يُصر رئيس السلطة الفلسطينية وحركة فتح محمود عباس على مواصلة حرق المراكب مع جميع الفصائل الفلسطينية حتى داخل المنظمة، في تعميق واضح للخلاف مع الجميع والسير نحو الهاوية في المشروع الوطني الفلسطيني برمته.
عباس الذي بلغ من الكبر عتيا، يواصل خطواته التي تجاوزت الخطوط الحمر في تجويع أسر وعائلات الشهداء والأسرى من خلال سياسته التي اتخذها منذ سنوات في محاربة الناس بقوت أطفالهم، ضاربا بعرض الحائط جميع القيم الإنسانية قبل الوطنية.
ومنذ إبريل/ نيسان 2017، فرضت السلطة الفلسطينية عقوبات قاسية على القطاع، شملت إحالة آلاف الموظفين إلى التقاعد الإجباري، وتخفيض رواتب الموظفين بما يزيد عن 50 في المائة قبل أن يعيد بعضها إلى 70% وبقطع رواتب المئات من الأسرى والشهداء والجرحى، ويخفض فاتورة العلاج، ويوقف دعم قطاعي الصحة والتعليم.
وأدت هذه العقوبات المفروضة منذ ما يقارب العامين إلى حالة من الانهيار الاقتصادي والمعيشي، وزجت بالعشرات من الموظفين في السجون نتيجة عجزهم عن الوفاء بالتزاماتهم بأقساط لتجار محليين وبنوك.
ويطرح ما سبق تساؤلا حول إمكانية التصدي لسلوك الرجل الذي بات أشبه بفرعون، حينما طغى في الأرض ولم يجد من يرده، الأمر الذي ينذر بإسقاط القضية الفلسطينية في الهاوية حال استمرت تلك السياسة.
ويؤكد القيادي الفتحاوي النائب عن التيار الإصلاحي في المجلس التشريعي ديمتري دلياني، أن سياسة عباس الأخيرة تأتي بنتائج سلبية على القضية الفلسطينية سواء من ناحية تحقيق المصالحة، أو على صعيد إحداثها شرخا جديدا يمس مصالح المواطنين ويمثل عقابا جماعيا لهم.
ويوضح دلياني في حديثه لـ"الرسالة" أن فرض العقوبات مرفوض حينما يمارسه الاحتلال ضد أبناء شعبنا، وهو ذاته جريمة مرفوضة عندما تفرضه قيادة السلطة على المواطنين الذين ليس لهم علاقة بالخلاف السياسي بين السلطة وحركة حماس.
وشدد على ضرورة أن تتعامل السلطة مع الكل الفلسطيني بمساواة كون أن هذا الأمر حق لكل مواطن فلسطيني وليس منّة من أحد، مشيرا أن ما ينفذه عباس وفريقه أمر غير مقبول مطلقا.
وعن إمكانية استعادتهم لزمام المبادرة من عباس، يؤكد القيادي في التيار الإصلاحي أن حركة فتح مستمرة في كفاحها وقيادتها للثورة الفلسطينية وإن مرت في ضائقة لكنها حركة ولادة لا تقف عند محمود عباس وفريقه الذين باتوا في واد والشرعية في واد آخر.
ولفت إلى أن الشرعية الحقيقية هي للشارع الفلسطيني ومواقفه الواضحة، بعيدا عن المسميات التنظيمية التي استوى عليها فريق عباس، في اختطافه لحركة فتح.
ويعتقد د. عبد الستار قاسم أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح الوطنية والقدس، أن المشكلة لا تكمن في حركة فتح اتجاه سلوك عباس، وإنما أيضا في جميع الفصائل الفلسطينية التي تسارع إلى انقاذه كلما هوى.
ويوضح قاسم في حديثه لـ"الرسالة" أن الساحة الفلسطينية تعاني من مراهقة سياسية برمتها، مشددا على أنه كان لزاما على كافة الفصائل التصدي لعباس وتشكيل مجلس رئاسي يتولى شؤون السلطة بعد انتهاء ولاية عباس قبل عشرة أعوام.
ويلفت إلى أنه كان المفترض من الناحية القانونية إقالة عباس من قبل المجلس الوطني بعد انتهاء ولايته وعدم التزامه بالقرارات التي اتخذها المجلس قبل سنوات والموصية بوقف التنسيق الأمني وقطع العلاقة مع "إسرائيل" والتحلل من اتفاق أوسلو وباريس الاقتصادي.
ويستبعد قاسم أن يكون لتيار النائب المفصول من فتح محمد دحلان دور كبير في كبح سلوك عباس كون الأول له مناهضين من الشارع الفلسطيني بسبب تاريخه الماضي، مما يضعف أسهمه لدى المواطن الفلسطيني ويقلل من الثقة في توجهه ضد رئيس السلطة.
في نهاية المطاف يمكن القول إن بقاء عباس على هرم السلطة ومواصلته حرق المراكب مع الجميع يهدد مستقبل القضية الفلسطينية ويضعها أمام محاذير خطيرة تزامنا مع المؤامرات التي تحاك ضدها وخاصة ما يعرف بـ"صفقة القرن".