قائد الطوفان قائد الطوفان

في ظل عدم وجود رقابة من الجهات الحكومية

مكتوب: "لمضاعفة الأرباح".. "تجار المولدات" يعيدون بيع كهرباء الشركة!

صورة
صورة

الرسالة نت - محمد العرابيد

في الوقت الذي راجت فيه تجارة توزيع الكهرباء عبر مولدات خاصة خلال العامين الماضيين إثر انقطاع الكهرباء المستمر لأكثر من 20 ساعة متواصلة، اشتكى عدد من المواطنين في قطاع غزة من استغلال أصحاب المولدات كهرباء الشركة وإعادة بيعها للمواطنين بسعر يتراوح ما بين 3- 4 شيكل، وكذلك تجاوزات لأصحاب المولدات في تمديد الشبكات.

المواطن أبو محمد الذي يقطن في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، اضطر إلى مد خط كهرباء من أحد المولدات لسد نقص عجز التيار الكهربائي المنقط لأكثر من 20 ساعة متواصلة، وذلك لسد حاجات منزله من الإضاءة والتهوية في ظل ارتفاع درجات الحرارة.

لاحظ الحاج أبو محمد الذي يبلغ من العمر “55 عاما”، خلال فترات الليل توقف مولد الكهرباء لمدة لا تتجاوز الدقيقتين بالتزامن مع وصول التيار الكهربائي للمنطقة المجاورة له في المخيم.

أثار توقف المولد الكهرباء في فترة وصول التيار الكهربائي للمنطقة المجاورة شكوك المواطن أبو محمد، فبادر بسؤال صاحب المولد عن السبب، فأجابه بأن المولد بحاجة إلى راحة لمدة تتجاوز الدقيقتين كل 12 ساعة من عملة المتواصل.

المواطن أبو محمد لم يقتنع بجواب صحاب مولد الكهرباء الخاص، فبدأ بمتابعة فترات توقف المولد في معسكر الشاطئ غرب مدينة غزة، لأكثر من أسبوعين، في الوقت الذي تصل به كهرباء الشركة إلى مناطق أخرى من المعسكر.

ويقول المواطن لمعد التحقيق:” تابعت توقف المولد بالتزامن مع وصول التيار الكهربائي لمناطق مجاورة، حيث تفاجأت بأن صاحب المولد يستفيد من التيار الكهربائي للشركة ويعيد بيعه للمواطن على اعتبار أنها كهرباء من المولد”.

ويضيف:” هذه الحادثة تكررت كثيرا، حيث عمل صاحب المولد على مد خطوط كهرباء (3 فاز) من منطقة مجاورة للحي الذي أقطن فيه، كون أن برنامج وصل وقطع الكهرباء يختلف عن منطقتنا”.

هذه الحادثة ليست الوحيدة في غزة، بل رصد معد التحقيق شكاوى عديدة من بعض المواطنين في منطقة جباليا شمال القطاع، وكذلك في مدينة خانيونس جنوب القطاع، تتحدث عن استغلال أصحاب المولدات التيار الكهربائي الواصل من الشركة وإعادة بيعه للمواطنين من جديد على اعتبار أنه من المولد.

وخلال العامين الماضيين أقدم عدد من المستثمرين على شراء مولدات توزيع كهرباء، وتمديد خطوط في الشوارع لإيصال كهرباء المولد للمواطنين مقابل اشتراك 50 شيكل في البداية، وكذلك دفع مبلع 50 شيكل كحد أدنى من استهلاكه، على أساس احتساب كيلو الكهرباء بسعر يتراوح ما بين 3- 4 شيكل بمختلف مناطق القطاع.

وفي ظل الوضح الحالي، فإن قطاع غزة يحتاج إلى نحو 500 ميغاواط من الكهرباء، يتوفر منها 210 ميغاواط فقط، حيث يتم توريد 120 منها من جانب الاحتلال، و30 ميغاواط من مصر، والبقية تنتجها محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة.

 تجاوزات أصحاب المولدات

الشكاوى والشهادات التي حصل عليها معد التحقيق، دفعته للبحث والتقصي عن كيفية استغلال أصحاب المولدات لخطوط كهرباء الشركة، ومدى متابعة الجهات الحكومية والمسؤولة لعملها، وكيف تسمح شركة توزيع الكهرباء لأصحاب المولدات من الاستفادة من الكهرباء وإعادة بيعها للمواطن بسعر مرتفع جدا.

في بداية الأمر أجرى معد التحقيق عددا من الجولات الميدانية على بعض محافظات قطاع غزة، وخاصة المناطق التي يوجد بها مولدات كهرباء، بصحبة مهندس كهربائي للتأكد من استغلال أصحاب مولدات الكهرباء الخاصة لكهرباء الشركة وبيعها للمواطن بسعر مرتفع.

