في الموصل.. لا يخلو بيت من ميت يُبكى أو فقيد يرجى

في المدينة القديمة بالموصل لا يزال بعض القتلى مدفونين تحت الأنقاض
في المدينة القديمة بالموصل لا يزال بعض القتلى مدفونين تحت الأنقاض

الرسالة نت – وكالات

لا تزال المدينة القديمة بالموصل شاهدة على الدمار الذي أحدثه تنظيم الدولة الإسلامية وسقوطه، عندما حوصر مليون ونصف مليون من أهلها، وحتى اليوم بعد 18 شهرا يتواصل البحث عن المفقودين، بعد أن ألقيت آلاف الجثامين في مقابر جماعية.

وأعدت صحيفة لوموند الفرنسية قصة مطولة أرفقتها بصور تلخص قصة مدينة بدأت تتعافى شيئا فشيئا، ولكن شواهد الخراب والدمار في أحيائها ما زالت في نفوس سكانها الذين لم يخل بيت من بيوتهم من ميت يُبكى أو فقيد يرجى، حيث لا رجاء.

حصيلة تفوق الخيال

وقالت الصحيفة إن لكل عائلة في المدينة قتيلها أو فقيدها، ومع ذلك لا يستطيع أحد أن يصدر تقييما نهائيا للخسائر الفادحة التي دفعها المدنيون بعد المعركة التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول بين تنظيم الدولة والقوات العراقية المسنودة من قبل التحالف الدولي، والتي قل مثيلها في العنف، كما تشهد على ذلك أبنية المدينة حتى الآن.

وقدم رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي حصيلة تفيد بمقتل 1260 شخصا، لكنها -كما قالت الصحيفة- تبدو أقل بكثير من الواقع؛ إذ استطاعت لوموند أن تجمع معلومات تفيد بعشرة أضعاف هذا العدد، موضحة أن إضافة من قتلوا أثناء حكم التنظيم إلى الحصيلة الأولى ترجح أن نحو عشرين ألف مدني لقوا مصرعهم في هذه الحلقة الجديدة المأساوية من تاريخ العراق.

وقالت الصحيفة إن الموت اتخذ العديد من الوجوه في الموصل، كما تفيد شهادة الطبيب الشرعي حاتم الطائي، الذي أصدر آلاف شهادات الوفيات بعد أن استولى تنظيم الدولة على المدينة، انطلاقا من المشرحة المركزية في المستشفى الجمهوري غرب الموصل، ويعاين الطائي خمسين جثة يوميا، لمقاتلين من التنظيم أو مدنيين قتلوهم أو ماتوا بقذائف الهاون وقذائف المدفعية.

وقالت الصحيفة إن الناس كانوا يلتقطون الجثث لدفنها كيفما اتفق، في قبور جماعية أو غيرها، خاصة أن التنظيم هدد بقتل العائلات التي تطلب الرفات، كما أنه لم يسمح للطائي برؤية جثث من يعدمهم التنظيم، كما أن بعض الأسماء بقيت سرية.

وقال حسام الدين سعدون المسؤول عن الشهداء والمختفين في محافظة الموصل إن "تنظيم الدولة قتل في ظل حكمه ما يقرب من عشرة آلاف شخص"، وإن قليلا من العائلات تعرف أين توجد جثث قتلاها، إذ قد ألقيت بعض الجثث في نهر دجلة الذي يمر وسط المدينة، ودفن الكثير في مقابر مفتوحة في مكان قريب.

وقالت الصحيفة إن تقريرا للأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني حدد 202 مقبرة جماعية لتنظيم الدولة في العراق، يمكن أن تحتوي على ما بين ستة آلاف و12 ألف جثة، من بينها 95 في محافظة نينوى تحتوي على ضحايا الموصل، أكبرها "خسفة"، وهي حفرة قطرها خمسون مترا وعمقها 250 مترا، على بعد خمسة كيلومترات جنوب المدينة، وعُلّقت خطة استكشافها إلى أجل غير مسمى خوفا من الألغام.

وتشير السجلات التي تم إجراؤها في الفترة بين أكتوبر/تشرين الأول 2016 ونهاية 2018 إلى ثلاثين ألف اسم لجنود قتلوا أثناء العمل أو لسجناء محتجزين و13 ألف مدني، ودفن بعضهم في مقابر جماعية بسبب نقص المساحة.

وقالت لوموند إن هناك حالات يموت فيها جميع أفراد الأسرة، إذ تم العثور على منازل تحتوي على أربعين أو خمسين جثة، مشيرة إلى أن الناجين لا يأتي بعضهم للتعرف على القتلى مخافة الوقوع في مشاكل أو لأنهم يائسون تماما، كما يقول الطائي.

مسؤولية مزدوجة

وأفادت الصحيفة بأن عدد المدنيين الذين قتلوا لا يفاجئ منظمات حقوق الإنسان التي حذرت في وقت مبكر من ارتفاع مخاطر وقوع خسائر في الأرواح في معركة الموصل.

ووفقا لمنظمة العفو الدولية، فإن المسؤولية عن مقتل المدنيين في الموصل تقع على عاتق الطرفين المتقاتلين: تنظيم الدولة والقوات الموالية للحكومة.

واتهمت المنظمة التنظيم بإجبار السكان على التواجد معه في ساحات القتال لاستخدامهم دروعا بشرية، كما رفض تزويد السكان بالغذاء والماء والدواء، وفرض الحصار عليهم لمنع المدنيين من الفرار، وأعدم أولئك الذين حاولوا القيام بذلك.

