بقلم: تامر الغرباوي
أذكر أني قد أخبرتك أنفا عن رفيقي في ساعات الفراغ.. السيد صلاح!!!
فهو رفيقي الدائم هذه الأيام بعد تعب كل هذه السنين
"شيش بيش"
هي إحدى الكلمات التي يقرع بها أذني يوميا في أثناء اعتمارنا لذلك المقهى القريب من بيتي، يجلس معي بالساعات، يسامرني عن تلك القصص العجيبة التي مر بها في مشوار حياته، عن فشله في مستهل الطريق وكيف تجاوز ذلك الفشل، عن نضاله في الانتفاضة، فمثل هذا الحديث يخفف عني ويسليني..
كيف لا أذكر أني أخبرتك عن السيد صلاح.. فهو إنسان واسع الخبرة..
في أثناء ممارسة عادتنا الروتينية التي نقتل فيها الوقت في ذلك المقهى القديم ما زلت أحتفظ في ذاكرتي بعضا من ملامح ذلك الرجل الغريب الذي بدت عليها سخرية الزمن وتراكمات الأيام، دخل بمفرده قاصدا طاولة مزدوجة الكراسي تجاور طاولتي أنا والسيد صلاح.
جلس الرجل على إحدى هذه الكراسي مقابلا الكرسي الفارغ..
لم ينتظر النادل كثيرا حتى أتى الرجل
-" ما أحضر لك يا سيدي"..
بانت على وجه النادل بعض علامات التعجب من تصرف الرجل وهو يخاطب الكرسي الفارغ المواجه له ثم عاد ليجيب النادل..
-"كأسين من الشاي لو سمحت"..
ما طفق النادل إلا أن رد بعبارة عفوية
-"يا حبيبي!!! كملت ... اثنين شاي على الطاولة رقم 6، مهو يوم باين من أوله".
لم يلتفت الرجل إلى النادل كأنه ما سمع منه شيئا وصار يحاور الكرسي المقابل له...
....................
في هذه اللحظة استعجلني صديقي صلاح
-"ألقي النرد فهذا دورك...."
ثم أدرك أني أراقب الرجل فاستطرد في حديثه:
"ها... هو ذلك الرجل إذا"
"هل رأيته يا صلاح.. انه يحدث الكرسي وكأنه رفيقته".....
كيف لا أذكر أني أخبرتك عن السيد صلاح، فهو رجل واسع الاطلاع
"يا عزيزي، هذه ليست المرة الأولى التي أرى فيها هذا الشيء، حدثني أنا.
كثيرا ما يتيه الإنسان وينقسم على ذاته ويخيل له أنه يسامر شخصا أخر وهو في الأصل يحدث عقله الباطن، لا تتعجب كثيرا، فما زلنا تحت تأثير الهزائم المتتالية عسكريا، وفكريا، واجتماعيا وأخلاقيا، فما المانع بأن تطال تلك الهزائم من نفسياتنا، أو تدرك يا عزيزي بأنه يعي تماما أنه لا يخاطب سوى خياله ولكنه يكتفي بتلك الراحة التي يجنيها من حديث النفس"
"أوما تقلقه نظرات الناس؟"
"هؤلاء البشر قد تخطوا تلك المرحلة فهم ليسوا مثلنا على أي حال ولا يمتطون جواد نرجسيتهم، إن لهم عالمهم الخاص الذي لا يقيده البرستيج، فقد اعتادوا على ذلك"
.......
مرت الساعات ولما يتوقف صديقي السيد صلاح فقد أخد من مشهد الرجل مادة يتداولها لتغذية حديثه لهذا اليوم.. حتى آن موعد الانصراف
قصدت المحاسب لأدفع ثمن المشروبات ، الشيء الغريب الذي لم يلفت بالي في يوم من الأيام قبل هذا اليوم أن المحاسب دائما ما يحاسبني عن نفر واحد ولا يحاسبني عما أطلب لصديقي السيد صلاح.
عدت بنظري إلى مكان جلوسنا....
كالعادة تركني صلاح وغادر دونما يشعرني بأنه ذاهب...
....
"يا حبيبي!!!!!..... كِملَت اثنين شاي على الطاولة رقم 5، مهو يوم باين من أوله"
أذكر تلك العبارة في أول يوم زرت فيها المقهى وتعرفت على السيد صلاح...
كيف لا أذكر أني قد أخبرتك من قبل عن السيد صلاح!!!... فهو يحب المقاهي العربية
ربما يأتي يوم تتعرف فيه على السيد صلاح