"ضرب واعتداء وسكب للمياه الباردة في عزّ الشتاء على جسدها، وألفاظ تحرشية وتهديد بالاغتصاب وقتل زوجها ووالدها"، هي خلاصة معاملة أمن السلطة لسها جبارة خلال ثلاثة شهور قضتها فيما أسمته "مسلخ أريحا".
ورغم تدخل عديد الوسطات لم تنجح جبارة في انتزاع حريتها الا بعد اضراب مفتوح عن الطعام خاضته في "المسلخ"، كي تنجو بجلدها من تعذيب وحشي تعرضت له ومثله اضعافا مضاعفة يتعرض له معتقلون سياسيون في سجون الضفة وسط صمت فصائلي مطبق، كما تقول جبارة لـ"الرسالة".
المنظمات الحقوقية أفصحت في تقرير لها عن بعض من فصول تلك المعاملة السيئة عبر شهادات وإفادات تشير الى تعرض المعتقلين لتعذيب وحشي في سجون الأمن الوقائي والمخابرات، التي تحولت إلى "مسالخ" بعيدة عن القانون البشري وتتبنى بشكل مطلق "شريعة الغاب" التي تسمح لها بتعذيب المعتقلين دون أي تهمة او حتى مسوغ قانوني!
لجنة الحريات بالضفة وثقت مئة حالة اعتقال تقريبا في سجون السلطة، "منهم من يتم توقيفه على ذمة المحافظ ويتم توريط القضاء في هذه القضية عبر توزيع تهمة (إثارة النعرات الطائفية) من خلال النيابة للمعتقلين".
ويقول خليل عساف نائب رئيس لجنة الحريات بالضفة لـ"الرسالة" إنّ هذه التهمة أساسا لا تنطبق على الحالة الفلسطينية كونه لا يتواجد فيها طوائف، ولكن "منذ الانقسام كانت أكثر التهم رواجًا رغم أنه لم يدن فيها أي مواطن فلسطيني امام المحكمة".
وأكدّ عساف ان حالات الاعتقال مستمرة ولم تتوقف، مشيرا الى أنه تم تسجيل حالات تعذيب رغم وجود قرار بعدم استخدام الضرب، "وذلك يستوجب رفع قضايا من الضحايا الذين يترددون غالبا في رفعها بفعل الخوف".
واستحدث أمن السلطة حالة جديدة لشرعنة الاعتقال السياسي، تحت مسمى "اللجنة الأمنية المشتركة" إذ اعتقلت عديد الأشخاص تحت ذمتها من بينهم سها جبارة، وهنا يشير عساف الى انه تم الحصول على وعد في شهر يوليو الماضي من طرف السلطة الفلسطينية بحل هذه اللجنة.
ورغم الوعد بوقفها إلا أنه يحال لها اشخاص ويتم توقيفهم على ذمتها كان من بينهم سها التي اعتقلت قبل أشهر عديدة فقط، ودخلت على إثره إضرابا مفتوحا عن الطعام.
وقال النائب في المجلس التشريعي عن حركة "حماس" فتحي القرعاوي، إن الاعتقال السياسي يشكل طعنة ونزيفا في خاصرة الشعب الفلسطيني الذي يعاني منها أشد المعاناة.
وأضاف القرعاوي لـ"الرسالة" أن أغلب المعتقلين السياسيين هم أسرى محررون أضرب بعضهم عن الطعام في سجون السلطة عندما فقدوا الحيلة، وفقدوا النصير حتى من المنظمات الحقوقية، باستثناء جهود البعض التي لم تؤت ثمارها".
وأوضح أن السلطة الفلسطينية رفضت الاستجابة لكثير من النداءات في أكثر من مرة، رغم مفاوضات وحوارات المصالحة التي تجري في أكثر من مكان، مؤكدًا أن السلطة ترفض وقف سياسة الاعتقال والاستدعاء السياسي.
وأردف "إن مصلحة الشعب الفلسطيني ليست من أولويات أجهزة السلطة الفلسطينية، وفي ظل استمرار التنسيق الأمني وتقديم مصلحة الاحتلال على المصلحة الفلسطينية سيبقى هذا الظلم مستمرا ".
وفي السياق، دعا زاهر الششتري القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الفصائل الفلسطينية إلى وقفة حاسمة ضد الاعتقالات والاستدعاءات التي تقوم بها السلطة الفلسطينية بمحافظات الضفة.
وقال الششتري في تصريح خاص بـ"الرسالة"، إنّ السلطة تعمل على وقف الأنشطة الجماهيرية على حواجز الضفة، معتبرًا استمرار التنسيق الأمني.
وأشار الششتري إلى أن التنسيق الأمني يعطي الاحتلال الفرصة للقيام بجرائمه ضد الشعب الفلسطيني، وهو ما يتطلب من السلطة التحرك الفوري.
وفي هذا الصدد، أكدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، أن سجون السلطة الفلسطينية في الضفة تشهد تعذيبًا وحشيًا منهجيًا رغم علم المستوى السياسي بما يجري داخلها، مشيرةً إلى أن قيادة السلطة السياسية لم تتقدم أي خطوة لوقف ومنع التعذيب، الأمر الذي قد يكون له تبعات قضائية دولية.
وقالت المنظمة في تقرير لها وصل لـ"الرسالة" إنه يتحتم على القيادات السياسية والأمنية في السلطة الفلسطينية، وبمقتضى انضمام دولة فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية، احترام بنود اتفاقية روما، التي تعتبر مثل تلك الانتهاكات جريمة حرب.
وشددت المنظمة على أن الاعتقال التعسفي وما يصاحبه من تعذيب بحق مواطنين محميين بموجب اتفاقيات جنيف، يعتبر جريمة حرب يعرّض مسؤولي السلطة للمساءلة القانونية.
ودعت المنظمة أمين عام الأمم المتحدة ومكتب مدعي عام المحكمة الجنائية، إلى إرسال فريق لزيارة السجون في الأراضي الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص مقر المخابرات العامة في مدينة بيت لحم، وسجن أريحا، وسجن الجنيد في نابلس، بهدف التحقيق في جرائم التعذيب التي ترتكب هناك بشكل يومي.
وتشنّ أجهزة أمن السلطة حملة اعتقالات مسعورة بالضفة طالت العشرات من أبناء وكوادر حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
وكانت مؤسسات حقوقية قد أصدرت بيانات تتضمن شهادات وأفادت بتعرض معتقلين سياسيين للتعذيب الشديد في سجون السلطة.
واختطف أمن السلطة عددًا من النساء كان ابرزهن سها جبارة، الذي زعم تورطها بالعمالة قبل أن يفرج عنها عقب خوضها إضرابا مفتوحا عن الطعام استمر لأكثر من شهر تقريبا.