شكلت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها السلطة الفلسطينية على غزة في أبريل 2017 نقطة فاصلة في دائرة الحصار التي تحكم إغلاقها على القطاع منذ 12 عاماً.
وخلقت العقوبات التي تمثلت في خصم 50% من رواتب موظفيها في قطاع غزة، ومنع السولار عن محطة الكهرباء، وقطع مخصصات الأسرى والشهداء والمصاريف التشغيلية للوزرات أزمة اقتصادية خانقة، وصلت إلى حد التجويع بعد تراجع القدرة الشرائية للمواطنين.
وفي الوقت الذي ترفض السلطة تحمل مسؤولياتها اتجاه القطاع، مازالت تصر على جباية الضرائب من غزة لتجبي أضعاف ما تقدمه للقطاع.
وفي ظل زحمة الأرقام، كان لا بد من تقصي المعلومات للوصول إلى إجابات عن الأسئلة المطروحة، حول المبالغ الفعلية التي تجبيها السلطة من قطاع غزة؟ وما هي المبالغ التي تنفقها عليه في المقابل؟ وما هي حصة غزة في موازنة السلطة؟ خاصة في ظل غياب كل أشكال الرقابة على الموازنة والموارد والمصاريف سواء من المجلس التشريعي وغيره من دوائر الرقابة.
ومنذ أن طوت أحداث العام 2007 صفحة الاقتتال الداخلي ودخلت الأراضي الفلسطينية مرحلة الانقسام السياسي، استغلت السلطة الوضع القائم للتهرب من مسؤولياتها اتجاه القطاع والاستفراد بالقرار المالي، رغم أن ما تحصله من منح ومساعدات مالية مرصود للأراضي الفلسطينية ككل بما فيها قطاع غزة المحروم من هذه الأموال.
كما فرضت السلطة حصارا محكما على التفاصيل والبيانات المالية وباتت تتعامل مع الموازنة بدرجة عالية من السرية في ظل غياب الرقابة، لذا لا تنشر أي تفاصيل حول الايرادات والمصروفات التفصيلية للمحافظات.
وبحسب تحقيق أجرته "الرسالة" بالتعاون مع فريق محللين ماليين، فإن السلطة تدعي أنها تنفق حوالي 47% من موازنتها على قطاع غزة إلا أن ما ينفق فعليا لا يتجاوز 22% من اجمالي الموازنة بما يعادل مبلغ 918 مليون دولار من أصل 1.7 مليار دولار "حصة غزة الافتراضية" هي مجموع ما تم إنفاقه بما في ذلك صافي الإقراض.
وتشير البيانات إلى أن صافي الإيرادات كان أكثر بمقدار 159.45 مليون دولار عن المقدر أي بزيادة نسبتها %5.8 وجاء هذا الارتفاع نتيجة زيادة إيرادات المقاصة بنحو 218.33 مليون دولار، أي بنسبة 12% عن المقدر، في حين نقصت قيمة الإيرادات المحلية بنحو 70.01 مليون دولار عن المقدر أي 7.6%.
وتشير البيانات التي حصلت عليها "الرسالة" إلى أن غزة تساهم بنسبة 50% من ايرادات المقاصة، وهي نسبة كبيرة جعلت من القطاع بمثابة "بقرة حلوب" للسلطة، وتعود أسباب ارتفاع ايرادات المقاصة إلى تحويل كامل الواردات لغزة عبر الطرف (الإسرائيلي) وذلك بعد اغلاق الأنفاق بشكل كامل ما ساهم في زيادة ايرادات المقاصة منذ العام 2014 بنسبة 12% عن السنوات التي سبقتها.
وبالتالي فإن إجمالي مبلغ المقاصة المُحصل من غزة هو 965 مليون دولار سنويا بواقع 80.42 مليون دولار شهريا، وفق تقدير المختصين.
والمتابع لموازنات السلطة ونفقاتها يلاحظ أن الحصة الأكبر منها تذهب لفاتورة الرواتب والتي تبلغ (ملياري دولار) سنويا أي ما يعادل 60% من الموازنة العامة، أو 100% من الإيرادات المحلية.
ويبلغ عدد موظفي السلطة 156 ألف موظف مدني وعسكري، منهم 62 ألفا من غزة (26 ألف مدني، 36 ألف عسكري)، وتبلغ نسبة غزة 40% من إجمالي الموظفين، (حسب بيانات سابقة لوزارة المالية).
ويبلغ معدل عائدات الضرائب الفلسطينية من المقاصة مع الكيان الصهيوني أكثر من نصف مليار شيكل شهرياً، تجبيها الحكومة الصهيونية نيابة عن السلطة الفلسطينية على الواردات الفلسطينية من الكيان الصهيوني وغيرها مقابل عمولة 3%، وتحول إلى الخزينة نهاية كل شهر، وتشكل هذه العائدات حوالي 70% من الإيرادات الفلسطينية.
وكانت السلطة الفلسطينية تنفق على قطاع غزة حوالي 60 مليون دولار رواتب لموظفي السلطة وتغطية مستقطعات التأمين والمعاشات والتأمين الصحي والأسرى والجرحى بدون حساب رواتب المتقاعدين لأنه يعود لهيئة التأمين والمعاشات، ولكن بعد العقوبات تراجع المبلغ إلى النصف بعد قطع رواتب آلاف الشهداء والجرحى والموظفين، ودفع نصف راتب لمن تبقى منهم.
في المقابل تحصل السلطة الضرائب من الشركات الكبرى مثل البنوك وشركة الاتصالات وجوال وشركات التأمين في القطاع وفي ظل وجود الانقسام" فإن متوسط الضرائب والتحصيل من رسوم ومعابر يتعدى 35 مليون دولار شهرياً، وإذا أضفنا حوالي 55 مليون دولار من عائدات المقاصة من تجارة قطاع غزة فإن مجمل ما يدخل خزينة السلطة يتعدى 90 مليون دولار شهريا تجبيه السلطة من قطاع غزة على أقل تقدير.