مع اقتراب الذكرى الخامسة لانضمام فلسطين إلى ميثاق روما المنشئ لمحكمة الجنايات الدولية، وفي خضم الجرائم اليومية التي ترتكبها قوات الاحتلال، يكشف خبراء في القانون، أن السلطة لم تقدم أي خطوة منذ انضمامها لهذه اللحظة لإحالة أي ملف للمحكمة.
ويتهم خبراء في القانون خلال حديثهم لـ"الرسالة" السلطة باستخدام المحكمة أداة لابتزاز سياسي من أجل تحسين شروط التفاوض ولتحقيق أغراض سياسية لا علاقة لها من قريب او بعيد بمصلحة القضية الفلسطينية.
وانضمت السلطة الى ميثاق روما المنشئ لمحكمة الجنائية الدولية في شهر ابريل من عام 2015م، وقررت رفع ثلاثة ملفات وهي "الاستيطان والأسرى والحرب على غزة" للمحكمة منذ ذلك العام حتى اللحظة.
قانونيون كشفوا لـ"الرسالة" عن قرار سحب السلطة الفلسطينية لموظفيها عبر معبر رفح، قبل يوم واحد فقط من عبور لجنة التقصي الدولية التابعة لمكتب المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية لغزة، من أجل الوقوف على جرائم الحرب الإسرائيلية المرتكبة بحق القطاع.
وقال منتصر خالد ابو سلطان عضو لجنة الفريق القانوني في الهيئة الوطنية لمخيم ومسيرة العودة وكسر الحصار، إن السلطة الفلسطينية تعمدت الانسحاب قبل عبور اللجنة وذلك بعد رفض الاحتلال السماح لها العبور للقطاع عبر معبر "ايرز" بيت حانون.
وأكدّ ابو سلطان لـ"الرسالة" أن السلطة تعمدت قطع الرواتب وافتعال الازمات الداخلية، قبل اعلان نتائج الفحص الاولي من طرف اللجنة الدولية الذي كان مقرر مع نهاية شهر ديسمبر الماضي.
وأوضح أبو سلطان أن التفسير الوحيد لذلك، هو منع السلطة لأي تقدم دولي تحرزه غزة، واعلانه اقليمًا متمردًا خارجا عن الشرعية، كما تدعي.
من جهته، كشف القانوني والحقوقي أحمد جبريل، عن سحب السلطة لعناصرها من المعبر قبل يوم واحد فقط من عبور لجنة التقصي الدولية التي شكلت بقرار من مجلس حقوق الانسان إلى القطاع.
وذكر جبريل لـ"الرسالة " أن اللجنة قررت زيارة القطاع للاستماع للشهود، وحاولت العبور عبر معبر ايرز الا ان وزير الحرب السابق افيغدور ليبرمان منعها، فقررت العبور من خلال معبر رفح، وكانت هناك موافقة مبدئية من مصر.
وأضاف: "قبل عبورها بيوم واحد فقط انسحب عناصر السلطة من المعبر وبقي مغلقا لأسبوعين، مكثت فيه اللجنة بمصر، قبل ان تغادر".
قانوني: السلطة سحبت موظفيها قبل وصول وفد تقصي حقائق دولية بيوم واحد فقط!
وأوضح أن اللجنة اضطرت لإجراء مقابلات عبر الفيديو كونفرنس مع بعض الضحايا والتقت ببعض مصابي مسيرات العودة في المستشفيات المصرية.
وأكدّ أن خطوة السلطة بسحب عناصرها، "أضرت بالقضية الفلسطينية بشكل مقصود او غير مقصود".
وتوقع أن تصدر اللجنة تقريرها النهائي في شهر مارس المقبل، حول تقصي الحقائق بشأن جرائم الحرب المرتكبة بحق غزة.
ولفت الى تجربة السلطة بإحباط التصويت على تقرير جولدستون الذي أدان الاحتلال بجرائم حرب عام 2008م.
ورقة للابتزاز
وفي ضوء ذلك، أكدّ جبريل أن السلطة تستخدم المحكمة الجنائية كورقة ضغط على الفلسطينيين أنفسهم، مشيرا إلى أنها غير معنية في الوقت الحالي برفع قضايا للجنائية الدولية لكن بطريقة غير مباشرة.
واتهم السلطة بتعطيل إجراءات رفع القضايا للجنائية الدولية "فهي صاحبة الشأن ولم تصدر أي بيان أو تفتح أي قضية من الملفات المتعلقة بجرائم الاحتلال".
