بعد خمسة وعشرين عاما على اتفاق أوسلو يرى المعارضون له أنه كان سقطة قوية في حق القضية الفلسطينية بينما يراه البعض كمنعطف إيجابي أحيانا لأنه أدى إلى إيقاف النزاع المسلح بين الاحتلال ومنظمة التحرير والإعلان عن انتهاء الانتفاضة الأولى.
لكن في الواقع شكل الاتفاق فرصة تاريخية للاحتلال الإسرائيلي لتمرير مشاريعه الاستيطانية في القدس والضفة المحتلة والوصول إلى حلم القدس الكبرى، دون أن تحاول السلطة تقييم الاتفاق والنظر فيما قدمه للقضايا الفلسطينية الرئيسية التي كان بعض منها معلقا ومؤجلا في نصوص الاتفاقية.
"الرسالة" حاورت الخبير في قضايا الاستيطان صلاح الخواجا للحديث عن واقع الاستيطان بعد خمسة وعشرين عاما من أوسلو.
في بداية حديثه عن تقييم اتفاقية أوسلو يقول الخواجا: ازداد عدد المستوطنين من 123 ألف مستوطن إلى أكثر من 800 ألف أي أن عددهم زاد سبعة أضعاف"، متابعا: أصبحت المناطق مقسمة لــــــــ" أ، ب، ج" وبدأت توسعات (إسرائيل) الآن على حساب منطقة "ب" بعد قرار الاحتلال ضم الضفة المحتلة للمشروع الاستيطاني، هذا بالإضافة إلى 600 حاجز في مناطق الضفة قسمتها الى "كانتونات" ومعازل سكانية.
ويذكّر الخواجا بالجدار الفاصل الذي بدأ العمل به عام 2002 ويفصل أراضي الداخل عن الضفة ويضم 17% من أراضي الضفة الى الاحتلال، وهذا أيضا مشروع استيطاني تحقق في كنف أوسلو.
ويلفت الخواجا إلى أن كل المعطيات السابقة تؤكد أن أراضي الضفة والقدس أصبحت أراضي "مهوّدة" بعد خمس وعشرين عاما من توقيع الاتفاقية، بالإضافة الى أن الضفة منفصلة بشكل كامل عن غزة والمصلون ممنوعون من الوصول الى الأقصى لإقامة الصلوات في المقدسات سواء الإسلامية او المسيحية.
واستعرض الخواجا أرقاما هامة وخطيرة فيما يخص الاستيطان في القدس متحدثا عن مشروع القدس الكبرى الذي يسير على قدم وساق، بالإضافة إلى خطوط لربط المستعمرات في القدس ببعضها البعض لتحقيق المشروع وذلك ببناء مستوطنة تربط بين مستوطنات أقيمت في عام 1948 وأخرى أقيمت في 1967 وستربط مستوطنة معاليه ادوميم بغيرها من المستوطنات التي أقيمت مجددا مستغلة بذلك أراضي الضفة المحتلة وبمساحة لا تقل عن 12 %، علما بأنها قد ضمت مسبقا 18 % من أراضي المزارعين خلف الجدار.
ويقول الخواجا:" يكمن الخطر الأكبر في الأغوار التي تشكل 28 % من مناطق الضفة، وهي اكثر من مليون دونم وهذا يقلل من عدد السكان شيئا فشيئا، فلم يعد عدد سكان النقب يتجاوز 75 ألف فلسطيني بعد تفريغ النقب من سكانها بالإضافة إلى تطبيق قانون أملاك الغائبين لتستطيع السيطرة على أكثر من 63 % من أراضي الضفة.
وعن مدى إمكانية اعتبار أوسلو ورقة رابحة بالنسبة لـ (إسرائيل) يكمل خبير الاستيطان حديثه: (إسرائيل) كانت ما قبل أوسلو تسعى لتقسيم الضفة والقدس إلى 11 "كانتون" ولم تكن تستطيع بسبب سلاح الثوار، ولكنها الآن وبفضل أوسلو استطاعت تقسيمها إلى147 "كانتون".
ويذكر بمشروع رابين في عام 1975, والذي أعلن فيه عن حلم "القدس الكبرى" ولكنه فشل في تحقيقه قبل أوسلو بسبب المقاومة المسلحة، والدليل أن الحلم يتحقق الآن في القدس وثمنه أجساد المهجرين من الخان الأحمر والنقب والمناطق الأخرى التي تم مصادرتها بعد اتفاقية أوسلو.
جسر للتطبيع
وبحسب أوسلو فقد جرى تأجيل المفاوضات حول الوضع النهائي لمدينة القدس، بالإضافة إلى قضايا اللاجئين والمستوطنات والحدود والمياه، إلى المرحلة الثالثة والأخيرة، التي لم تتم حتى الأن.
وفي ذلك يقول الخواجا أن هذا الخلل الأساس بالاتفاقية لم يكن من المفترض أن يوافق عليه الوفد المفاوض وقد حذر منه الدكتور حيدر عبد الشافي حينما قال " قبل أي اتفاق يجب ان يتوقف الاستيطان ويجب عدم الدخول بأي مفاوضات قبل إيقافه".
ولفت إلى أن الأمر بقي مفتوحا وعائما بينما استغلت (إسرائيل) عدم وضوحه لتضع الفلسطيني بين فكي كماشة وبدأت بتوسعة الاستيطان، كما أنها استغلت الفلسطيني المفاوض والشريك بعملية السلام كجسر لتطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي والعربي واستخدمت الاتفاقية لإقناع العالم بأن (إسرائيل) تسعى خلف السلام، بعد أن كانت في نظره دولة استعمار، مؤكدا أن (إسرائيل) قد حققت أرباحا كبيرة من خلال أوسلو أولها توسيع مشاريع التطبيع.
وحول إمكانية توقيع مخطط جديد يقول الخواجا أن (إسرائيل) رسميا تنصلت من اتفاق أوسلو فهي تدخل كل يوم الى المناطق الفلسطينية وتقتحم وتهدم وتعتقل كما تريد، والمطلوب الان الوحدة الوطنية رفضا للسياسات الدولية التي تهدد وتستنكر وتكيل بمكيالين دون قول كلمة حق واحدة لـ(إسرائيل) أكبر دولة مصدرة وداعمة للإرهاب.
ويضيف: نستطيع القول إن أوسلو دمرت القضية وأبقت على الاستيطان وعززته وحاصرت غزة وأخرجت 145 ألف فلسطيني من القدس لتحقيق أهدافها الاستيطانية وبالتالي نحن بحاجة إلى مراجعة شاملة بهدف وقف مؤامرة أوسلو.
يرى الخواجا أن وجود مستنفعين من وراء أوسلو هو السبب الرئيسي لاستمراره، منوها إلى أنه هناك اجماعا وطنيا بضرورة التحلل من أوسلو ووقف التنسيق الأمني وذلك كان أحد مخرجات المجلسين المركزي والوطني.
واضاف:" هذا الاستنفاع يظهر جليا في اتفاقيات التطبيع من بعض رجال الأعمال الذين يسعون لتحقيق مشاريعهم مع الاحتلال بدلا من النضال".
وفي نهاية حديثه يؤكد الخواجا أن أوسلو خديعة تعرض لها الشعب الفلسطيني وكانت يجب أن تنتهي بحصار وقتل الشهيد عرفات.