لا يملك الطفل صالح عاشور عينين حتى يبكي!، فرموش عينيه تطبق على الفراغ بعد أن اختطف رصاص الاحتلال بصره تاركاً آثاراً نفسية وعضوية تتجاوز حدود إمكانات غزة ومعاناتها.
رغم أنه الرابع من بين 3 شقيقات وأشقاء إلا أن والديه يتحدثان عن حاجته لرعاية تشبه طفلاً حديث الولادة فكل شيء فقد بوصلته من رأسه وأضحى بحاجة لمعاونة في كافة شئونه.
وكان عاشور قد أصيب برصاصة اخترقت رأسه بجوار أذنه اليمني وخرجت من عينه اليسرى التي فقدها وتدهورت حالته حتى فقد الأخرى.
أثارت صورة وحالة الجريح عاشور (16) عاما كل من رآها منتصف مايو الماضي ومرت أحواله بظروف صحيّة قاسية تنقل فيها بين غزة والمملكة الأردنية.
الفضول القاتل
عندما ذهبت لزيارته وجدته يتلمّس طريقه من الحمّام إلى سريره الدائم في زاوية الحجرة وقد أطبق رموشه على الفراغ الذي كان يوماً يحتله بصره الراحل.
يقول صالح: "درست حتى الثانوية ثم بدأت أتعلم مهنة الحلاقة لكسب الرزق ويوم 14 مايو كان لدي فضول لرؤية فعاليات مسيرة العودة على حدود البريج وحين وصلت رأيت أمامي إشعال إطارات وسقوط جرحى وإلقاء الطائرة الغاز ثم حاول صديقي استدعاء المسعفين لانقاذي من الغاز وجلست في انتظار صديقي ولا أتذكر ماذا جرى معي".
المشوار الوحيد والأخير الذي ذهب فيه عاشور للمشاركة في فعاليات مسيرة العودة السلمية كان يوم (14) مايو ولم تتجاوز إقامته هناك أكثر من ساعتين تحوّل بعدها لجريح حالته خطيرة ومجهول الهوية عثرت عليه أسرته بعد يومين.
يقول أسامة عاشور والد صالح إنه بحث عنه في اليوم الاول فلم يجده وفي مساء اليوم الثاني وجده في مستشفى الشفاء بحالة سيئة وقد رجح الأطباء احتمال مفارقته للحياة.
كل ما يذكره صالح بعد إصابته هو طائرة الغاز وحين استيقظ نادى بأعلى صوته على والديه متسائلاً (هل بجواري أحد؟ ) قبل أن يذوب مرةً جديدة فاقداً الوعي ويستيقظ بعد 3 أيام وأهله إلى جواره.
استئصال العينين
صحيح أن معظم الفلسطينيين خاصّة في غزة علموا بقصة إصابة الجريح عاشور لكن الذي لم يعرفوه أن معاناته تصاعدت ومعاناة السفر للعلاج بددت ملامحه بعد رحلة طويلة بين غزة والعاصمة الأردنية عمّان.
أجرى الأطباء عملية جراحية لوقف نزيف الدماء في مستشفيات غزة التي تنقّل فيها بين الشفاء والعيون واستأصلوا الرصاصة من عينه اليسرى عاجزين عن إنقاذ عينه الثانية.
يؤكد والده السيّد أسامة عاشور أن ابنه الآن بحالة سيئة وهو بحاجة للرعاية الكاملة وقد أثبت أطباء المستشفى العسكري في مدينة الحسين الطبيّة أنه بحاجة لمعجزة حتى يستعيد حاسة البصر قوامها زراعة عينين بعد أن تلف عينيه بالكامل وجرى استئصالهما.
ويتابع: "أنا وأمه نتعامل مع مولود جديد لنا نساعده في كل شيء وهو معذور في ذلك طبعاً، أخفينا عنه في البداية تفاصيل الإصابة وتركنا مستشفيات غزة ورحلنا بدعوة كريمة من ملك الأردن حتى اجرينا له عملية جراحية ثانية في الأردن ".
الأطباء في الأردن نظفوا له من جديد موقع الشظايا وخضع بعدها لعلاج التهابات العيون ثم فحص الأعصاب والشبكية قبل أن يجروا عملية تنظيف وتجميل للعينين اللتين رحلتا للأبد.
رغم توصية الأب للزوار في الأردن بعدم الحديث عن فقدانه الكامل للبصر إلا أن انفلاتة طائشة من أحدهم صدمت الطفل عاشور بالحقيقة التي عاد متجرّعاً شوكها إلى غزة.
يمضى عاشور معظم نهاره فوق سريره بحجرة المنزل الغربية طلباً للهواء النقي ويصاحبه بعد الأصدقاء لأداء صلاة الجماعة في المسجد المجاور ويسلوه بأحاديثهم الممتدة حتى حلول الظلام.
آخر من فحصه طبيّاً أكد فقدانه لعينيه مع حدوث تلف في أنسجة الدماغ وآثار شظايا وأن أي بارقة أمل لزراعة العيون يحتاج قبلها لفحوصات المطابقة والملاءمة في مستشفى متطوّر بالولايات المتحدة الأمريكية.
ورأيت قبل أيام صورةً للطفل عاشور ووالده في تركيا قاصدين مرحلة علاج جديدة وهم يلاحقون الأمل في نفق الانتظار آملين أن يستعيد صالح ولو جزءاً من حاسة بصره ضمن خطة علاج معقّدة في حين لازال يخضع للفحص والكشف الطبّي في هذه المرحلة.