تدلل دعوة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أي حكومة إسرائيلية مقبلة إلى العودة لمفاوضات التسوية، على حالة الإفلاس السياسي الذي يعيشه الرجل في ظل الإخفاق الذي شهده هذا المسار على مدار عشرات السنوات.
ورغم الصفر الكبير الذي حصل عليه الرجل الذي بلغ من الكبر عتيا، إلا أنه يحاول إقناع نفسه بعدم وجود بديل ويتشبث بوهم إحياء عملية التسوية، عبر استئناف المفاوضات مع (إسرائيل).
وكان عباس قد أبدى استعداده خلال استقباله وفدا من جامعة هارفرد الأمريكية للعودة للتفاوض مع أي حكومة إسرائيلية تتشكل بعد الانتخابات الإسرائيلية، قائلا: "نريد الوصول إلى حقنا ودولتنا بالطرق السلمية، ولن نختار طريقاً آخر إلا من خلال المفاوضات".
وكالحمل الوديع أكمل رئيس السلطة حديثه: "دائماً نمد أيدينا للحكومة الاسرائيلية التي يختارها الشعب الاسرائيلي، من أجل أن نتفاوض على هذه الأسس التي لم نخترعها نحن وإنما وضعتها الشرعية الدولية".
بدورها، قالت حركة المقاومة الإسلامية حماس إن إعلان عباس استعداده للعودة للتفاوض "استخفاف بالموقف الوطني والشعبي الرافض لذلك".
وذكر المتحدث باسم حماس عبد اللطيف القانوع في تصريح عبر حسابه في "فيسبوك" أن هذا الإعلان "لا يخدم إلا الاحتلال الصهيوني، ويمثل غطاءً على جرائمه المتواصلة ضد شعبنا، ويعكس حالة الإفلاس التي وصل إليها فريق التسوية".
ويدفع هذا الاستجداء المُفرط واللهث وراء سراب مسار قد حفه الفشل على مدار السنوات، إلى التساؤل عن سبب إصرار الرجل الثمانيني على التمسك بهذا الخيار وتغييبه لباقي الخيارات الأخرى في ظل التحديات التي تواجهها القضية الفلسطينية.
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي د. تيسير محيسن أن الموقف بشأن المفاوضات ينم على أن هناك حالة من الإصرار الغريب لدى قيادة السلطة رغم هذا المسار الذي مضى عليه أكتر من 25 عاما وما آلت إليه الأوضاع عمليا ونظريا فيما يتعلق بـ"السلام".
يؤكد محيسن في حديثه لـ"الرسالة" أن إصرار عباس يأتي في وقت تدير فيه (إسرائيل) ظهرها للسلطة كليا وتهشم ما تبقى من مقومات سياسية وأساسية على مساحة الضفة المحتلة، مشددا على أن موقفه مؤشر على حالة التردي السياسي التي وصلتها قيادة السلطة.
ويوضح أن قيادة السلطة لا تملك إرادة حقيقية لمواجهة التحديات التي تعيشها القضية وتتمسك بالفشل الذي لن يحقق للشعب الفلسطيني أي تقدم في مسار استعادة حقوقه، منوها إلى أن التمسك بهذا الخيار بمثابة استسلام أمام الصلف والعنجهية الإسرائيلية والتنطع في التعامل مع ما يسمى مشروع التسوية.
ولفت إلى أنه بدلا من عودة السلطة للخلف خطوات وإحداث حالة من التغيير الاستراتيجي والتفكير العقلاني الموحد؛ للبحث عن مسارات بديلة إلا أنها تصر وتمعن في الاستفراد بالقرار الفلسطيني.
وأشار إلى أن هذا التوجه سيحدث حالة من التهشيم الإضافي للواقع الفلسطيني وتعميق الخلاف القائم على الصعيد الداخلي وتمكين الاحتلال من التلاعب على هذا التقسيم بطريقة تخدم رؤيته في التخلص من القضية بالمجمل.
ويتفق الكاتب والمحلل السياسي شرحبيل الغريب مع سابقه، مبينا أن الإصرار على خيار المفاوضات مراهنة على السراب والفشل ويعكس مدى الأزمة التي تعيشها السلطة بعد انسداد الأفق السياسي.
وبين الغريب في حديثه لـ"الرسالة" أن هذه الدعوة بمثابة استجداء لمفاوضات أثبتت فشلها ولم تعط الشعب الفلسطيني أدنى حقوقه سوى المزيد من التهويد والاستيطان وسرقة الأرض.
وشدد على أنه أمام هذه الحالة يكمن الحل بالعودة لخيارات الشعب لتحقيق الوحدة والاتفاق على برنامج موحد لمجابهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية.