يدخل الإسرائيليون، غدا الثلاثاء الموافق التاسع من الشهر الجاري، المعترك الانتخابي للكنيست، والذي يواجه فيه بنيامين نتنياهو، منافسة قوية من غريمه، الجنرال بيني غانتس.
وسط تأهب إسرائيلي سياسي وأمني وعسكري، تجرى الانتخابات البرلمانية للكنيست رقم 21، الثلاثاء في ظل مواجهة بنيامين نتنياهو لملفات وقضايا مهمة ورئيسة، أهمها ملف قطاع غزة في الجنوب، وحزب الله وسوريا في الشمال، والجولان والقدس، وهي متغيرات الانتخابات الإسرائيلية الحالية.
وفي مقابل هذه المتغيرات، هناك ثوابت انتخابية لنتنياهو أو غيره من المسؤولين الإسرائيليين، أهمها الملف الإيراني والناخب الإسرائيلي نفسه، وملفات الفساد لأي مسؤول مرشح.
متغيرات الانتخابات
تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة سياسية وعسكرية منذ عام تقريبا، وتحديدا، منذ الثلاثين من مارس/ آذار 2018، والموافق الاحتجاجات الفلسطينية بـ"يوم الأرض"، بعد انطلاق "مسيرات العودة"، كل أيام الجمع من كل أسبوع، والتي تسببت في إحراج الحكومة الإسرائيلية أمام الداخل الإسرائيلي.
"مسيرات العودة"
عكف المتظاهرون الفلسطينيون على إحراج إسرائيل باستمرار قوي لمسيرات العودة، وخروج الآلاف في أيام الجمع، والقيام "بمناوشات أمنية" و"إرهاب نفسي" على الداخل الإسرائيلي، خاصة مع ازدياد إطلاق بالونات الهليوم الحارقة والطائرات الورقية المشتعلة، وكذلك البالونات المحملة بمتفجرات، والتي تسببت في إحراق آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية في مستوطنات غلاف غزة.حسب تقرير لوكالة "سبوتنيك" الروسية
وتسببت هذه الحرائق وغيرها من إطلاق القذائف والصواريخ الفلسطينية المستمرة على المستوطنين في قطاع غزة، نتيجة لهجمات الجيش الإسرائيلي المتكررة، في دخول الآلاف من الإسرائيليين في مستوطنات غلاف غزة مصحات نفسية للعلاج النفسي والعصبي.
وأفاد الموقع الإلكتروني العبري "واللا"، في السادس والعشرين من الشهر الماضي، بأنه خلال عام واحد فقط، ذهب ما يقرب من 5000 مستوطن من منطقة غلاف غزة، المحيطة بقطاع غزة، إلى المصحات النفسية ومراكز العلاج والتأهيل النفسي، نصفهم من الأطفال. وهو ما يعتبر إحدى المتغيرات المهمة التي ستترك أثرها على الناخب الإسرائيلي.
وأبرزت المظاهرات الفلسطينية المطالب الفلسطينية من الحكومة الإسرائيلية، ممثلة في فك الحصار والدخول في تهدئة مرضية، وإتمام صفقة "تبادل أسرى" بين حركة حماس وإسرائيل، وهو ما قوبل بالرفض من قبل نتنياهو نفسه.
صفقة "تبادل أسرى"
وإبان المناوشات بين حركة "حماس" والقوات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، طيلة الأشهر القليلة الماضية، كان المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية "الكابينيت" يعقد اجتماعاته لبحث المخرج من غزة، وكان نتنياهو في كل مرة من هذه الاجتماعات يرفض القيام بضربة عسكرية على قطاع غزة، لعلمه بمدى فداحة الخسائر الجسدية والمادية التي ستقع على عاتقه وعلى كاهل الداخل الإسرائيلي.، وهو متغير جديد في الانتخابات الجارية للكنيست الإسرائيلي.
