على إيقاع هتاف الحشود الفلسطينية المطالبة برحيل رئيس حركة فتح محمود عباس عن مشهد قيادة السلطة، تمسكت قوى وشخصيات فلسطينية بذات المطلب، مطالبة بمحاسبته ومحاكمته على جرائمه التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني.
"الحراك الشعبي للإنقاذ الوطني" بدوره أكد أن الهدف من المظاهرات الشعبية هو المطالبة برحيل عباس المتسبب بالحاق الأذى بالشعب وتدهور قضيته الوطنية والسياسية.
وقال د. زياد أبو طه أحد ممثلي الحراك لـ"الرسالة" إنّ "الشعب الفلسطيني خرج ليقول لعباس كفى، فقد طفح الكيل ولم يعد بمقدوره الصبر أكثر من ذلك".
وأشار إلى أنه في وجود أكثر من 180 ألف خريج إضافة الى ارتفاع نسبة الفقر لـ65% وزيادة معدلات حالات الطلاق، وفي ظل ارتكاب أجهزة أمن السلطة لمجزرة الرواتب في طريقة لم تعهدها الدول تجاه أبنائها، "كل ذلك يستدعينا لنقف بشكل حاسم ونعلن كفاك يا عباس".
وكانت السلطة قد سرّحت اكثر من 6 آلاف من موظفيها، إضافة لـعوائل الشهداء والجرحى والأسرى الذين قطعت رواتبهم.
وأشار أبو طه إلى أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من مؤامرة صفقة القرن، "يستدعي أن يواجه تلك المخاطر بشكل متوحد من خلال تقرير مصير شرعياته، ومن يرفض ذلك علينا أن نقول له ارحل".
الرحيل السياسي
الجبهة الشعبية أكدّت بدورها على لسان عضو لجنتها المركزية عبد العليم دعنا، ضرورة أن يغادر محمود عباس موقعه في رئاسة السلطة، والرحيل عن قيادة السلطة، "فقد مضى من عمره 84 عامًا ولن يستطيع أن يقدم شيئًا، كما أن وجوده معيق للنضال ومسيرة شعبنا".
وأشار دعنا في حديثه لـ"الرسالة" إلى مواقف عباس الأخيرة من ضمنها خطابه الأخير الموجه للشباب (الإسرائيليين) وتأكيده على حرصه تجاه مستقبلهم، معلقًا بالقول: "كان عليك أن تكون حريصا على أبناء شعبك وليس على مجموعة ممن يتجندون لقتل أطفال ونساء وشيوخ هذا الشعب".
ونبه دعنا إلى حديث عباس المتكرر في رفضه عودة اللاجئين الفلسطينيين، مضيفا: "ما يتحدث به عباس مخجل، وفيه كثير من المواقف المخزية والتي تدعونا لنقول له أرحل ولتترك الفلسطينيين يتدبرون شؤونهم ويعيدوا الاستقرار السياسي والمجتمعي المسلوب منهم".
أمّا تحالف قوى المقاومة الذي يتخذ من دمشق مقرًا له، فأكدّ أنّ رئيس السلطة محمود عباس هو المسؤول الأول والرئيسي عن تدهور الأوضاع في الحالة الفلسطينية، "ومن حق الناس وواجبهم دعوته للرحيل عن المشهد السياسي".
وقال خالد عبد المجيد أمين سر قوى التحالف لـ"الرسالة"، إنّ عباس المهيمن على فتح، والتي تهيمن بدورها على المنظمة والسلطة والحالة الفلسطينية هي من تتحمل مسؤولية ما يحدث وعليها أن تواجه الحقيقة وتتوقف عن الرهان على المفاوضات والعودة لمسار التسوية من جديد".
وذكر عبد المجيد أن سلوك عباس برمته أضعف البنية النضالية للقضية الفلسطينية، وأسهم في تدمير المناعة الوطنية بمواجهة صفقة القرن.
وطالب فتح باتخاذ موقف واضح من سلوك عباس - مهندس أوسلو- والعمل فورا على إعادة ترميم المؤسسات الوطنية الفلسطينية بعيدا عن لغة الهيمنة والتفرد.
مطالب المحاكمة
في ضوء ذلك، تمسكت فصائل فلسطينية بمطلب محاكمة عباس على جرائمه التي ارتكبها بحق الفلسطينيين بالقطاع، إذ أكدّ خالد أبو هلال الأمين العام لحركة الأحرار الفلسطينية، ضرورة العمل على محاكمة عباس ومحاسبته تجاه جرائمه وخيانته لشعبه الفلسطيني.
وقال أبو هلال لـ"الرسالة": "في مراجعة سريعة لعباس منذ انقلابه على الراحل ياسر عرفات الذي سماه بـ(كرزاي فلسطين)، فإنه ارتكب عديد الخطايا والجرائم بحق شعبه".
واعتبر أن تنصيب عباس عام 2005 كان بمنزلة "نكسة" شبيهة للنكسة التي تعرض لها شعبنا في الـ67، "فمنذ نصب خليفة لعرفات بإرادة أمريكية- إسرائيلية بدأت المأساة الجديدة المتواصلة بوجوده".
وأشار أبو هلال إلى ما سماه "سجل خيانات عباس" بدءً من تحويل العلاقة مع الاحتلال من مشروع سياسي الى تعاون أمني مقدس دون أي مقابل، "وأصبحت الخيانة والعمالة واضحة بعد إعلانه الحرب على المقاومة".
ولفت الى دور عباس في اذكاء الصراع الداخلي، من خلال انقلابه على نتائج الانتخابات وجر الواقع الى صدام عسكري مسلح انتهى بأحداث الانقسام.
