لو في أشد الكوابيس لم يكن للمرء أن يتخيل أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه على هامش مؤتمر "وارسو" الذي عقد بمشاركة رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو وعدد من وزراء الخارجية العرب.
وعلى الرغم من أن هذا المؤتمر الدولي الأول الذي يشارك فيه ممثلو دول عربية لا تقيم علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني يحضره ممثلون عن هذا الكيان، إلا أن السابقة الخطيرة تمثلت في أن ممثلي الدول العربية قد وافقوا على المشاركة في المؤتمر على أساس ألا يتم طرح القضية الفلسطينية فيه بحال من الأحوال.
وقد بدت مشاركة الدول العربية ليبدو المؤتمر كما لو كان مجرد مهرجان في حملة اليمين الصهيوني المتطرف الانتخابية، حيث أن تصريحات وزراء الخارجية العرب، التي قام نتنياهو بتسريبها أضفت صدقية على مواقف الحكومة الصهيونية الحالية، التي تعد الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان.
ففي الفيديو الذي سربه ديوان نتنياهو، ثم أزاله، يظهر وزير الخارجية البحريني خالد بن حمد آل ثاني، في حضور نتنياهو، وهو يحمل كلا من حركة حماس والجهاد الإسلامي المسؤولية عن إحباط فرص التوصل لتسوية سياسية للصراع بناء على تعليمات إيران.
والمفارقة أن نتنياهو أعلن قبل 3 أيام من موعد انعقاد مؤتمر "وارسو" بشكل لا يقبل التأويل أنه إن ظل رئيسا للوزراء فإن دولة فلسطينية لن تقوم في الضفة الغربية وأن حسم مصير الضفة الغربية والقدس سيتواصل بهدف تكريس السيادة الصهيونية على هاتين المنطقتين.
ليس هذا فحسب، بل أوضح نتنياهو أيضا أنه سيضم حزب "المنعة اليهودية"، الذي يطالب بطرد كل الفلسطينيين إلى الدول العربية إلى حكومته، في حين أن زعيم هذا الحزب هو الإرهابي باروخ مارزيل الذي اشتهر بقيادة حملات التنكيل بالفلسطينيين في مدينة الخليل وضواحيها.
من هنا، فقد نجح نتنياهو في توظيف مشاركة وزراء خارجية الدول العربية وتصريحات وزراء خارجية البحرين والسعودية والإمارات، في تقديم إثباتات للرأي العام الصهيوني بأن السياسات المتطرفة التي تتبناها تل أبيب في ظل حكمه لم تفض إلى المس بمكانة تل أبيب، بل عززت مكانتها إقليميا من خلال تبني دول عربية الرواية الصهيونية.
المؤسف أن نتنياهو أثبت من خلال أنماط سلوكه تجاه وزراء الخارجية الخليجيين تحديدا، مجددا أنه من طراز السياسيين الصغار، حيث أن إقدامه على عرض مقاطع فيديو توثق اللقاء السري الذي جمعه بوزراء خارجية البحرين والسعودية والإمارات، والتركيز على ترديدهم المواقف المؤيدة لتل أبيب والمهاجمة لحماس والجهاد وإيران كان القصد منه تسجيل نقاط انتخابية على حساب كرامة هؤلاء الوزراء.
وفي الوقت الذي التزم الوزراء العرب الذين عمد نتنياهو إلى توظيفهم على هذا النحو المشين الصمت، فقد هاجم الكثير من المعلقين الصهاينة نتنياهو واتهموه بأنه تعمد تحقير هؤلاء الوزراء وإهانتهم فقط من أجل تحقيق مكاسب شخصية سياسية.
المفارقة، أنه بعكس مزاعم نظم الحكم العربية التي تهافتت على المشاركة في مؤتمر "وارسو"، فإن هذا المؤتمر لم يسهم بالمس بإيران ومصالحها، بل عمد إلى تعزيز مكانتها وإضفاء صدقية على سرديتها، كدولة تقف إلى جانب المقاومة.
فعندما يلحظ رجل الشارع في العالمين العربي والإسلامي أن الدول العربية التي في حالة عداء مع إيران تتهافت على هذا النحو المخزي على التطبيع والمجاهرة بتقاسم المواقف معها، فإنه يتكرس لدى الرأي العام الانطباع بأن إيران تقف مع المقاومة ضد الاحتلال، وهو ما يسهم في تبييض أفعال إيران وجرائمها في سوريا والعراق واليمن.
إن السؤال الذي يطرح هنا بقوة: هل الكيان الصهيوني يقف بالفعل إلى جانب الدول العربية الخليجية التي تسارع الخطى في التطبيع معه؟
لقد توسعت وسائل الإعلام الإسرائيلية في تغطية تحرك نتنياهو لدى ترامب عندما التقاه قبل عام، حيث طالبه بعدم تزويد السعودية والإمارات بطائرات إف 35 وعدم تزويد السعودية بمفاعل نووي للأغراض السلمية، حيث أن نتنياهو برر هذا الطلب بالقول إن نظام الحكم السعودي يمكن أن يسقط ما يزيد من خطورة وقوع هذه المقدرات الاستراتيجية في أيدي المتطرفين.