تحدي الكتاب الإلكتروني (بي دي أف) للكتاب الورقي المعتاد قضية تفرض نفسها على واقعنا المصري والعربي الثقافي، فالبعض يرى أن نسب الأمية العربية ثم رخص الكتاب الإلكتروني، بل إتاحته مجانًا، يتكاملان ضد الكتاب الورقي.
وفي ظل تقرير لليونسكو يفيد بأن المواطن العربي يقرأ ربع صفحة سنويًا، والتقارير القائلة بأن الأوروبي يقرأ مئتي كتاب سنويًا والعربي ست دقائق فحسب، يؤكد مثقفون مصريون عدم وجود قواعد بيانات عربية حقيقية لحجم تداول الكتب، بخاصة في ظل ازدهار الكتب المزورة المطبوعة دون علم الكاتب أو الناشر، وعلى رأسها النسخ الإلكترونية.
فهل تساعد الكتب الإلكترونية على تعميق الفجوة بين القارئ المصري والعربي والكتاب أم تقللها؟ وهل تؤثر مستقبلا على معارض الكتب، بخاصة مع وجود شركات عالمية مثل غوغل متخصصة في تسويق الكتب في نسخة إلكترونية (بي دي أف) بسعر زهيد؟
راحة وعرض وطلب
يرى الباحث والمؤلف المصري توكل محمد مسعود أن قارئ الكتاب الورقي قارئ متخصص على النقيض تمامًا من قارئ الكتاب الإلكتروني، والأخير قارئ متجول أو حتى نادر.
ويشير مسعود إلى أن للكتاب الورقي متعة نفسية تبقي عليه مهما غلا وارتفع سعره، فإن القارئ والكاتب المتخصص تقوم علاقة بينه وبين الكتاب تجعله يقترب منه ويلمسه ويشم رائحة ورقه، وحتى حينما يضعه فوق المكتب يمكنه أن يستلهم معانيه وأفكاره وحكمه وهو مغلق، بالإضافة إلى وجوده إلى جوار مئات الكتب في المكتبة وما يخلقه ذلك من متع.
ويؤكد مسعود أن الكتاب الورقي سيبقى هو الأحب والمرغوب فيه كلما ارتفع المستوى الثقافي والعلمي والبحثي وارتقى المستوى الإعلامي والإعلاني لمصر والعرب، وستبقى معارض الكتاب الورقي وسيلة لتلاقي المثقفين والباحثين والمؤلفين والأدباء بشخوصهم وبأقلامهم وإمتاع القراء.
متعة وضياع حقوق
الشاعر المصري حسني الإتلاتي يناقض سابقه في الحكم على تجربة الكتب الإلكترونية، ويراها امتدادا لمواقع التواصل الاجتماعي وتجعلنا نتغلب على صعوبة اقتناء الأجهزة، أما في مجال الكتاب الإلكتروني فإن نشر شعراء ومبدعين إبداعهم على المواقع المختلفة بالإنترنت يساهم في رواج كتبهم، من وجهة نظره.
وبمقدار تحمس الإتلاتي للنشر الإلكتروني، فإنه يرى فيه ضياعًا لحقوق المؤلف ودور النشر وبالتالي معارض الكتاب، ربما لأن لكل إنجاز ضحاياه، وللتقليل من ذلك يرى وجوب التدخل من الدولة لمنع مزيد من انهيار صناعة الكتاب، وذلك بدعم دور النشر الجادة، وتوزيع كتبها على الجامعات وغيرها، ورفع الجمارك عن مستلزمات الكتاب لتبقى صناعته ومعارضه، بالإضافة لضرورة الإعلان عن الكتاب في وسائل الإعلام الحكومية وخاصة التلفزيون.
