كانت عمود البيت، الأخت الكبرى التي لا يستغني عنها أحد، وخاصة أمها، التي تصحبها معها عند ذهابها إلى المستشفى لغسل الكلى منذ سنوات، رفيقتها وونيسها في مرضها، بل ونيس كل المرضى هناك، تساعدهم وتسألهم حالهم، وحينما يرتفع صوتها بالدعاء، تدعو لهم جميعا بالشفاء.
حينما ذهبت الرسالة الى منزل الشهيدة أمل الترامسي "43"، شاهدنا أمها تغادر البيت وحدها في سيارة تقلها إلى مستشفى الشفاء، بدون أمل هذه المرة، مختصرة بالقليل من الأجوبة على كثير من الأسئلة التي سيلقيها على مسامعها مرضى قسم الغسيل الذين تعودوا رؤيتها مرتين في الأسبوع، فغدت رفيقة مرضهم أيضا.
تخبر والدة أمل وهي تبكي بصوت مرتفع مقهور عن ذكريات ابنتها قائلة: كانت تهزها مسيرات العودة، فتذهب راكضة بدون أن تفكر في التغيب يوما واحدا، سواء في يوم الاثنين أو الخميس وتقول دوما وهي خارجة أنا ذاهبة إلى" هربيا".
يبدو أن أمل كان لديها حلم تراه بعينها، ولطالما رددت على مسامع أمها أنها تحلم بالشهادة، وقد تحقق لها ما حلمت به، حيث تخبر أمها من بين دموعها عن صورة أمل في يوم استشهادها وتصف كيف أنها ارتدت ملابس خفيفة في يوم بارد ماطر وقالت لأمها، لا أشعر بالبرد، أريد أن أحلق كالفراشات، أنا ذاهبة لأطير!
وقد شيّع مواطنون ظهر السبت، جثمان الشهيدة أمل مصطفى أبو سلطان (الترامسي)، من حي الشيخ رضوان، بعد يوم من استشهادها برصاص جنود الاحتلال شرق قطاع غزة.
كما يذكر أن الشهيدة أمل كانت قامة وطنية معروفة بانتمائها لكل تفاصيل الوطن، فقد نعاها أيضا حزب الشعب الفلسطيني بصفتها عضوة الهيئة القيادية لمنظمة المرأة لحزب الشعب في محافظة غزة.
وأكد الحزب بان الشهيدة أمل من العضوات اللواتي تميزن بالانتماء للوطن وللأهداف التي يناضل من أجلها الحزب على المستويين الوطني والاجتماعي، ذاكرا مشاركتها في العديد من الفعاليات الوطنية والاجتماعية.
وفي عزاء الشهيدة رفع إخوتها رسائل النعي الكثيرة التي شارك بها الأحزاب وكل من أحب أمل وقدر وطنيتها، ووقف شقيقها خالد أمام الكاميرا دامعا ليطالب كل الفصائل الفلسطينية بالتوحد خلف مسيرات العودة، وخلف راية واحدة للمطالبة بحقوق غزة، في ظل التطبيع المتزايد للدول العربية والحماية الأمريكية للسياسة الإسرائيلية التي لا تعرف سوى القتل والتدمير.
قائلا: لقد كانت أختي تحب الحياة، كانت عمود البيت يحبها الكبير قبل الصغير وفي يوم استشهادها كانت منطلقة ومسرعة تركض بشكل غريب، فقد استيقظت مبكرا من بعد صلاة الفجر، وقامت بكل واجبات المنزل وواجباتها تجاه أمي التي كانت تشرف على علاجها وعلى صحتها، وقد حضرت لها في ذلك اليوم الحلوى التي تفضلها وهي "الكاستر بالشوكولاتة"، وتناولنا الغذاء معا، وبعدها مباشرة، ذهبت مسرعة إلى " ملكة".
ويكمل شقيقها واصفا تلك اللحظة: بعد صلاة العصر سمعنا في الراديو عن إصابة امرأة مجهولة الهوية، وفورا شعرت أمي أنها أمل، فأيقظتني من قيلولتي، وذهبت لإيقاظ أخي الأصغر أمير حاسمة الأمر وهي تقول:" لقد استشهدت أمل".
وبالفعل حينما ذهبنا إلى المستشفى تعرفنا عليها، كانت اصابتها في الرأس، وكانت الدماء تلطخ وجهها رحمها الله.
وقد أعلنت الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار في بيان لها في الجمعة الثانية والأربعين أنه لا شيء قادر على وقف المسيرات أو مكسرها، وستستمر لتلقين العدو دروسا في الذود عن الوطن والكرامة الوطنية والتضحية بخطى واثقة وثابتة بحتمية الوصول إلى ما تريد. موضحة في بيانها أن المشاركة التي كانت في الجمعة الأخيرة
"جمعة صمودنا سيكسر الحصار" قد وجهت رسائل للاحتلال في ظل هجمة شرسة دلت على تمسك الشعب الفلسطيني بأهدافه، ورفضه سياسة الأمر الواقع التي تحاصر غزة وتهود القدس وتزيد من الاستيطان.