أكثر من مصدر اعلامي والعديد من التصريحات الرسمية اشارت الى ان الرئيس الامريكي دونالد ترامب سيعلن عن " صفقة القرن " بعد الانتخابات الإسرائيلية التي ستتم في شهر نيسان-ابريل القادم، وقد يأخذ تشكيل الحكومة الاسرائيلية بعض الوقت وتسلم الوزراء الجدد لمناصبهم بعض الوقت أيضا، وهو ما يعني ان حركة ترامب وفريقه المخصص لصفقة القرن( كوشنير، بولتون، بومبيو، فريدمان) ستتضح خلال فترة ما بعد مايو من هذا العام .، والارجح ان هذا الفريق الذي يضم اثنين من الذين تبرعوا بمبالغ مالية لبناء المستوطنات في الضفة الغربية، والإثنين الآخرين من أشد المؤمنين باستخدام كافة الوسائل الخشنة لتحقيق الأهداف سيعملون على الشروع في اعلان وتطبيق صفقة القرن الموعودة.
ما الذي يمكن ان يخطط له فريق ترامب لصفقة القرن: انه العمل على تهيئة ثلاثة مسارح سياسية هي:
1- العمل على نهيئة المسرح الفلسطيني لقبول الصفقة وهذا يستدعي:
أ- العمل على اضعاف المقاومة الفلسطينية المسلحة في غزة ، وهو ما يعني احتمالات تشديد العمليات العسكرية والامنية والضغوط الاقتصادية والمالية على قطاع غزة وتشديد الحصار على تنقل الافراد بين غزة والخارج، واحتمالات العمل على خلق الفوضى في قطاع غزة من خلال أدوات اسرائيل ودمامل سلطة التنسيق الامني في جسد غزة، وقد تحدث بعض عمليات الاغتيال سعيا وراء ايصال الحالة الى حد خلق هوة بين المقاومة والشارع الغزي، بل والعمل على جر بعض التنظيمات من خندق غزة لفنادق سلطة التنسيق الامني من خلال استغلال "فقر " أو " نفاد صبر" هذه التنظيمات.
ب- ربط كل ما سبق بهدف محدد وهو " مقايضة سلاح المقاومة في غزة مقابل رفع الحصار "، مع قبول مد عمل سلطة التنسيق الامني في رام الله الى قطاع غزة.
ت- مواصلة التفاوض والحوار السري مع سلطة التنسيق الامني في رام الله وبحضور اسرائيل مقابل اعادة بعض المساعدات الغربية التي توقفت للسلطة.
2- العمل على تهيئة المسرح الاقليمي من خلال:
أ- توسيع دائرة التواصل والتطبيع العربي الاسرائيلي من خلال الزيارات الرسمية واللقاءات في المؤتمرات الدولية وستكون دول مثل تونس(التي تعاني من عدم استقرار حكومي) والمغرب(وهي التي لعبت دورا مركزيا في الاعداد لكامب ديفيد بين مصر واسرائيل قبل عام 1977) والجزائر( التي يبدو ان الجناح الامريكي يحرز بعض المكاسب الواعدة في الصراع الداخلي على السلطة فيها ) والسودان( التي هي بامس الحاجة لانقاذ الرئيس من مأزقه حتى لو كان العون من الشيطان) ..كلها دول ستكون موضع عناية من فريق ترامب .
ب- استغلال الأوضاع الاقتصادية المتعثرة لبعض الدول كالأردن للكف عن اعلانات الاعتراض على الصفقة او على بعض محاورها، وقد ياخذ ذلك تقليصا للمساعدات، وتشجيع دول خليجية على الاستغناء عن العمالة العربية من الدول التي تبدي أي تحفظات على الصفقة ، والتلكؤ في تنفيذ التعهدات في المؤتمرات الدولية لتقديم المساعدات لهذه الدول وبخاصة الاردن.
ت- ابقاء دوامة عدم الاستقرار والانغماس بالشأن الداخلي في كل من العراق وسوريا. ث -الضغط الأمريكي وباشكال مختلفة ومتنوعة على دول معينة( قطر وتركيا وايران ) لحجب أي شكل من المساعدات عن غزة، وذلك باستغلال الضغط المباشر على
1-- على قطر باستغلال المشاحنات الخليجية والمصرية معها في هذا الاتجاه ،
2-- على تركيا من خلال استغلال فوضى الاستراتيجيات في شمال سوريا بخاصة العلاقة مع الاكراد او وعدها بدور الشريك مع دول عربية اخرى في الوصاية على المسجد الاقصى
3-- على ايران والتواصل السري معها عبر الوكلاء( قطر وسلطنة عمان تحديدا ) لتخفيف دعم غزة مقابل غض الطرف عن بعض التواجد الإيراني في سوريا او تمديد فترات السماح لبعض الدول التي طلبت اعفاءها من تطبيق الحصار على ايران...الخ.
ج- تخفيف الضغوط الامريكية على بعض الدول الخليجية مقابل المساندة لتمرير صفقة القرن، مثلا التخفيف عن السعودية( في موضوع خاشقجي، والحرب على اليمن، واثارة مستوى الحريات المدنية) او قطر كما اشرت أعلاه...الخ
3- العمل على تهيئة المسرح الدولي: ويتم ذلك من خلال:
أ- التقليص بأكبر قدر ممكن من دور الامم المتحدة في هذا الموضوع
ب- محاولة الدفع لتعميق العلاقات الصينية الاسرائيلية( وهي علاقات تتسارع في تطورها) لخلق بعض الثغرات في العلاقات العربية الصينية، وقد يتم وعد الصين بتخفيف بعض القيود على تجارتها مع الولايات المتحدة مقابل ليونة صينية في الموضوع الشرق اوسطي.
ت- الضغط على الدول الغربية (اوروبا وكندا)أو الآسيوية (اليابان) لاطلاق الوعود بمساعدات كبيرة للفلسطينيين والاردن تحديدا وربما لمصر ولبنان مقابل مواقف سياسية تصب في نهر صفقة القرن.
ث- اشغال روسيا في موضوعات أخرى والمقايضة معها في هذه الموضوعات مثل : القيود الاقتصادية والتجارية معها، وموضوع اتفاقات الحد من الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى ، والسياسات الروسية في سوريا .
ذلك يعني ان المرحلة القادم ة هي المواجهة بين تطبيق صفقة القرن وبين القوى الرافضة للصفقة بمستوى أو آخر، ويبدو ان ترامب يراهن على ان انجازه لصفقة القرن سيساعده بقدر كبير على تأمين مساندة له في جولته الثانية للرئاسة.
وعلى هذا الأساس ،أرى ان على حركة حماس وقوى المقاومة في غزة ، ان تتوقع هجوما سياسا( بالمبادرات والاشاعات والتشويه والعمليات المفتعلة) وعسكريا( بهجمات جوية وقصف مدفعي اسرائيلي بين الحين والآخر، وتحريك لمليشيات دحلان وعيون سلطة التنسيق الأمني في غزة، وتحريك لمظاهرات او اغتيالات ملتبسة..الخ) واقتصاديا بتشديد الحصار ، وربما يزداد ويتسارع الموقف المصري في "إدارة الظهر" لغزة والاصرار على حضور تام لسلطة التنسيق الامني في غزة .، وهو ما يعني ان معركة "صفقة القرن " القادمة تحتاج لعقلانية حمساوية مفرطة من ناحية والعمل على توسيع دائرة التلاحم الشعبي مع قوى المقاومة في غزة من ناحية ثانية....
المصدر: صفحة د. وليد عبد الحي على الفيس بوك