وأكدّ أبو هلال أن عباس توجه إلى تصفية فتح من الداخل، وحولها إلى مجرد جيوش من الموظفين الذين ينتظرون رواتبهم آخر الشهر، "فقد تعرضت فتح لأكبر تصفية واغتيال مالي واقتصادي كبير لمصلحة أمن السلطة، الذي بات يتملك كل شيء بالضفة".
ونبه إلى دور عباس في تصفية المقاومة واعتبارها مليشيا، "فحاربها بكل ما أوتي من قوة".
وبيّن أبو هلال دور عباس في تصفية مؤسسات المنظمة التي كانت اكبر ممثل للجاليات الفلسطينية، ثم خزلها لتصبح جزءاً من السلطة، التي تتحكم بمصادر صرفها، وأجهض مؤسساتها وأفرغها من مضمونها.
وأكدّ أنّ عباس لم يتورع عن إضعاف غزة لإفراغها من كونها مخزونًا وطنيًا ومركزًا للمقاومة، وسابق الاحتلال بقرارات قطع الرواتب، كما أشار الى دور عباس في التخلي عن القضايا والثوابت المركزية ممثلة بقضايا القدس والعودة من خلال تصريحاته المعلنة عن رفضه العودة لصفد أو ارجاع ملايين اللاجئين لأراضيهم، كما قال.
وأيده الشيخ كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل المحتل، إذ شددّ على وجوب محاكمة عباس وليس فقط المطالبة برحيله، قائلا: "سمعنا عن دكتاتوريين عرضوا على المحاكم، وعباس لم يرتكب جرائم قتل فحسب بل جريمة التجويع الأكبر بحق شعبه".
وأضاف الخطيب لـ"الرسالة " أن عباس "يرغب برؤية شعبه متسولا على أعتاب (إسرائيل) والمؤسسات الدولية "، مشددا على ضرورة محاكمة عباس وطنيا وتجريمه على معظم ما ارتكبه من جرائم.
المخرج الوطني
وفي ظل تعنت عباس ورفضه الرحيل عن السلطة، دعت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين لعقد الاطار القيادي المؤقت والدعوة لحوار فلسطيني شامل، واجراء انتخابات شاملة لمؤسسات المنظمة والسلطة كافة في أسرع وقت ممكن.
وقال عضو المكتب السياسي للجبهة سمير أبو مدللة، إن المطلوب من أبو مازن الدعوة لحوار شامل بصفته رئيسا للسلطة، وعقد الاطار القيادي الذي يضم الأمناء العامين للفصائل واللجنة التنفيذية للمنظمة؛ لمناقشة مختلف الملفات بما فيها انهاء الانقسام ومواجهة صفقة القرن.
وطالب أبو مدللة في تصريح خاص بـ"الرسالة"، عباس بالدعوة لإجراء انتخابات لـ" المجلسين الوطني والتشريعي والرئاسة، بحيث تشمل الضفة وغزة وما امكن من مناطق الشتات فيما يتعلق بانتخابات "الوطني والمركزي".
كما وطالب عباس بضرورة إعادة النظر في عملية التسوية، استنادًا لتطبيق قرارات المجلسين المركزي والوطني، والتي تدعو لقطع العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية مع الاحتلال، "وهذا اقل رد على ما يسمى بصفقة القرن".
وحثّ أبو مدللة رئيس السلطة بالعودة لتطبيق التفاهمات الوطنية الداخلية في أسرع وقت ممكن.
أمّا الأب مانويل مسلم عضو الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة المقدسات، راعي كنيسة اللاتين في غزة سابقا، فأكد أنّ الحل الوحيد لإنهاء الانقسام والتخلص من الفئة التي تتحكم بالسلطة يكمن في تشكيل منظمة تحرير جديدة.
وقال مسلم لـ"الرسالة": "لا نريد أن نقول لعباس ارحل وكفى، نريد أن نصنع البديل بأيدينا وذلك بانتخاب مجلس وطني جديد يختار لجنة تنفيذية جديدة ورئيسا جديدا للصندوق القومي".
وذكر أن هذا الأمر كفيل بإنتاج منظمة جديدة وفق معايير وطنية خالصة، "ونريد أن نبحث عن بدائل لأي معوقات توضع في طريق هذه الفكرة، ونطلب من غزة أن تبدأ بتنفيذها".
وأضاف مسلم: "لم يعد مقبولا أن نواجه عباس بالمسبّات، نريد علاجًا يخلصنا تماما من مرض هؤلاء، والدفع باتجاه انتخابات توجد منظمة جديدة".
وأعلن مسلم أنّ من "قطعت رواتبهم وجوع أطفالهم وحرموا أبسط حقوقهم، لديهم القدرة والقوة ليصنعوا دواءً فلسطينيا يخلصنا من هذه الأمراض".
ودعت فصائل العمل السياسي والوطني الفلسطيني جماهير شعبنا لانتفاضة غضب تنديدا بسلوك عباس، والمطالبة برحيله عن المشهد السياسي بكامله.
وكان عباس قد أعلن مسؤوليته عن قرارات تتعلق بقطع رواتب الموظفين وقطع التحويلات الطبية وغيرها من القرارات التي أدّت لتدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع.
وحملت المنظمة العربية لحقوق الانسان في لندن، السلطة مسؤولية ما سمتها بـ"جرائم الإبادة" التي ترتكبها بحق مليوني مواطن فلسطيني بالقطاع، يعانون جراء قراراتها الأخيرة التي باتت تمس أدنى حقوقهم الإنسانية والمعيشية.