وتقول منظمة العفو الدولية إن القوات العراقية والائتلاف الدولي أخفقوا في مواجهة إستراتيجية الأرض المحروقة للتنظيم، وفي تكييف تكتيكاتهم لتجنيب المدنيين القتل.

وبحسب منظمة "إير وور" المستقلة، فقد نفذت قوات التحالف خلال تسعة أشهر من المعارك 1250 ضربة على المدينة، واستخدمت فيها أكثر من 29 ألف ذخيرة، موضحة أنه "كان هناك استخدام مفرط للقوة، خاصة في الغرب".

وهناك بيان لوكالة أسوشيتد برس يقدر أن ثلث الضحايا المدنيين قتلوا في غارات جوية وعمليات إطلاق نار من مدفعية للقوات الموالية للحكومة.

أخطاء بالجملة

ومع ذلك، أصبحت الإصابات بين المدنيين مصدر قلق كبير للقيادة العسكرية في فبراير/شباط 2017، مما أجبرها على التوقف عن القتال بعد فترة وجيزة من بدئه، وفقا لوكالة أسوشيتد برس.

وارتكب التحالف ضد تنظيم الدولة –كما تقول لوموند- أكثر الهجمات دموية في 17 مارس/آذار 2017 في حي الجديدة (غربي الموصل)؛ مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 105 أشخاص، وهذا الخطأ ليس حالة معزولة، فحسب رئيس المجلس المحلي في الموصل بسمة باسم فإن العديد من الغارات الجوية أسفرت عن مقتل أكثر من خمسمئة مدني، وأكد الدفاع المدني أنه تم التقاط 531 جثة، ودفن حفارو القبور أكثر من 1500 شخص في غارة 17 مارس/آذار.

وتنقل الصحيفة مجموعة من الشهادات، تقول إحداها "يا ليتني مت معهم، فقلبي يموت". وتقول أخرى "هناك 140 شخصا مدفونين هنا، بينهم عشرون من عائلتنا"، وتقول ثالثة "أخي يوسف بقي على قيد الحياة يومين، وتوفي في اليوم الثالث".

وقالت لوموند إن أربعة آلاف جثة تم استخراجها، وفقًا للمفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان، ولم يتم التعرف إلا على 2665 منهم، وقد كان فريق البلدية مسؤولا عن رفات عناصر تنظيم الدولة، وفقا لرئيس المحافظة.

وتم استخراج ثمانمئة جثة، معظمهم من العراقيين، إلا أن الصحيفة ترى أن العدد أعلى بكثير، مستندة في ذلك إلى الدفاع المدني الذي قاد العمليات لمدة شهر، "تم استخراج مئات الجثث في الأيام الثلاثة الأولى، نحو ثلاثمئة يوميا. ويقول الرقيب محمد شهاب "النساء والأطفال والرجال من جنسيات مختلفة"، ودفنوا جميعا دون تحديد مسبق لهوياتهم في مقبرة جماعية خارج الموصل.

وتقول الصحيفة إن الجثث لا تزال تصل إلى المشرحة بطريقة عرضية، خاصة من مدن أخرى في المقاطعة، ويقول الطبيب الشرعي "لا يزال هناك العديد من الجثث تحت أنقاض المدينة القديمة، نحن لا نعرف كم"، "المدينة القديمة كلها مقبرة جماعية وحقل ألغام".

ويقول حسام الدين سعدون إن هناك احتمالا ببقاء بعض المفقودين ممن اعتقلهم تنظيم الدولة أحياء، وهذا الأمل الضئيل يتعلق به أحباب مختفين من أمثال عزام زكي الذي ليس لديه خبر عن خاله أحمد، وهو ضابط متقاعد يبلغ من العمر 64 عاما اعتقله تنظيم الدولة في 26 يوليو/تموز 2016.

قالت الصحيفة إن طلب سعدون من القوات العراقية مقابلة قائمة المفقودين مع قائمة المعتقلين المحتجزين سرا لم تكلل بالنجاح.

ويقدر أن عشرة آلاف من أهل الموصل اعتقلتهم القوات العراقية خلال المعركة، وعاد بعضهم للظهور في المحاكم في محاكمات سريعة، رغم أن نصفهم فقط –حسب رئيس المحافظة- ينتمون إلى تنظيم الدولة، أما الباقون فهم ضحايا إدانات سياسية أو مالية أو قبلية.

واستنكر مصدر أممي عدم تعاون السلطات في بغداد، مشيرا إلى ما خلفه ذلك من كراهية راسخة بين الطائفتين الرئيسيتين في العراق، وتستشهد الصحيفة بقول أحد أهل الموصل "إذا لم أسترد حقوقي، فإن أحد أعضاء داعش إذا قرع باب منزلي لأنضم إليهم وأقتل الناس من الحكومة فسوف أتبعه".

لكل بيت قتيله أو فقيده

وفي عرض للصور، قدمت الصحيفة تحت عنوان "في الموصل، لدى كل بيت ميت يبكيه أو فقيد يتحسر عليه" حالات إنسانية من المدينة المنكوبة، من ضمنها زينب قاسم (39 عاما) التي تعيش في منزل منعزل بمدينة الموصل القديمة بعد أن فقدت زوجها.

وبما أنها لا تستطيع الحصول على شهادة وفاة، فلا يمكنها تلقي معاش أرملة أو تنفيذ إجراءات إدارية كتسجيل الأطفال في المدارس.

ومثلها حالة يونس وعائلته الذين عادوا للعيش في منزلهم المدمر، وكذلك وحيد أحمد (55 عاما) الذي حضر دفن قتلى الغارة الخاطئة التي أودت بحياة 132 مدنيا، وغيرهم من الحالات.

المصدر: لوموند

البث المباشر