بقلم: هبة علي الكحلوت
في ظلمة ليل غريب صعد رجال الإطفاء إلى قمة جبل رملي ليصلوا إلى كومة الحديد والقماش المحترقة يقطنها تسعة أفراد من عائلة أبو احمد بعد إخماد الحريق وانتشال الجثث المصابة الهامدة التي لم تتعرف إليها أم احمد( تلك العجوز التي جاوز عمرها الستين) سوى من الملابس المتبقية التي بللتها بدموعها المتساقطة
سألها الضابط : كيف حدث هذا ؟؟
سكتت لبرهة وهي تحاول تجرع ماضي ساعة مرير ابتلعت ريقها وتحدثت بصوت علاه نبرة الشجن والحزن والألم: كنا نتحدث عن أبي وأمي كنت احتضن طفلتي _ أمل _ وأضافت لست ادري انقطعت الكهرباء وناداني زوجي اقصد المرحوم أبو احمد لأشعل له ضوء المصباح كي يضئ لنا _ الموتور _ الجديد الذي اشتريناه بالقسط من المحل الجديد الذي فتح أمامنا وبمجرد أن أشعلته رأيت نارا ذكرتني بحرب منذ سنة لم ينطفئ وطيسها ألقيت ما في يدي و ناديت أبو احمد , أبو احمد , ولكن النار أحاطتني .
أدركت من انه لا صوت له, ولا حراك أسرعت لأخرج أطفالي ولكن الدخان والنار ألتهمتهم ..
صمتت أم احمد ...
ارجعوا لي أطفالي .. أرجعوهم لي . صوتها الحاد المجروح أبكى فؤادي.
وواصلت: سأقدم لهم البسكويت سأصنع لهم _ البيتزا _ ارجعوا لي أطفالي فانا وعدتهم أن غدا سأذهب بهم إلى حديقة الحيوان رغم أن سعر التذكرة مرتفع إلا أنني بعت بعض أدواتي لأجلهم, إني أحبهم . لماذا تركوني؟
عيناها المليئة بالدموع التي لا تنقطع مازالت في صميم قلبي.
قلت لها: لا حول ولا قوة إلا بالله لا تحزني فلك الجنة يا أم احمد
قالت : اصبر؟ وهل لنا غير الصبر يا ولدي كل شئ يباع هنا بتلك الكلمة , تجدها عند البقال وعند البائع وعند النجار والحداد أيضا, لا بل تجده عندما تذهب إلى صانع الخبز, وذكرت لي قصه اختها ام رامي كيف توفي رامي وإخوته في السنة الماضية وجرحها الذي لم يندمل ولكنها صبرت وحكاية أخرى وأخرى...
ضمت صور أطفالها التي تحملها في حقيبة صغيرة تأخذها أينما ذهبت وقالت :لم ترحلوا عني اعرف انكم معي ولن تدعوني وتذهبوا .
رحلت أم احمد من هنا وصدى صوتها في المكان يغزوه وتركت لي ورقة اظنها كوصية (أحب أولادي تعالوا غدا لركام منزلي وادفنوني بجانبهم).