وسجل معد التحقيق عدة ملاحظات خلال الجولة، وهي أن أحد أصحاب المولدات في مخيم الشاطئ، كان يمد خطا كهربائيا من منطقة تبعد عن مولد الكهرباء قرابة الـ1500 متر، كون أن جدول وصل وقطع الكهرباء يختلف عن المنطقة التي يوجد به المولد، في محاولة لاستغلال كهرباء الشركة وبيعها للمواطن، إلا أنه وبعد شهر ونصف اكتشفت شركة الكهرباء أمره وأوقفت عمله بعد شكوى قدمها أحد المواطنين.

معد التحقيق وجد أن أصحاب مولدات الكهرباء الخاصة، يضعونها بين المنازل ما يشكل خطورة على حياة المواطنين في حال حدوث أي تماس كهربائي.

والأخطر من ذلك أن أصحاب المولدات يعملون على تمديد خطوط الكهرباء بالقرب من خطوط كهرباء البلدية، مستخدمين الأعمدة الخاصة بشركة الكهرباء، وهو الأمر الذي تسبب في العديد من الحوادث في بعض محافظات غزة.

 المولدات غير مرخصة

معد التحقيق حمل هذه الملاحظات التي سجلها خلال جولته الميدانية، ووضعها على طاولة النقاش مع الجهات الحكومية في غزة، إلا أننا تفاجأنا بعد 3 شهور من البحث أن أيا من الجهات التي زرناها لا تتابع هذه القضية، فيما يعمل أصحابها دون ترخيص أو رقابة رغم الإقرار من قبلهم بخطورة التجاوزات ووجوب وضع حد لها.

معد التحقيق طرق مكتب مساعد وكيل وزارة الاقتصاد الوطني، المهندس عبد الفتاح الزريعي، لمعرفة آليات متابعة ترخيص المولدات الخاصة المنتشرة في محافظات القطاع.

في بداية الحديث، قال الزريعي:” إن وزارة الاقتصاد لا تتابع عمل هذه المولدات المنتشرة في غزة نهائيا، لأنها غير مرخصة من أي جهة حكومية”.

في حين توجه معد التحقيق إلى وزارة المالية بغزة التي أكدت أنه لا علاقة لها بعمل المولدات، سواء بفرض ضرائب على المولد نفسه أو صاحبه، وفقا لما أكده عوني الباشا وكيل الوزارة المساعد.

وقال الباشا “إن الوزارة لا تتدخل في عمل أصحاب مولدات الكهرباء في غزة، وأن الوزارة لا تحدد أسعار بيع الكهرباء للمواطنين، ولا تفرض أي ضرائب أو رقابة على عملهم”.

أما رشاد عيد من بلدية غزة، بدوره، أكد أن بلدية غزة هي الأخرى لا تمارس أي دور رقابي أو ترخيص لمولدات الكهرباء التي تنتشر في قطاع غزة.

وفي ظل النتائج التي توصل إليها معد التحقيق بعد مقابلته للجهات الحكومية في غزة، أنه لا توجد أي متابعة للمولدات، وأن الجهات المسؤولة لا تفرض أي ترخيص أو ضرائب على أصحاب المولدات.

كما أنه لا توجد أي متابعة لألية عملهم، إضافة إلى تلاعب أصحاب المولدات في سعر كيلو الكهرب من محافظة إلى أخرى ففي مخيم الشاطئ يباع “كيلو” الكهرباء بـ3.5 في حين يباع للمواطن في حي الشيخ رضوان بـ4 شيكل، وهذا السعر الدارج على جميع محافظات القطاع.

 إيقاف أصحاب مولدات

توجه معد التحقيق إلى شركة الكهرباء في غزة، حيث التقى محمد ثابت مدير العلاقات العامة والإعلام بشركة توزيع الكهرباء محافظات غزة، والذي نفي أن تكون الشركة متورطة في ترخيص خطوط الكهرباء لأصحاب المولدات لإعادة بيعها للمواطنين.

وقال ثابت:” إن طواقم الشركة تمكنت قبل أسابيع من إيقاف عدد من أصحاب مولدات الكهرباء الذين يستغلون الكهرباء الواصلة من الشركة ويعيدون بيعها للمواطن بسعر مرتفع جدا.

وأوضح أن الشركة الكهرباء أبلغت الجهات الحكومية في غزة، وجرى تحويل أصحاب المولدات إلى النيابة العامة لأخذ الإجراءات القانونية بحقهم، مشيرا إلى أن طواقم الشركة تعمل بجهد شخصي دون مساندة من الجهات الحكومية في غزة.