وأشار إلى أن إحالة الملفات تحتاج لدولة موقعة في اتفاق روما أو عبر مؤسسات حقوقية، "وننتظر نتائج الفحص الاولي التي يفترض ان تصدر نهاية العام، "لكن طلب السلطة إحالة الملفات بشكل كامل سيعفينا من مدة زمنية لا تقل عن خمس سنوات".
وبيّن أن بعض أعضاء اللجنة التي شكلها عباس لمتابعة قضية محكمة الجنايات يتذرع بعدم الرغبة في الاستعجال، لتفادي التأثير سلبا على المدعية العامة، وتركها تتحرك بدافعها الشخصي للتوجه الى المحكمة، معتقدا أن هذه الآراء نوع من الترهات ومحاولة للتوظيف السياسي للمحكمة وجعلها أداة للمساومة.
وبيّن ان ما يطرح عمليا هو أن السلطة لم تقدم أي إحالة للمحكمة، وهي مجرد معلومات فقط وضعت معلومات فقط لتشكل قناعات لدى المدعية العامة، ولهذه اللحظة لم تجبر المدعية على فتح التحقيق.
وأوضح أن المدعية لا تزال في طور الفحص الأولي، "ولو توصلت الى نتائج فإنها سترفع لأخذ إذن من الدائرة التمهيدية لفتح التحقيق، واحالة السلطة ستغني المدعية عن فعل ذلك وتختصر الكثير من الوقت.
غياب استراتيجية التدويل
من جهته، أكدّ رئيس اللجنة القانونية في الهيئة العليا لمسيرات العودة د. صلاح عبد العاطي، أنّ السلطة تأخرت لمدة عامين كاملين حتى انضمت الى الجنائية بعد حصولها على اعتراف دولة فلسطين عضو مراقب عام 2012، لتنضم الى المحكمة في 2014 ويتم قبولها رسميا في الأول من ابريل عام 2015.
وقال عبد العاطي لـ"الرسالة" إنّ السلطة قدمت التماسا للمدعية العامة لإجراء فحص أولي حول إن كانت هناك جرائم ترتقي لمستوى جرائم حرب وتدخل ضمن ولاية المحكمة، منبها الى أن الفحص الاولي لا يعني عمليا فتح تحقيق او انه قد يتم فتحه، فهناك تجارب سابقة لفحص استمر لعشر سنوات ثم أعلنت المحكمة انها لا تدخل في اختصاصها.
وذكر أن السلطة اكتفت بتشكيل لجنة وطنية برئاسة صائب عريقات لدعم الفحص الاولي، دون أن تقرر إحالة الملفات لاعتبارات سياسية "فقد استخدمت المحكمة من اجل الضغط للعودة للمفاوضات ثم تذرعت برفضها الإحالة لعدم قطع تمويلها من الادارة الامريكية".
عبد العاطي: السلطة لم تقدم أي ملفات للإحالة وتستخدم المحكمة ورقة ضغط
واستدرك بالقول: "عمليا لا يوجد مفاوضات وواشنطن قطعت تمويلها، فماذا تبقى للسلطة سوى أن تذهب لمساءلة الاحتلال"؟
وبيّن أن السلطة لم تحل لهذه اللحظة سوى ملف الاستيطان بموجب المادة 12 و 15 من قانون المحكمة وهو دعم الفحص الاولي وإعطاء مكتب الادعاء العام فرصة للفحص الاولي.
وذكر أن السلطة عمليا تفتقر لاستراتيجية تدويل الصراع، فهي عمليا انضمت لكل اتفاقات القانون الدولي، "والقضاء الوطني يحق له أن يبدأ بمساءلة الاحتلال خاصة وان المحاكم الإسرائيلية بدأت بمحاكمة السلطة على خلفية قتل عملاء ومستوطنين، والاصل ان يكون القضاء الفلسطيني مهيأ لمبدأ الولاية القضائية".
وأشار إلى انضمام السلطة للانتربول الدولي، "وأول ما فعلت السلطة استخدمته للنيل من بعض الخصوم السياسيين، دون ان تطالب بملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين والمطالبة بتسليمهم".
ولفت أن السلطة لم تفعل مسار الحماية وهناك غياب في تبني حركة المقاطعة، مشيرا الى وجود حالة من الانتظار والتيه والغياب الفعلي في استخدام الأدوات القانونية والحقوقية التي أتاحتها الأمم المتحدة وبقية الاتفاقات.
ونوه إلى مبدأ الولاية القضائية الدولية التي تستوجب انشاء مكاتب محاماة في أماكن مختلفة لملاحقة مجرمي الاحتلال، غير ان السلطة لم توفر كوادر بشرية او مالية لفعل ذلك.