعافي راسخ الاركان، ان يسهم في بناء الثقة في قدرة الـموارد والـميزانيات العمومية على الاستمرار، بحيث تشكل الركيزة اللازمة للتعافي الدائم.
وأكد الوزراء ضرورة اتساق مثل هذه الاستراتيجيات مع تحقيق النمو القوي والقابل للاستمرار مع مراعاة الظروف الخاصة بكل بلد على حدة.
وذكروا ان البلدان النامية سوف تواجه فجوات تمويلية في الاجل الـمتوسط، مشيرين إلى "ان هذه البلدان تعاني من صعوبة الحصول على التمويل الخارجي في ظل شروط الاقتراض السائدة، ومن مزاحمة البلدان الكبيرة لها، ومن قيام الـمؤسسات الاستثمارية باعادة تسعير الـمخاطر، داعين إلى "مواصلة الـمؤسسات الـمالية الدولية تقديم الدعم الكافي في الوقت الـمناسب للبلدان النامية الاكثر تضررا من الأزمة، بالاضافة إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتقليص الفجوة بين البلدان الـمتقدمة والنامية". مطالبةً بمضاعفة حصص الدول النامية في صندوق النقد.
ودعت الـمجموعة إلى زيادة الحصص أو الاكتتابات في صندوق النقد الدولي لـمثليها على الاقل، وذلك لتدبير الـمزيد من الاموال للـمقرض العالـمي واحداث تحول كبير في ميزان التصويت من الدول الـمتقدمة إلى النامية.
وقالت الـمجموعة التي تضم اقتصادات صاعدة ونامية انه يبنغي احداث تحويل بنسبة 7% في الحصص من الدول الـمتقدمة إلى النامية.
وكانت مجموعة العشرين للاقتصادات الـمتقدمة والصاعدة اتفقت في بيتسبرغ، الشهر الـماضي، على دعم تحويل لا يقل عن 5% في الحصص.
وقالت مجموعة الاربع والعشرين قبيل اجتماعات للبنك الدولي وصندوق النقد في إسطنبول: "اعادة توزيع الحصص يجب ألا تكون على حساب دول نامية أخرى".
تجنب الحمائية
ودعا وزراء الـمجموعة البلدان الـمتقدمة إلى تجنب التدابير الحمائية وغيرها من القيود في التجارة والتمويل والاستثمار وخدمات العمالة مؤكدين "اهمية التوصل إلى ختام طموح وناجح لجولة مفاوضات الدوحة يكفل تلبية احتياجات البلدان النامية، لا سيما في تحسين فرص نفاذها إلى الاسواق والغاء البلدان الـمتقدمة للدعم الزراعي الذي يلحق الضرر البالغ بالقطاع الزراعي والفقراء في البلدان النامية".
ورحب الوزراء بالتحسينات التي جرت على سياسات صندوق النقد الدولي في مجال الاقراض، بما في ذلك استحداث "خط الائتمان الـمرن"، والاتفاقات الوقائية للاستعداد الائتماني عالي الـموارد وزيادة حدود الاستفادة من الـموارد وزيادة ترشيد الشروط الـمطلوبة، داعين الصندوق إلى اتخاذ تدابير محددة اضافية لتقوية ادواته الـمعنية بالتمويل الوقائي واسع النطاق.
واعربوا عن قلقهم ازاء تضرر البلدان منخفضة الدخل بشدة من جراء الأزمة، داعين الـمؤسسات الـمالية الدولية للقيام بدور مهم في مساعدة هذه البلدان على التكيف مع هذه التقلبات، وفي توجيه نسبة أكبر من الـمدخرات العالـمية إلى هذه البلدان.
كما عبروا عن قلق عميق ازاء انخفاض حجم الـمساعدات الـميسرة للبلدان منخفضة الدخل، داعين إلى إجراء اعادة تمويل اضافية لـموارد الـمؤسسة الـمالية للتنمية من اجل الحفاظ على مستويات التمويل في العامين الـمقبلين.
وايدوا اقتراح استحداث "منشأة الاستجابة للأزمات" في الـمؤسسة الدولية للتنمية، ولكنهم شددوا على ضرورة ان تكون موارد هذه الـمنشأة اضافية على التمويل الـمتاح لبرنامج الـمؤسسة الدولية للتنمية، ورحبوا بالـمبادرة التي تسمح لبلدان الـمؤسسة الدولية للتنمية، بموجب معايير محددة، الحصول على الـموارد التي يوفرها البنك الدولي، حاثين البنك على وضع الية ملائمة وتتسم بالشفافية لهذا الغرض.
وترأس الاجتماع اديب مياله، حاكم مصرف سورية الـمركزي، ومثلت فيه الجزائر، وكوت ديفوار، والكونغو، ومصر، واثيوبيا، والغابون، وغانا، ونيجيريا، وجنوب إفريقيا، وإيران، والهند، ولبنان، وباكستان، والفلبين، وسري لانكا، والارجنتين، والبرازيل، وكولومبيا، والـمكسيك، وبيرو، وترينداد، وفنزويلا.