عقد في العام 1995 اثنان من أخطر اللقاءات السرية التي تطرقت للقضية الفلسطينية، بتنظيم وترتيب رئيس السلطة محمود عباس، الذي كان يتولى رئاسة دائرة المفاوضات آنذاك، وتمخض عنهما وثيقتين لم تنشر السلطة تفاصيلهما كاملة، وبقيت طي الكتمان إلى حين برزت تفاصيلها على السطح مجددًا مع مجيئ ادارة ترامب لتطبيق بنات افكارها تماما وفقًا لتفاهمات عباس.
اللقاء الأول تمخض عنه ما عرفت بوثيقة أو تفاهمات عباس_بيلين وهي الوثيقة السرية التي نضجت بعد سنوات عديدة من النقاش بين الطرفين، توصلا فيها إلى مجموعة من التفاهمات الخطيرة التي تتعلق بانهاء حق العودة وتبادل نسبة من الاراضي والتخلي عن القدس والقبول بمناطق عربية في محيط المدينة كعاصمة للدولة الفلسطينية المزعومة.
مفاوضات عباس-بيلين انتهت مع مقتل رابين آنذاك وصعود شيمعون بيرز لسدة الحكم، حيث اوقف المفاوض الفلسطيني هذه المباحثات، "فنحن لا نفاوض حزبًا بل إسرائيل"، هكذا رد حسن عصفور أحد أعضاء طاقم التفاوض على بيلين عندما طلب منه استئناف التفاوض، وفق ما كشفه للرسالة.
اللقاء الأخطر الذي بقي طي الكتمان لسنوات عديدة، كان لقاء عباس_شارون في مزرعة الأخير في صيف ذلك العام، طبقا لما كشفه حسن عصفور الذي تولى آنذاك منصب "منسق دائرة شؤون المفاوضات".
عصفور كشف للرسالة عن تفاصيل مذهلة للخطة التي تبنتها لاحقًا إدارة ترامب المتحالفة مع تكتل اليمين الاسرائيلي، وتحديدا جراند كوشنير وغرينيبلات، حيث تحوّلت هذه الخطة السرية، إلى صفقة القرن أو ما تعرف بـ"صفقة ترامب الاقليمية" التي يراد من خلالها تصفية القضية.
يؤكد عصفور أن ما يجري تطبيقه الان مما تسمى بـ"خطة صفقة القرن" هي ترجمة عملية للقاء وخطة شارون_عباس التي تعبر بالاساس عن الفكر السياسي للرجل، وهي الخطة التي رفض الرئيس الراحل ياسر عرفات مجرد الاستماع اليها، ومنذ ذلك الوقت اتهم عباس بـ"رجل امريكا" ثم اطلق عليه في مرحلة لاحقة بـ"كرزاي فلسطين".
الخطة السرية جاءت إثر لقاء اجراه عباس بدون علم دائرة التفاوض، "حيث جائنا وقال حصلت على موعد، وعندما تفاجأنا بهذا طلبنا منه الاطلاع على تفاصيل الخطة، وصدمت عندما اطلعت عليها، ويعرف عباس أنني اعرفها جيدًا"، والقول هنا لـحسن عصفور في حديثه لـ"الرسالة".
ورغم أن عباس قال إنه رفض تفاصيل الخطة آنذاك، إلّا عصفور يشكك في صحة ومصداقية اقوال عباس، "يومها لم يقبل أبو عمار مجرد الاستماع للخطة لتفاصيلها الصادمة".
وقال عصفور في لقاء خاص مع صحيفة "الرسالة"، إنّ محمود عباس تحدث أنه حصل على موعد مع شارون، "ولما عاد اطلعت على المحضر وهو يعرف أنني قرأته وذهلت من خطة شارون التي بدأ تنفيذها عام 2005، وتمثلت في خطة الانسحاب من غزة".
وأوضح أن الخطة تتضمن كذلك وضعا خاصا بالضفة من خلال انشاء مناطق وكانتونات متقطعة بين مناطق الضفة والربط بينها من خلال جسور علوية او انفاق سفلية، ويتم ربطها بطرق غير برية تسيطر عليها (إسرائيل).
وذكر أنه رفض الخطة، "وزعم ابو مازن أنه رفضها رغم شك عصفور في ذلك، وعندما عرضها على الرئيس الراحل ياسر عرفات لم يقبل الاخير مجرد الاستماع له؛ ليسميه لاحقا بكرزاي فلسطين".
وأشار إلى أن عباس الذي بدأ بالمزايدة على الراحل ابو عمار من خلال حديثه أنه "لن يتنازل عن القدس، وهو من هوده حائط البراق بحكم موقعه مسؤولا عن دائرة شؤون المفاوضات آنذاك، مع العلم أن عرفات رفض مجرد التنازل عن الجزء السفلي من حائط البراق".
وأكدّ عصفور أن ما يجري تطبيقه حاليا هو صفقة شارون، "ومن المهم العودة لنصّ خطاب شارون عندما تولى عباس رئاسة السلطة عام 2005 حيث وصف ذلك اليوم بـ"التاريخي".
وذكر أن اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات وتنصيب عباس كان جزءًا من مخطط شارون، وتمهيدا حقيقيا للبدء في تنفيذها.
ولفت إلى خطاب بوش عام 2002 الذي وعد به بتنفيذ حل الدولتين، "لكن الشعب الفلسطيني يريد قيادة أفضل من الحالية، وهو الخطاب الذي وصفته بخطاب تصفية ياسر عرفات"، حسب قول عصفور.
وأشار الى أن محمود عباس كان جزءاً من مؤامرة استبدال عرفات، "فبعد شهرين فقط تم فرضه رئيسا للوزراء، وقد حاولنا بكل جهدنا معارضة هذه الخطوة، غير أن أبو عمار لم يستطع ان يقاوم أكثر هذه الضغوط".
وبيّن أنه تم تسمية بعض الاسماء التي هددت لاحقًا واضطرت لسحب ترشيحها، فيما بدأ عباس عمليا بتشكيل فريق فيما عرف وقتها بـ"بناية العار" التي اجتمع فيها ببعض مريديه ومنهم عزام الاحمد، وكان من في هذه البناية يتآمرون على عرفات.
وحول تفاصيل مباحثات "عباس_بيلين" التي كان عصفور أحد اعضاء طاقم التفاوض فيها، قال إن عباس لم يكن وقتها شريكًا في أي لجان، و"أنا شخصيا من اقترحت اسمه بحكم منصبه مديرًا لشؤون المفاوضات، وتطرقنا في هذه المباحثات لقضايا الحل النهائي والانتقالي، وقد توقفت عند اغتيال اسحاق رابين".
وختم بالقول: "كل هذه الشواهد كافية ليفهم الشعب الفلسطيني من هو محمود عباس"، مشيرا إلى أن عباس رفض مقترحا من اولمرت باستئناف المفاوضات مقابل منحه 94% من الضفة وبعض الاحياء في القدس العربية؛ لكنه رفض بعد اتصال من كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الإميركية آنذاك، وقال إن امريكا مصممة على حل يتطابق مع الرؤية التوراتية.