مزيد من التنظيم
أستاذ الفلسفة الإسلامية نبيل فولي محمد يلتقط طرف الخيط من سابقه فيؤكد أن هناك دورًا يجب أن يكون للحكومات لعدم ترك توزيع الكتب الإلكترونية مزدهرًا في مقابل ضياع حقوق المؤلفين، وقديمًا عاش الكاتب الراحل عباس محمود العقاد على ناتج بيع كتبه فحسب.
ويرى فولي أن فرض مقابل رمزي على تنزيل الكتاب الإلكتروني ينقذ صناعة الكتاب بشرط وجود آلية، وأن يتفهم القارئ الواعي أنه بذلك ينقذ مستقبله الثقافي ومستقبل الكتاب.
أما عن استمرار الكتاب الورقي مصريًا وعربيًا، فيؤكد فولي أن ذلك مضمون لبقاء آلاف الباحثين وحاجتهم للمراجع، بالإضافة إلى وجوب تعزيز ثقافة احترام الحقوق وإحيائها في نفوس المثقفين والمواطن العربي.
أزمة القراءة
وبانتقالنا لآراء الناشرين المصريين، توقفنا في البداية مع أحد أعضاء اتحاد الناشرين العرب (رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية) قائلا إن الأزمة في الأساس تتعلق بالقراءة وابتعاد المواطن العربي عامة عنها نتيجة إما بسبب غسيل عقله وإما بسبب متطلبات حياته، وإن كان هذا لا يمنع لديه أن القارئ الواعي يحرص على الكتاب الورقي لوجود علاقة حميمة معه، ولكن مبالغة بعض الناشرين في طرح أسعار كتبهم تتسبب في تسريب الكتاب إلكترونيًا إلى حد كبير، فالكتاب الباهظ الثمن يدفع المزيفين للتعامل معه إما بنسخه ورقيًا وإما بالتعجيل بطرحه إلكترونيا، وهو ما سيؤثر على مستقبل معارض الكتب.
حلول بديلة
ويرى ناشر مصري فضل مغادرة وطنه والإقامة في تركيا، رافضًا ذكر اسمه للسبب السابق، أن الكتاب الإلكتروني يحل مشكلة الانتقال من بلد لآخر في سبيل العثور على نسخة منه، لذا سبقنا الغرب في محاولة حل المشكلة عبر البحث عن الكتب ذات الاهتمام الجماهيري وطرحها على مستوى واسع بسعر أقل كما تفعل أمازون مع الكتب الورقية، وتبقى مشكلة عدم وجود بطاقة الحساب الآلي الائتمانية لدى كثير من المواطنين العرب للشراء باستثناء الخليجيين عائقًا للاستفادة هذه التجربة في بلادنا.
ويضيف الناشر أن الفقر المستشري بكثير من الدول العربية يحول بين المواطنين والكتاب الإلكتروني المتخصص المطروح على موقع غوغل، وهو ما يساهم في تفسير الفارق مع أوروبا، حيث يطلع القارئ على 35 كتابا سنويا.
النشر الإلكتروني
يقول مدير دار النداء للنشر والتوزيع بتركيا محمد كرشونلو إن الدار صارت تخسر خسارة كبرى فيما يتصل بالكتب الورقية، ولإدراكنا أن القارئ لن يشتري الكتاب الورقي مهما خفضنا سعره، اتجهنا لتنزيل الكتاب إلكترونيا في موقع غوغل المتخصص، وهذا وفّر علينا كثيرًا بخاصة في تصميم الغلاف والتصاميم الداخلية بالإضافة لسهول تسوية الأمر مع أصحاب الكتب المترجمة.
ويضيف كوشونلر أن الدار اقتنعت بأن مستقبل الكتاب الورقي لن يكون مزدهرًا، بل ربما لن تستمر معارض كتب عربية في تركيا، مختتمًا بأن خطة هذا العام بلا كتب ورقية لتتحول الدار للتعامل الإلكتروني الممنهج من خلال التعامل مع غوغل التي تطرح الكتب الإلكترونية فحسب بأسعار رمزية.
المصدر : الجزيرة