الرسالة نت - رائد أبو جراد
تحت ظلمة الليل الدامس وبين أغصان أشجار الزيتون والبرتقال التي فاحت بعطرها في أرجاء المكان كان عدد من المقاومين يقضون ليالي رمضان ممتشقين أسلحتهم، يرددون بصوت خافت آيات القرآن الكريم وتلهج ألسنتهم وقلوبهم بذكر الله تعالى.
بعضهم يقضى ليلة الرباط الرمضانية التي تبدأ عشاءاً وتنتهي فجراً بالطاعة والعبادة، برفع أكفه إلى السماء متضرعاً لمولاه أن يكتب له الثبات والنصر ، وآخرين بحراسة زملائهم المنغمسين في لذة العبادة والتقرب لبارئهم.
"الرسالة نت" عايشت أجواء ليالي رمضان بصحبة المرابطين وتنقلت معهم رغم الأجواء الملبدة بطائرات الاستطلاع الصهيونية التي اعتاد المقاومون على سماع أصواتها، لكنهم أخذوا كافة الاحتياطات والتدابير الأمنية للابتعاد عن أنظارها، وكمنوا داخل ثغورهم متوكلين على الله في أمرهم وجهادهم.
لذة العبادة
ويحرص رجال المقاومة "المرابطون" بشكل كبير على حراسة ثغور وحدود قطاع غزة في ليالي رمضان خاصة ليالي العشر الأواخر منها طمعاً في عدم تفويت لذة العبادة والأجر الكبير.
بين أغصان الأشجار في منطقة لفها الظلام الحالك تخفى"أبو مجاهد" أحد عناصر كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة "حماس" ليستغل ليلة رباطه بتلاوة آيات القرآن من مصحف صغير احتفظ به في جعبته السمراء.
وبصوت غلب عليه الخشوع صدح لسان "أبو مجاهد" الذي تمركز داخل كمين له مستعداً لصد أي توغل صهيوني للمكان الذي يرابط فيه:" كم هي جميلة تلك اللحظات التي نستغلها في طاعة الله عز وجل في ليالي الرباط، نحرس أرضنا وأهلنا ويكون لنا نصيب من العبادات والأذكار والطاعات، فهذه طبيعة ليالي رمضان بالنسبة لنا نحيا فيها أجواء خاصة".
وأكد المقاوم الذي زين جبينه بعصبة خضراء كتب عليها شعار التوحيد حرصه الكبير في ليالي رمضان لاغتنام أجر الرباط على الثغور لثوابها العظيم، مستشهداً بحديث النبي "صلى الله عليه وسلم" قيام ساعة في الصف للقتال في سبيل الله خير من عبادة ستين عاماً".
أبو البراء مقاوم قسامي آخر كمن إلى جانب شجرة زيتون وبيده مسبحة تعينه على ترديد الأذكار والاستغفار لم تغفل عيناه المختفيتان أسفل لثام أسود غطى معالم وجهه عن رصد ومراقبة تحركات آليات الاحتلال بين المواقع العسكرية الصهيونية على الحدود الشرقية لغزة.
ويتابع المرابطون مع غرفة العمليات المركزية في أجنحتهم العسكرية كافة التحركات لآليات الاحتلال على طول الشريط الحدودي، إضافة إلى متابعتهم حركة الطيران المختلفة في الأجواء، ويتم التعميم عن ذلك بواسطة أجهزة اللاسلكي التي يحملها كل مقاوم منهم.
ويشير أبو البراء إلى أنه يلح على قيادته العسكرية عند خروجه للرباط في ليالي رمضان لتمكينه من الوصول للنقاط المتقدمة المحاذية لخطوط التماس مع الاحتلال ليرابط فيها لما في ذلك من متعة ولذة وحلاوة يجدها في نفسه عند مكوثه فيها، بحسب وصفه.
الأفضل في الأجر
وتابع قوله ولسانه ما فتأ عن ترديد الأذكار:"أحرص على رباط ليالي شهر الصيام لأنها الأفضل في الأجر وفي الجهاد ونسأل الله أن تتضاعف أجورنا في هذه الليالي المباركة أكثر وأكثر..".
وأكد إلحاحه الشديد وإخوانه المقاومين على قيادتهم العسكرية لزيادة ليالي الرباط برمضان لحديث النبي صلى الله عليه وسلم "عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله".
آيات قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة استشهد بها عناصر المقاومة في حديثهم، عادينها المحفز الأساسي لهم في قضاء ليالي الرباط على الثغور الشرقية لغزة المحاصرة انطلاقاً من الحث النبوي على الجهاد وأجره وفضله خاصة في شهر الصيام.
دارت عقارب الساعة متسارعة ولف الظلام أنحاء المكان الذي كان "أبو البراء" وإخوانه في القسام يفترشون فيه الأرض ويلتحفون السماء ليغتنم أبطال المقاومة تلك اللحظات في القيام والدعاء وتلاوة أجزاء من القرآن رغبة منهم في المغفرة والثواب.
قريباً من مجموعة القسام كان عنصران يتبعان لألوية الناصر صلاح الدين الذراع المسلح للجان المقاومة الشعبية مجهزين بكامل عتادهما العسكري، أحدهم انشغل في تلاوة آيات القرآن والآخر وضع إصبعه على زناد سلاحه وصوب نظره باتجاه الحدود منهمكاً بعملية الرصد والمراقبة لتحركات الاحتلال وسكناته.
"الرسالة نت" اقتربت من الثغر الذي جلس فيه مقاومو الألوية لتبدأ الحديث معهم عن أجواء رباطهم في ليالي رمضان، حيث أكد أحدهم أنهم يتنسمون في ليالي رمضان لذة وطعماً خاصاً في العبادة يختلف عن باقي شهور السنة.
أجمل اللحظات
وفي وصف الأجواء الإيمانية المحفوفة بهيبة ليالي الرباط يقول المقاوم "أبو حذيفة" من الألوية :" أجمل لحظات ليالي رمضان تتجلى عندما يكون المجاهد منا يحمل مصحفاً بيد وسلاحه باليد الأخرى وتكون إحدى عينيه تمر تاليةً آيات كتاب الله والعين الأخرى تحرس الحدود وتراقب حركات الاحتلال".
وشاركه الحديث زميله في العمل المقاوم الذي أحب أن نناديه بـ"أبو الصاعد" قائلاً:"ننتظر قدوم رمضان ونعد الأيام والساعات واللحظات حتى نغتنم رباطنا على الثغور في طاعة الله وابتغاء مرضاته ونجهز عتادنا وسلاحنا بهدف قضاء تلك الليالي ذات الطابع الخاص".
ويرى أن أكثر ما يحفز عناصر المقاومة على الرباط بعيداً عن أهلهم وذويهم وبيوتهم علمهم المسبق بالثواب العظيم الذي أعد لهم وتوكلهم الدائم على الله تعالى في أعمالهم.
ما أجملها من لحظات عندما يكون المجاهد مفترشاً الأرض يجلس بجانب إحدى الأشجار في بيارات وحقول كاحلة الظلام يناجي ربه وقت السحر بأن يمن عليه بالثبات والتمكين في مواجهة الأعداء، عندما يشعر المقاوم الذي ودع أهله وترك متاع الدنيا من خلفه أن له في رباط ليالي رمضان المبارك شهر الغزوات والانتصارات أجراً عظيماً يفوق أجر القائم الصائم قارئ القرآن في منزله لتزداد بذلك همة رجال المقاومة على مواصلة درب الجهاد الذي بدأه إخوانهم السابقون بإراقة الدماء وتناثر الأشلاء.