قائد الطوفان قائد الطوفان

مكتوب: ضم الضفة.. لماذا ترفض (إسرائيل) انتزاع قلب مشروعها؟

ارشيفية
ارشيفية

الرسالة- شيماء مرزوق

تتصاعد بشكل يومي الإجراءات والقوانين التي تعزز المخاوف بأن الاحتلال الإسرائيلي يتجه نحو ضم الضفة المحتلة أو على الأقل الجزء الأكبر منها، خاصة أنه بات يمهد الطريق نحو الاستيلاء على الضفة عبر المشاريع والمستوطنات والبنى التحتية والطرق التي يقيمها ما يؤكد أن حالة التمدد الصهيوني في الضفة تتصاعد بمنهجية واضحة.

كما أن عمليات الهدم المستمرة تعكس سياسة الاحتلال في التمدد نحو عمق الضفة، ووفقاً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة فإن شهر أيلول / سبتمبر من العام الجاري تم هدم أو مصادرة السلطات "الإسرائيلية" ما مجموعه 29 مبنى يملكه فلسطينيون ما أدى إلى تهجير 51 شخصاً، وتضرّر79 آخرين.

ولا يزال عدد المباني المتضررة أقل من المعدل الشهري للمباني التي استهدفت في الأشهر الثمانية الماضية وفي عام 2017 (كلاهما 35). وقد حدثت جميع عمليات الهدم والمصادرة خلال شهر أيلولسبتمبر بسبب عدم وجود تصاريح إسرائيلية، والتي يكاد يكون من المستحيل الحصول عليها.

ويؤكد تقرير الأوتشا أن (21) من المباني المستهدفة كانت في ثمانية تجمعات في المنطقة (ج)، وجميعها عدا واحدة هي تجمعات صغيرة أو بدوية، وفي حادثة واحدة، في تجمّع حمصة البصلية في غور الأردن، هدمت السلطات الإسرائيلية كرفانا بتمويل الاتحاد الأوروبي، تم مؤخراً تقديمه رداً على هدم سابق، وكان مبنى سكني لخمسة أشخاص.

الأرقام تعكس إصرار من الاحتلال على المضي قدماً في مشروعه وتمهيد الطريق لتمرير صفقة القرن، ورغم أنها لم تنشر رسمياً إلا أن ما تسرّب من الصفقة أقرب إلى حزمة أفكار إسرائيلية أعدها رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتانياهو، مقدَّمةً في ثوب أمريكي.

 ومن أبرز تفاصيلها منح حكم ذاتي للفلسطينيين تحت السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة (يمكن أن يُسمى شكلياً دولة)، وبالتالي إسقاط مشروع الدولتين (وفق الحد الأدنى الفلسطيني)، وإغلاق الطريق أمام تحوّل السلطة الفلسطينية إلى دولة ذات سيادة؛ مع الإعلان عن “جزرة” هي إمكانية تطوير الحكم الذاتي بناءً على “حُسن سلوك” الفلسطينيين!!

‌وبقاء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية (نحو 190 مستوطنة) وشرعنة البؤر الاستيطانية القائمة (نحو 100)، لن يكون هناك انسحاب إسرائيلي إلى حدود ما قبل حرب حزيران/ يونيو 1967، وستبقى السيادة الإسرائيلية على المستوطنات وما وراء الجدار العنصري العازل (نحو 12% من الضفة)؛ مع طروحات بقاء السيادة على كافة مناطق ج في الضفة أي 60% من مساحتها الكلية (تحت النقاش).

واتخذ الاحتلال أولى الخطوات العملية نحو الضم عبر تصويت الكنسيت على مشروع قانون يقضي بضم الضفة مطلع العام 2018.

ويمكن تفصيل الأسباب التي تدفع الاحتلال للتنازل عن الضفة المحتلة:

أولاً: وفقاً للمعطيات الموجودة فإن من شبه المستحيل قبول (إسرائيل) بالانسحاب من الضفة، ولن يجرؤ أي زعيم على ذلك بالنظر لمصير إسحاق رابين رئيس حكومة الاحتلال الأسبق والذي وقع اتفاق أوسلو وانسحب من مناطق الضفة وهو ما أدى لاغتياله في نوفمبر 1995، فقد اعتبر اليمين المتطرف في دولة الاحتلال أن رابين تنازل عن "يهودا والسامرة" وهي قلب دولة (إسرائيل)، وكان هدف الاغتيال كما أكد القاتل هو إيقاف تخلي (إسرائيل) عن الأراضي في الضفة الغربية المحتلة لسيطرة الفلسطينيين وكان يؤمن بأن هذه الأرض هي منحة الرب للشعب اليهودي ولا يجوز أبدا مبادلتها أو التخلي عنها لأي سبب ومن الواضح أنه نجح.

ثانياً: يعتبر الصهاينة أن الضفة الغربية ومدينة القدس أراض مقدسة في الديانة اليهودية ويحاولوا باستمرار اثبات علاقة المدن الفلسطينية بالتراث اليهودي وتلفيق الروايات التاريخية، لتعزيز موقفهم اتجاه عملية ضم تلك المدن، التي تحمل قيمة تاريخية عريقة.

ثالثاً: يعتبر الوضع الأمني من أبرز الأسباب التي تمنع الاحتلال الانسحاب من الضفة كونه يخشى من تدهور الأوضاع هناك، في ظل تآكل دور السلطة الفلسطينية، حيث يحتفظ الاحتلال لنفسه بحق العمل أمنياً في المناطق الفلسطينية.

رابعاً: الموقع الاستراتيجي للضفة والمرتفعات التي تجعل مدن الاحتلال مكشوفة للفلسطينيين، وما يشكِّل تهديدا خطيرا عليها في حال تصاعدت أعمال المقاومة في الضفة حيث يسهل استهداف مدن الاحتلال.

خامساً: يرفض الاحتلال الانسحاب من حدود الضفة الشرقية أي الحدود الأردنية وهي أطول حدود للاحتلال مع دولة عربية بحيث يعمل على ضبط الامن على الحدود بالتعاون مع الأمن الأردني، ورغم وجود تنسيق أمنى مع السلطة الفلسطينية إلا أنه يرفض استلام تلك الحدود خشية تدهور الأوضاع ولضمان السيطرة على جميع الحدود.

سادساً: يشكل نموذج غزة هاجساً بالنسبة للاحتلال "الإسرائيلي" فهو يرى أن أي انسحاب من الضفة ورفع يد الاحتلال عنها يعني تكرارا لنموذج غزة وانهيارا السلطة الفلسطينية وتصاعدا لقوة حركات المقاومة فيها ما يشكل تهديدا استراتيجيا عليه، وهو يعترف صراحة أن معضلة غزة اليوم هو تنامي قدرات المقاومة نتيجة الانسحاب "الإسرائيلي" عام 2005.

سابعاً: لا يمكن تجاهل الدور الخطير الذي تمارسه الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في الضفة والتي وجهت ضربات قاسمة للمقاومة ما جعل الاحتلال يعمل في أجواء عالية من الهدوء، وهو ما يعني أن الاحتلال لا يواجه ضغوطا ومصاعب في العمل في الضفة، فطالما بقي يعمل بأريحية لن ينسحب من تلك المناطق.

ثامناً: لا يمكن التغاضي عن الدور الأمريكي خاصة بعد قدوم ترمب إلى البيت الأبيض والذي يدعم بشكل غير محدود الاحتلال "الإسرائيلي" وتخلى علانية عن حل الدولتين ما منح الاحتلال نشوة كبيرة وضوءا أخضر لتنفيذ مخططاته دون أي مخاوف.

البث المباشر