لماذا يجتمع هذا العدد من الصحافيين أمام باب المحكمة الإسرائيلية؟! ولماذا يمنعهم الاحتلال من الدخول للتصوير؟! ومن هو ذلك المعتقل الذي يخبئون وجهه عن الأنظار؟! يقولون للصحافيين بكل وقاحة أن الأسيرة قاصر، ولا يسمح بتصويرها، فلماذا تؤسر فتاة قاصر؟!!
تقف أمام الباب أم في الثلاثينيات من العمر، تخبئ دموعها، إنها أم نورهان: وتقول بأسى، دمروا ابنتي، حكموها"!
هل تذكرون نورهان عواد؟ ربما غابت عن البال في زحمة الأوجاع التي تنهال علينا صباح مساء!
نورهان، تلك الطفلة صاحبة الأربعة عشر ربيعا اعتقلها الاحتلال بتهمة ثابتة واسطوانة "مشروخة" يرددها أمام العالم بافتراء ظاهر: "الشروع في عملية طعن".
فكيف ليد نورهان الصغيرة أن تغرز سكينا في جسد أحدهم؟! وكيف لعقلها أن يفكر في ذلك؟! وهي التي كانت عائدة من مدرستها رفقة ابنة عمتها هديل عواد. كان ذلك منذ ثلاث سنوات، وفي شارع يافا تحديدا في القدس المحتلة، جرت جريمة إعدام صورتها كاميرات الشوارع، حينما باغتهما جندي جبان، يقتنص الطفولة على أبواب المدارس، فسقطت هديل من فورها شهيدة برصاصته، بينما أصيبت نورهان إصابة بالغة في الخاصرة. لم تتلق علاجا كما ينبغي، وبقيت في السجون تصارع الألم بمسكنات لا تغني ولا تبعث صحة في الجسد.
ورغم صغر الجسد، وقلة التجربة، وصدمة الاعتقال وأحلام مليئة بالكوابيس إلا أن نورهان ظلت طفلة صامدة، تخطت ذلك ودرست داخل المعتقل حتى تخرجت هذا العام من الثانوية العامة بمعدل مرتفع، حيث أحرزت 93%، وكأنها تعطي السجان لطمة أخرى على الوجه المرعب، وتتحداه بكل ما أوتيت من قوة، وبكل جراح جسدها الغائرة!
وهذا المعدل يؤهلها لدخول الجامعة وإكمال حياتها كغيرها من بنات جيلها، ولكن المحتل رفض، وكما في كل مرة يرفض أي خطوة ترفع الأسرى إلى القمة، وتقرب المحتل إلى القاع، وكيف لا؟!
هل تعلمون ماذا حدث أيضا؟!
كان العالم يستعد للاحتفال بيوم الطفل العالمي، الذي يصادف العشرين من نوفمبر، تستقبله نورهان استقبالا آخر، وتحديدا في الرابع والعشرين، تحكم المحكمة على نورهان بالسجن ثلاثة عشر عاما، متجاهلا جريمة إعدام رفيقتها، وحتى تلك الكاميرات التي رصدت الحادث، وكل مواثيق الطفولة الدولية. فهل يدري العالم ما معنى أن تسجن طفلة كل هذا العمر؟! هل يدري أي جريمة تلك التي تسرق روحها الصغيرة بإبعادها عن والديها، وأصدقائها ومدرستها ويومياتها، وركضها في شوارع المدينة، وضحكاتها مع رفيقات الدرب؟!
محامي نادي الأسير الذي كان يتابع محاكمة نورهان قال في مقابلة:" محكمة في ظل وجود الاحتلال لا يمكن أن تكون عادلة، كان يجب عليها أن ترى وضع الفتاة الطفولي، كان من المفترض أن تراعي كونها طفلة ولكنها لم تفعل".
لم تكن نورهان الأولى ولا الأخيرة، فهناك محمد مناصرة ومنذر أبو ميالة وأحمد طه الذين حكم عليهم سابقا بأحكام طويلة، بل إن هناك 350 طفلا في سجون الاحتلال يواجهون كل يوم كابوس الاعتقال.