ويقر ثابت بوجود تمديدات كهربائية تابعة للمولدات الخاصة يجري وضعها على شبكات شركة توزيع الكهرباء؛ ما تسبب بحرائق، وإصابات للفنيين العاملين في الشركة؛ بسبب مشاكل في التمديدات وأخطاء فنية يقع فيها أصحاب المولدات.

وبيّن أن الشركة تزيل التمديدات الموضوعة على شبكات الشركة بشكل فوري في حال الكشف عنها، وكذلك يتم ابلاغ الشرطة التي تعمل على رفع قضايا ضد أصحاب التمديدات لدى النيابة العامة.

وهو ما يؤكد ما أثبته التحقيق ويفتح السؤال حول التجاوزات الباقية التي لا تكتشفها الشركة ولا يجري الشكوى عنها من قبل المواطنين.

ويذكر ثابت كذلك أن التمديدات الخاصة بالمولدات غير مطابقة لمعايير السلامة والأمان المعمول بها في تمديدات الكهرباء الكبيرة بحجم تلك المستخدمة في المولدات، مشيرا إلى وجود عدد قليل جداً من أصحاب المولدات ينشؤون خطوط توصيل منفصلة عن خطوط شركة الكهرباء وشبكتها.

 سرقة كهرباء الشركة

حديث شركة الكهرباء بإلقاء القبض على عدد من أصحاب المولدات، توافق مع حديث أحد أصحاب المولدات شمال قطاع غزة، الذي قال:” هناك عدد من أصحاب المولدات يستغلون كهرباء الشركة لإعادة بيعها للمواطن بسعر مرتفع”.

وأوضح أن بعض أصحاب المولدات يلجأون إلى تمديد كوابل كهربائية إلى مناطق أخرى؛ بهدف الاستفادة من جدول الكهرباء، لإعادة بيعها للمواطن كأنها من المولد.

وأشار إلى أن لديه حاليا 300 مشترك من منازل ومحال تجارية”، نافيا استخدامه لكهرباء الشركة وبيعها للمواطنين.

ويتم التعامل بين أصحاب المولدات والمشتركين بنظامين، الأول يعرف بنظام الأمبير ويعتمد على تمديد خط إلى المشترك مع دفع الأخير لتكاليف التمديد من أقرب نقطة ويتم وضع أمان كهرباء بحسب الأحمال التي يطلبها المشترك، فيما يقوم النظام الآخر على الدفع بالكيلو، وهو الأكثر شيوعاً في قطاع غزة؛ وهو النظام الذي يدر ربحا أكبر لصاحب المولد.

وتوصل معد التحقيق إلى معلومات من مصادر خاصة، مفادها أن طواقم شركة الكهرباء في محافظة رفح، تلقت شكوى من المواطنين، بأن أحد أصحاب المولدات يستغل كهرباء الشركة ويعيد بيعها للمواطنين بسعر مرتفع.

وأوضحت المصادر، بأن صحاب المولد “م. ق”، أقدم على سرقة أحد خطوط الكهرباء من منطقة مجاورة له، واستغلها في إعادة بيعها للمواطن بسعر 4 شواكل للكيلو، مؤكدة أن طواقم شركة الكهرباء أبلغت بلدية رفح والشرطة التي عملت على إزالة الكوابل وإحالة صاحب المولد للنيابة العامة.

 تشكيل لجنة لمتابعة عمل المولدات

وتوصل معد التحقيق خلال عملية التقصي إلى أنه جرى تشكيل لجان من سلطة الطاقة ووزارة الاقتصاد والدفاع المدني، لوضع آليات ومحددات وسبل لحفظ الأمان لعمل مولدات الكهرباء المنتشرة في شوارع قطاع غزة، لكن هذه الإجراءات لم تطبق حتى اللحظة.

وكشف مصدر حكومي لمعد التحقيق، أنه جرى تشكيل لجان حكومية مختصة لمتابعة عمل مولدات الكهرباء، في أواخر عام 2017، قائلا: ” جرى عقد أكثر من 6 لقاءات خلال ثلاثة شهور تم وضع محددات لعمل مولدات الكهرباء، وتوفير سبل الأمان، وكذلك إجراءات ترخيص المولدات ومد الكهرباء بشكل آمن للمواطن”.

وأوضح أن سعر كيلو الكهرباء من المولدات سيحدد وفقاً لعدة معايير أهمها سعر الوقود، وقدرة المولد، في حين أحيلت مسألة تحديد مكان وضع المولد لجهاز الدفاع المدني، أما التمديدات الخاصة بالمولدات فستتابعها سلطة الطاقة.

