لم تكن جديدة تصريحات الجنرال إفرايم سنيه، القائد الأسبق لقوات الاحتلال في غزة والضفة أن أجهزة السلطة في الضفة مكنت جهاز المخابرات الإسرائيلية "الشاباك" من إحباط مئات العمليات لحماس في الضفة العام الماضي، فالمتتبع لآليات عمل أجهزة السلطة يدرك جليا أن التخطيط والتنسيق يسيران على قدم وساق.
وللسلطة باع طويل في اعتقال المقاومين وتسليمهم للاحتلال منذ نشأتها عام 1994 وحتى اللحظة، وهو ما نلمسه في الاعتقالات اليومية التي تطال المطاردين وأي شخص له علاقة بالمقاومة.
الجنرال سنيه الذي تقلد مواقع وزارية في حكومات حزب العمل الصهيوني، قال في تصريحات لموقع "المونتور"، إن السلطة الفلسطينية ساعدت "الشاباك" العام الماضي في إحباط 480 عملية حاولت حركة حماس تنفيذها إلى جانب تفكيك 219 خلية تابعة لها واعتقال عناصرها؛ فضلا عن إحباط 560 محاولة لتنفيذ عمليات فردية.
تاريخ حافل بالتنسيق
الحديث السابق يعيد الحديث عن ضرورة توقف التنسيق الأمني الذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني ولم يتم تنفيذه على أرض الواقع، وفي هذا السياق أكد الكاتب والمحلل السياسي البروفيسور عبد الستار قاسم أن تصريحات الجنرال الصهيوني سنيه ليست بالجديدة، "فكثيرا ما نسمع من قادة الاحتلال تصريحات متشابهة يتباهون بها".
وقال قاسم في حديث لـ "الرسالة": "التصريحات تأتي للتأكيد لأبناء الشعب الفلسطيني أن بينكم من يفشل خططكم ويضيع مقاومتكم، وهي وسيلة لإحباط المعنويات والقضاء على جهود المقاومين".
وأضاف: "الرسالة التي يريد الشاباك ايصالها من وراء تصريحاته هي، أنه إذا كان القائد خائنا، فلماذا تتعب نفسك أيها الشاب في مقتبل العمر وتضيع جهدك وعمرك في المقاومة".
وأشار إلى أن السلطة تحاول ابعاد المواطنين بخطط بعيدة عن العمل الوطني مثل الرفاهية والقروض وما شابه وبالتالي انشغل المواطن في الهموم اليومية والبُعد عن المقاومة.
كما طورت السلطة أجهزة تقنية تتبع المقاومين، موصلين رسالة بطريقة أو بأخرى "من أراد تجنب الضرائب والحفاظ على لقمة عيشته فعليه تجنب العمل المقاوم والانشغال في عمله وبيته فقط"، وفق قاسم.
ولعل بيان جيش الاحتلال بأن "معلومات جوهرية قادت لمنفذ عملية أرئيل" يؤكد أن عملية اغتيال الشهيد عمر أبو ليلى قبل أسبوعين تدلل على أن هناك متابعة حثيثة حصلت في مناطق تسيطر عليها السلطة الفلسطينية.
ويعد "طرف الخيط" الذي قدمته أجهزة أمن السلطة للاحتلال أثناء مطاردته للشهيد أحمد جرار منفذ عملية قتل الحاخام "حفات جلعاد" قرب مدينة نابلس، في التاسع من يناير 2018، من أحدث الشواهد على الدور الذي تلعبه السلطة في ملاحقة المقاومين تحت مظلة التنسيق الأمني.
ولعبت السلطة دورا أساسيا في الوصول إلى منفذي عملية قتل الضابط "ساريا عوفر" في أكتوبر 2013 عندما تمكنت من اعتقال أحد منفذي العملية، ثم ساهمت السلطة في كشف خلية خطف وقتل المستوطنين الثلاثة في الخليل عام 2014 وهما الشهيدان عامر أبو عيشة ومروان القواسمي والأسير حسام القواسمي.
وارتفعت حدة التنسيق الأمني بعد إحكام السلطة سيطرتها الكاملة على الضفة، فحاكمت الشابين على دنديس وعمر طه بتهمة قتل جندييْن من جيش الاحتلال، ثم تمكنت قوى أمن السلطة من تصفية خلية المطارد القسامي محمد السمان، وفي 2010 اعتقلت السلطة المطارد للاحتلال أيوب القواسمي.
وبعد أشهر من التعذيب في سجون السلطة عام 1998، تمكن القائد في "القسام" عماد عوض الله من الهروب من السجن في عملية اتضح لاحقا أنها كانت معدة من السلطة بالتنسيق مع الاحتلال، بهدف الوصول إلى شقيقه القائد عادل، حيث غرس جهاز تتبع إلكتروني في جسد الشهيد عماد، لينجح الاحتلال بعد ذلك في اغتيالهما.
كما لعب الأمن الوقائي عام 1997 دورا مباشرا في اعتقال ثم تسليم "خلية صوريف" القسامية على حاجز (إسرائيلي) وذلك خلال نقل أعضاء الخلية من سجن السلطة بالخليل إلى جنيد في نابلس، وعقب ذلك بأربعة أشهر اعتقلت السلطة محيي الدين الشريف، خليفة الشهيد يحيى عياش في هندسة المتفجرات، ليتعرض في سجون الوقائي لتعذيب شديد تسبب ببتر ساقه ثم استشهاده.
وفي بداية حلقات مسلسل التنسيق الأمني، وتحديدا لـ 17 مايو 1996 تبرز واقعة تبليغ جهاز الأمن الوقائي عن عنوان المستشفى الذي كان يتعالج فيه الأسير حسن سلامة، ليتمكن الاحتلال حينها من اعتقاله بمدينة الخليل جنوب الضفة بعد مطاردة طويلة والحكم عليه بالسجن المؤبد 48 مرة.