قائمة الموقع

في رمضان .. جيوش المتسولين تغزو شوارع غزة

2010-08-25T11:35:00+03:00

الرسالة نت - شيماء مرزوق

بملابسه الممزقة وملامح وجهه المجهدة افترش الأرض أمام بوابة المسجد العمري الكبير في انتظار خروج الناس من الصلاة ليسألهم أن يتصدقوا عليه ببعض المال حتى يغفر الله لهم ويدفع عنهم وعن أولادهم البلاء, فعقب كل صلاة يقف أحد المتسولين أمام المصلين ويقطع عليهم تسبيحهم بخطبة يظهر فيها فقره وعجزه وعاهته, ويطيل في شكواه ليستدر عطف وقلوب الحاضرين.

تكثيف نشاطهم

ومع بداية شهر رمضان يكثف المتسولون من نشاطهم وينتشرون في الشوارع العامة والحدائق والمساجد والأسواق, كما يبتكرون أساليب جديدة للحصول على المال من المواطنين, حيث حمل احد المتسولين في الخمسين من عمره في منطقة ميدان فلسطين مكبر صوت وأخذ ينادي به على الناس يتلو آيات القران الكريم والأدعية, ليلفت انتباههم إليه ولحاجته ومعاناته التي أخذ يشرحها لهم حتى يستدر عطفهم ومن ثم مالهم.

ومع مرورها أمام احد البنوك في مدينة غزة استوقفت "الرسالة نت" امرأة تغطي وجهها بالكامل, وتجلس بالقرب من بوابة البنك ترقب كل من يدخل ويخرج منه وتطلب منه مساعدتها وإعطاءها المال لتطعم طفلها الصغير الذي أحضرته معها وأجلسته بقربها بملابسه الممزقة المتسخة ووجه الشاحب.

اقتربت "الرسالة نت" منها وحاولت أن تتحدث معها لمعرفة قصتها وما الذي دفعها للتسول فصممت وتجاهلتنا ولم تجب على تساؤلاتنا واستمرت في طلب المال من المارة والدعاء لهم, وبعد إلحاح شديد, قالت بصوت قوي " ماذا تريدون مني دعوني أعيش أنا وأطفالي الأيتام", وتابعت "توفى زوجي منذ خمس سنوات وأنا أعيش مع أبنائي الستة وحدنا في هذه الدنيا ليس لنا أهل أو أقارب يساعدوننا ولذلك اضطر للتسول".

وأضافت: في الماضي عملت في بعض البيوت كخادمة إلا أن عملي هذا لم يكن يكفي قوت أولادي, فلجأت للجمعيات الخيرية والشئون الاجتماعية فلم يساعدني أحد أو يعطيني شيئاً وفي كل مرة كانوا يقولون لي اذهبي وتعالي في الغد أو بعد غد".

وفي شارع عمر المختار جلس رجل عجوز على الرصيف وقد بدت سنوات عمره وشقائه على تجاعيد وجهه و ملابسه الرثة, كان يفترش الأرض ويضع أمامه قطعة قماش بالية عليها بضعة شواكل, ومع اقتراب الرسالة منه كان ينظر بحذر وترقب ويطلب المساعدة بأي مبلغ حتى ولو بشيكل واحد فقط, فاقتربت الرسالة منه لتسأله عن قصته وما الذي دفعه للتسول, فرد بسرعة "أنا أتي من منطقة بعيدة كي أتسول في شوارع مدينة غزة لكي لا يعرفني أحد من منطقتي فأنا أخجل مما أقوم به ولكن ليس بيدي شئ أفعله سوى التسول فأنا رجل مسن ولا أقوى على العمل ولدي عائلة مكونة من تسعة بنات فمن أين سأطعمهم وألبسهم".

ولم يقتصر تواجد المتسولين على الأماكن العامة والمساجد فقط بل وصلت إلى داخل البيوت حيث تصر بعض المتسولات على دخول المنزل والجلوس مع صاحبته وشرح مشكلتها ومعاناتها التي لا يعرف أحد إن كانت حقيقية أم وهمية من نسج خيالها وتصر على البقاء في المنزل حتى تحصل من أصحابه على المال الذي تريده.

وعلى ناحية أخرى جلس طفل لا يتجاوز عمره العشرة سنوات بجانب الطريق يعد النقود التي جمعها من ركاب السيارات, حيث يتسول على طريقته الخاصة بطلب المال من ركاب السيارات التي تقف على إشارة المرور.

بلا كرامة

المواطن إبراهيم سعيد عبر عن امتعاضه الشديد من ظاهرة التسول خاصة في شهر رمضان وقال: "لا اعرف هدف هؤلاء المتسولين من جلوسهم في الطرقات وأمام المساجد وفي الأسواق, أليس لديهم أدنى حد من الكرامة؟ فليس كل الناس يعطوهم المال ومن المؤكد أن الكثيرين يغلقون الأبواب في وجوههم ومع ذلك يصرون على التسول".

وأضاف: ليس كل من يتسول هو بحاجة فعلا للمال فقد تجد بعضهم يمتهن التسول ويجني المال الوفير يوميا إلا انه لا يقنع ويطمع في المزيد, ويجب على الحكومة وضع حد لهذه الظاهرة.