وبيّن المصدر أن المولدات تعمل حالياً بشكل عشوائي، ونظامها لا يرضي أي جهة حكومية، وغير خاضع لأي متابعة، لافتا إلى أن تشكيل اللجنة جاء بعد أن أصبحت قضية المولدات ظاهرة اقتصادية بغزة.

وأكد المصدر الحكومي أن الآليات التي وضعتها اللجنة لم يتم تطبيقها على أرض الواقع بسبب حل اللجنة الإدارية التي كانت تدير قطاع غزة، في حين جرى عرضها على سلطة الطاقة في رام الله، التي لم تصدر أي قرار لمعالجة هذه الإشكالية حتى اللحظة.

 ندرس قانون ينظم عمل المولدات

معد التحقيق حمل هذه القضية والنتائج التي توصل لها، إلى رئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي فرج الغول، الذي قال:” إن المجلس التشريعي يدرس مقترح سن قانون ينظم عمل مولدات أصحاب الكهرباء في غزة”.

وأوضح الغول في حديثه، أن من ضمن القانون فرض ترخيص على أصحاب المولدات، لتنظيم عملهم، وكذلك فرض إجراءات رقابية وتخفيض ثمن الكهرباء التي تصل للمواطن.

مليار ونص ثمن الكهرباء البديلة

وعلى ضوء أزمة الكهرباء الخانقة التي تعصف بغزة، وفي ظل استغلال أصحاب المولدات لكهرباء البلدية وبيعها للمواطن بسعر مرتفع، توجه معد التحقيق إلى الخبير الاقتصادي ماهر الطباع، الذي قال:” إن المواطن في قطاع غزة دفع ما يقارب مليار ونص دولار ثمن حصوله على الكهرباء البديلة”.

وأوضح الطباع في حديثه، أن أزمة الكهرباء التي تضرب غزة منذ ما يقارب (12 عامًا)، استنزفت أموالا كبيرة من المواطنين لحصولهم على 4 ساعات من كهرباء بديلة.

وأشار إلى أن تكلفة تشغيل مولد متوسط الحجم بالساعة أكثر من مائة شيقل وتتحمل الشقق السكنية في الأبراج والعمارات السكنية أعباء مالية مضاعفة نتيجة استخدام السولار والتي تصل قيمتها من 100 إلى 250 شيقل شهريا لكل شقة سكنية ضمن ساعات تشغيل مقننة لا تتجاوز 4 ساعات يوميا، بالإضافة إلى قيمة فاتورة الكهرباء الشهرية والتي تأتي وكأن الكهرباء موصولة على مدار 24 ساعة.

وبعملية حسابية بسيطة، وجد الطباع أن ما يدفع لتشغيل المولدات حسب أقل معدل استهلاك لبرج سكني أو عمارة يبلغ 1200 لتر سولار شهريا مقابل تشغيل مولد الكهرباء لمدة لا تتجاوز 4 ساعات يوميا، أي ما يعادل 2300 دولار شهريا.

وأضاف: “بحساب هذا المبلغ على 1000 عمارة سكنية وبرج في غزة نجد أن المواطنين يدفعون سنويا ما يزيد عن 23 مليون دولار لتوفير عدد ساعات قليلة من الكهرباء، وبإضافة منازل المواطنين المستقلة والمنشآت الاقتصادية والخدماتية سوف يتضاعف هذا المبلغ عدة مرات، علاوة على الصيانة الدورية التي تحتاجها المولدات ومستلزمات الإنارة الأخرى”.

ويعتمد المواطنون في قطاع غزة، بصورة أساسية، على استخدام خطوط الكهرباء من المولدات؛ وذلك لسد احتياجاتهم الأساسية والمنزلية، في ظل انقطاع التيار الكهربائي لمدة أكثر من 20 ساعة يوميا.

واستنتاجًا مما سبق، فإن حجم الضرر الذي يتعرض له المواطن من أصحاب مولدات الكهرباء، يفرض على الجهات الحكومية في القطاع تطبيق قرارات اللجان التي شكلت العام الماضي.

إضافة إلى فرض قانون ينظم عمل أصحاب المولدات الكهربائية، وكذلك إضافة تخفيض ثمن بيع الكهرباء بناء على نتائج اللجنة الحكومية التي شكلت.

وكذلك يجب على الجهات المعنية في وزارة الاقتصاد والمالية والدفاع المدني وسلطة الطاقة إلى وضع برنامج للتفتيش على مولدات الكهرباء.

 

 

البث المباشر