توصلت دراسة حديثة إلى أن الأطفال الذين ينشؤون في وسط أخضر ينخفض خطر تعرضهم لإصابات نفسية مع مرور السنوات. الدراسة من المتوقع أن تساعد في تحديد تأثير الخضرة على الصحة وبشكل كبير على المخ.
وقال باحثون من الدانمارك إنه يندر أن يتعرض الأطفال الذين ينشؤون في وسط أخضر لإصابات نفسية مع مرور السنوات.
وحسب باحثين من جامعة آرهوس الدانماركية، فإن الأطفال الذين يكبرون وسط الغابات أو الحدائق أو المنتزهات أقل عرضة بنسبة 55% للإصابة بأمراض نفسية، مقارنة بأقرانهم الذين ينشؤون في محيط ليس به مثل هذه الخضرة. واعتبر الباحثون ذلك دليلا على ضرورة أن تصبح المدن أكثر خضرة.
ودرس الباحثون في دراستهم -التي نشرت الاثنين 25 فبراير/شباط الجاري في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية التابعة للأكاديمية الأميركية للعلوم- المناطق الخضراء المحيطة بمنازل أسر نحو مليون دانماركي، وذلك في الفترة بين عامي 1985 و2013، معتمدين في ذلك على صور التقطت لهذه المناطق بالأقمار الصناعية.
ثم قارن الباحثون هذه البيانات بمدى خطر إصابة هؤلاء بواحد من 16 مرضا نفسيا مختلفا مع مرور السنوات.
وقالت المشرفة على الدراسة كريستين إنغمان "برهنا من خلال المعلومات التي توصلنا إليها على أن خطر الإصابة باضطراب نفسي يتراجع تدريجيا كلما كان الإنسان محاطا منذ مولده وحتى سن عشر سنوات بمساحات خضراء".
وأضافت أنه لذلك فإن المساحات الخضراء بالغة الضرورة في الطفولة، مشيرة إلى أن نشأة الإنسان في إحدى المدن ليست سيئة بالضرورة طالما تحيط به مساحات خضراء.
وأكدت الباحثة الدانماركية أن هناك دلائل متزايدة على أن الوسط الطبيعي يلعب دورا أكبر في الصحة النفسية عما كان يعتقد حتى الآن.
ورأى الباحثون أن هذه المعلومات تزداد ضرورة لأن نسبة سكان العالم الذين يعيشون في المدن في ارتفاع مستمر.
وفي السياق، هناك باحثون في ألمانيا، على سبيل المثال، يرون أن الحياة في المدينة تمثل عنصر خطر، "فالناس في المدن يتجاوبون بشكل مختلف مع الضغوط النفسية عنه مع الناس في الريف"، حسب أندرياس ميَر ليندنبِرغ من المعهد المركزي للصحة النفسية، التابع لكلية طب مانهايم التابعة لجامعة هايدلبرغ، مضيفا "نعلم أن هناك مثل هذا الاختلاف بين المدينة والريف موجود أيضا في ألمانيا".
وقال الباحث النفسي الألماني إن عدد سكان العالم في المدن تجاوز قبل بضع سنوات فقط عددهم في الريف، وأضاف "هناك تزايد في التمدن، إنها عملية متسارعة".
وقال ميَر ليندنبِرغ إن دراسات مشابهة لتلك التي قدمها الدانماركيون تبرهن على أن المساحات الخضراء يمكن أن تحمي سكان المدن كثيرا من الأمراض النفسية.
من جانبه قال مازدا أدلي، من مستشفى فليدنر في برلين، "من وجهة نظري فإن هذا الإجهاد النفسي ينشأ من تزامن الكثافة الاجتماعية والتزاحم والعزلة الاجتماعية".
وأضاف "عندما يعيش الإنسان على سبيل المثال في سكن اجتماعي ضيق يستطيع فيه أحد السكان سماع صوت مذياع جاره من خلال الجدران الرقيقة، ولكنه لا يعرف جيرانه، فإنه لا يشعر بالانتماء.. فإذا أضيف لذلك قدر ضئيل من الشعور بالسيطرة على الوسط المحيط، فإن الأمر يصبح صعبا".
ورأى أدلي أن الدراسة الدانماركية تسدّ ثغرة هامة بشأن تأثير الخضرة على الصحة، ولكن يظل من الضروري معرفة أي القدر من الخضرة يكفي، إلى جانب معرفة تأثير الخضرة على المخ، "أي الخضرة تكفي؟ هل يكفي أن يطل الإنسان بنظره على الخضرة أو أن يسكن بالقرب منها؟ أم لا بد أن يستخدمها الإنسان بشكل نشط؟ هل تكفي الأشجار، أم لا بد من الغابة؟" حسبما تساءل أدلي، مؤكدا أن هذه قضية حاسمة لمعرفة كيفية توفير الخضرة الفعالة في المدن.