من ناحيته قال موسى عمر 36 عاماً وصاحب محل للجوالات "ظاهرة التسول هي من أسوأ الظواهر التي تصاحب شهر رمضان وأنا أصبحت أعاني منها بشدة خاصة في المحل فيوميا يطرق باب المحل العشرات منهم وبعضهم شباب وأحيانا أطفال ونساء وكبار سن وبصراحة لم اعد اصدق أن كل هؤلاء بحاجة ماسة للمال بل معظمهم أصحبوا يمتهنوها".

أما المواطنة ميساء حسن 27 عاما فقالت "التسول أصبح ظاهرة طبيعية ونتعايش معها كل يوم فلا تكاد تمر ساعة إلا وكلمات المناجاة من أولئك الأشخاص تدق أبواب آذاننا وإن رفضت إعطاءهم، قد يؤنبني ضميري وأقول لنفسي: ماذا لو كان حقا يحتاج إلى النقود للعودة إلى أطفاله ببعض الطعام, وأحيانا أخرى اشعر بأن المتسول موظف ، يعمل بجد واجتهاد بوظيفته اليومية التسول.

علاج الإسلام

وحول رأي الشريعة الإسلامية في ظاهرة التسول التي انتشرت بشدة في المجتمع الغزي أكد الداعية الإسلامي د. صادق قنديل أن التسول ليس الحل لمشكلة الفقر, حيث أن الإسلام حرم أي وسيلة أو طريقة تكون فيها مخالفة للقواعد العامة سواء الشرعية أو العرفية.

وأرجع تزايد ظاهرة التسول خلال شهر رمضان إلى أن الناس يقبلون على إخراج الزكاة والصدقات في هذا الشهر طمعا في الأجر والثواب من الله, والمتسولون يستغلون هذا الشهر لذلك.

وذكر أن الشريعة نظرت لظاهرة التسول نظرة علاجية وذلك من خلال تعزيز الاعتماد على الذات, حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:" خير المال أن يأكل الإنسان من كف يده", ولذلك فان الإسلام رفض التسول حفاظا على ماء الوجه والحياء لدى الإنسان المسلم ولصون كرامته, لأنه قد يتعرض للإهانة من بعض الناس.

وأضاف أن الشريعة عززت جانب الاعتماد على النفس, ولو عمل الإنسان مقابل القليل من المال يكون قد وصل لأعلى درجات العبادة, مطالباً المجتمع بمساعدة الفقير والمتسول من خلال إيجاد فرص عمل له بدلاً من إعطائه المال الأمر الذي من شأنه تعزيز التكافل الاجتماعي.

وقال قنديل "ليس الإسلام هو الصلاة والصوم فقط وإنما مساعدة المسلمين وإدخال البهجة إلى قلوبهم ولو كان كل من لديه المال أو العمل ساعد هؤلاء الفقراء لانتهت هذه الظاهرة".

تسول علني

وأما عن دور الجمعيات الخيرية فأوضح أن هذه المؤسسات تضخ لها الملايين وتوزعها على شكل كابونات على الفقراء وهو ما خلق ظاهرة التسول العلنية, لافتا إلى انه من الأفضل لهذه الجمعيات إنشاء المشاريع وخلق فرص عمل للفقراء يكسبوا منها قوت يومهم بدلاً من التسول.

وشدد قنديل على أن بعض المتسولين قد يكونون بحاجة ماسة للمال فعلا ومضطرين للتسول ويكتفون بالقليل, إلا أن البعض الآخر امتهن التسول وابتكر الأساليب والحيل لكسب تعاطف الناس معهم فنجد بأنهم يمزقون ثيابهم ويبتكرون القصص المأساوية.

وأشار إلى أن الشريعة أحالت قضيتهم إلى المسئولين في الحكومة والذين يجب عليهم أن يتحققوا منهم ومن كان بحاجة فعلا للمال يجب أن تبحث له الدولة عن حل إما بإيجاد عمل له أو توفير راتب شهري له وأما من كان يمتهن التسول فيجب معاقبته وإشهار اسمه بين الناس عقابا له.

وأعرب قنديل عن أسفه من تحول المجتمع الغزي إلى مجتمع متسول علنا, عازيا ذلك لانتشار الجمعيات بشكل كبير والتي بعضها يعزز ثقافة الأخذ دون العطاء بدلا من إنشاء المشاريع, مطالباً بعمل تكتل للجمعيات الخيرية تشرف على عملها جهات خاصة.

وشدد قنديل على أن ظاهرة التسول أصبحت علنية على الإذاعات والفضائيات والصحف وهو ما يزيد من المشكلة, لأنه يشجع الفقراء على الظهور العلني أمام الناس وطلب المساعدة, مشيراً إلى أن هذه البرامج والمساعدات علمت الفقراء الطمع والأصل في الفقير والمحتاج التعفف.

وشدد قنديل على أن بعض المتسولين يمتهنون هذه المهنة لأنها اقصر الطرق للغنى والحصول على المال الكثير بأقل مجهود ومن خلال التسول قد يحصل البعض على مبالغ كبيرة يوميا خاصة خلال شهر رمضان.

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00