تزامنا مع التصريحات المتزايدة حول اقتراب الإعلان عن تفاصيل صفقة القرن، تبدو الخطوات العربية مسرعة باتجاه انجاحها من خلال فتح الأبواب للتطبيع وهو ما ظهر جليا خلال مؤتمر وارسو الذي عقد مؤخرا.
المؤشرات على الأرض تؤكد أن الصفقة باتت فعلا في مراحلها النهائية، خاصة مع الإجراءات "الإسرائيلية" على الأرض من خلال الاستيطان والجدار الذي سيطر على 60% من أراضي الضفة الغربية، إلى جانب قرارات الإدارة الامريكية الخاصة بالقدس واللاجئين، ليتم تتويجها حالياً بموجات التطبيع العارمة في الوطن العربي بين الاحتلال والدول العربية تحت بند "التطبيع قبل التوقيع".
وقال الموفد الأمريكي لعملية السلام في الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، إن التحضيرات جارية على قدم وساق للإعلان عن خطة السلام الأمريكية، بعد انتخابات الكنيست الإسرائيلي.
ورغم أن الدول العربية جميعها أعلنت مراراً التزامها بمبادرة السلام العربية التي طرحت في قمة بيروت عام 2002 والتي تنص بوضوح ان التطبيع مع الاحتلال يكون بعد إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وتطبيق حل الدولتين، إلا أن الوقائع على الأرض تتخذ منحى مغايرا.
وذهبت الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية لأبعد من ذلك في دعم الصفقة فأعلنت وبحسب ما كشفته مصادر فلسطينية رفيعة المستوى في رام الله لـ"الخليج أونلاين"، عن تعديلات أساسية في مبادرة السلام العربية التي حددت أسس العلاقات مع (إسرائيل) طوال الأعوام الـ17 الماضية.
المصادر الفلسطينية أكدت أن المسؤولين في السعودية وعلى رأسهم الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده محمد، بدأوا يفكرون جدياً في اتخاذ خطوة من شأنها أن تغير مفاهيم العلاقات العربية مع دولة الاحتلال بشكل جذري.
وتشهد علاقات (إسرائيل) مع دول الخليج تحسن ملحوظ في السنوات الأخيرة، ويعود ذلك في المقام الأول الى عدم الثقة المشتركة في إيران واندفاعها نحو الهيمنة الإقليمية، وهو ما رحب به الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، حيث رأى أن السعودية وحلفاء آخرين في الشرق الأوسط هم المفتاح لسياسته في مواجهة إيران والنهوض بمقترح السلام الإقليمي الذي وعد بتقديمه.
وبدوره قال الضابط السابق في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، يوني بن مناحيم: إن "قمة وارسو شكلت يوماً عصيباً على الفلسطينيين في حين شكلت إنجازاً سياسياً لـ(إسرائيل).
وأوضح بن مناحيم، وفق ما نقل عنه موقع (عربي21) أن "المندوبين العرب في قمة وارسو، تحدثوا عن المبادرة العربية للسلام، لكنهم في الوقت ذاته يدعمون صفقة القرن الأمريكية الخاصة بالرئيس دونالد ترامب، وقد أعلن ذلك بصورة واضحة مستشاره الشخصي جيراد كوشنير، الذي أشاد بالمبادرة العربية، لكنها لم تحقق السلام في المنطقة".
وذكر بن مناحيم، الضابط السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" أن "الدول العربية ذاتها تبدي استعدادها لتشكيل تحالف مشترك مع (إسرائيل) ضد إيران، وبذلك تدفع باتجاه التسريع بعملية التطبيع في علاقاتها مع (إسرائيل)، دون أي آثار جانبية سلبية".
وأوضح، أن "الحكام العرب يسعون لتحقيق هذا التطبيع مع (إسرائيل) بعملية تدريجية مع الشعوب العربية في الشرق الأوسط، من خلال تكرار أخذهم صوراً مشتركة تجمعهم مع المسؤولين الإسرائيليين.
ويبدو أن الدول العربية في معظمها باتت ترى القضية الفلسطينية عبئا ثقيل عليها وتقيد تحركاتها لمراعاة مصالحها ومواقفها السياسية التي تشهد تغييرات لافتة ومتسارعة في ظل الأوضاع التي تمر بها المنطقة.
ومن هذا الباب فان معظم الدول العربية ترى أن علاقتها بالاحتلال تحقق لها عدة أهداف أهمها إرضاء الإدارة الامريكية وتشكيل تحالف مع الكيان والذي يعتبر قوة عظمى في منطقة الشرق الأوسط ضد إيران.
ويرى مراقبون أن أمريكا تسعى لتحشيد العرب لتشكيل محور إقليمي ضاغط على الفلسطينيين كباب آخر لإنفاذ الصفقة بسبب رفض السلطة المعلن لها، لذا جاء مؤتمر وارسو في بولندا تحت عنوان السلام والأمن في الشرق الأوسط، في محاولة جادة ونقطة ارتكاز مهمة تتقدم من خلالها الإدارة الأميركية خطوة إلى الأمام في اتجاه الصفقة تحت غطاء السلام الاقتصادي.
من جهته، قال سفير فلسطين الأسبق لدى القاهرة نبيل عمرو في حديث صحفي، إن تطور العلاقات العربية والاسلامية مع (إسرائيل) يعني أننا انتقلنا لمرحلة جديدة ستؤثر على الفلسطينيين، مُبيناً أن هذه المرحلة لا يُمكن فصلها عن صفقة القرن التي لم تُعلن بعد.
وأشار عمرو إلى أن المرحلة الحالية من العلاقات مع الاحتلال هي الاستعاضة عن السفارات بالعلاقات ذات الطابع السري والعلني، "سريا على صعيد الاستخبارات، وعلنيا متعلق بالفعاليات الرياضية التي تأخذ طابعا عالميا".