ومن بين المتغيرات الحالية للانتخابات هو عرقلة نتنياهو لإتمام "صفقة تبادل أسرى" مع حركة حماس، على الرغم من عودة رفات مجند إسرائيلي سقط قتيلا إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، وهو زخاريا باومل.
الثابت أن عودة رفات زخاريا تدفع نتنياهو لاتمام صفقة تبادل أسرى مع حماس، ولكنه يرفض هذه الصفقة بدعوى عدم منح حركة "حماس" هدية.
استقالة ليبرمان
تسببت استقالة أفيغدور ليبرمان، وزير الجيش الإسرائيلي السابق، في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، على وقع سماح حكومة نتنياهو بدخول 30 مليون دولار من قطر لحركة حماس في قطاع غزة، هو أحد المتغيرات الجديدة والمؤثرة في الانتخابات الجارية، خاصة وأن كثير من المتقدمين للانتخابات يطمح في تولي حقيبة الجيش بدلا من ليبرمان، في وقت تولي نتنياهو نفسه هذا المنصب منذ شغوره العام الماضي.
نقل السفارة الأمريكية
من بين المتغيرات التي نجح نتنياهو في إحداثها، هو الإعلان الأمريكي عن نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، في السادس من ديسمبر/ كانون الأول 2017، ونقلها بالفعل في حفل مهيب، في الخامس عشر من مايو/ أيار 2018، بحضور ابنه ترامب، إيفانكا وزوجها، جاريد كوشنر، وهو ما قوبل بغضب عربي كبير، ولكن نجحت حكومة نتنياهو في جذب دول أخرى لنقل سفارات بلادها من تل أبيب إلى القدس.
صفقة القرن
نجح نتنياهو في توجيه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في وضع تفاصيل جديدة عن خيار السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، فيما يعرف بالخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط، والمعروفة إعلاميا بـ"صفقة القرن"، وهي الصفقة التي أثارت الجدل حتى قبيل الإعلان عن تفاصيلها كاملة أو حتى موعد الإعلان الرسمي عنها.
ويؤكد الرئيس ترامب وإدارته وطاقمه المفاوض حولها، والذي يرأسه صهره، جاريد كوشنر، بأن الإعلان الرسمي عن "صفقة القرن" سيكون بعد الانتهاء من الانتخابات البرلمانية للكنيست، المقررة الثلاثاء المقبل.
وجرت مناوشات كلامية وأحاديث سياسية كثيرة حول محتوى ومضمون "صفقة القرن"، ومدى تأثيرها على السلام في الشرق الأوسط، خاصة مع رفض نتنياهو تقسيم القدس، ومحاولته فرض السيادة على الضفة الغربية.
هضبة الجولان السورية المحتلة
كرس الإعلان الأمريكي عن اعتراف واشنطن، الشهر الماضي، بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة، نجاحا آخر لحكومة نتنياهو، التي عكفت دبلوماسيا وسياسيا في الأشهر القليلة الماضية على خروج هذا الإعلان، بداعي أن الأمن الإسرائيلي يستدعي فرض تلك السيادة، وبزعم الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي.
استدعى الاعتراف الأمريكي بتلك السيادة إلى الحديث أيضا عن فرض السيادة الإسرائيلية على مزارع شبعا اللبنانية، والضفة الغربية، وهو ما قال نتنياهو، أمس، السبت، من أنه ينتظر إعلان أمريكي آخر لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة.
الغريب أن نتنياهو استغل هذا الإعلان بالحديث عن رفضه إخلاء أي مستوطن من أي من المستوطنات في الضفة الغربية، وهو ما ينسف بدوره أي محاولة للسلام في الشرق الأوسط.
الثوابت في الانتخابات الإسرائيلية
من بين الثوابت الإسرائيلية لكل انتخابات للكنيست، دخول الجيش في معارك عسكرية وسياسية على أكثر من جبهة، خاصة الجبهة الشمالية، فضلا عن جبهة إيران، سياسيا ودبلوماسيا، إذ عكفت الدبلوماسية الإسرائيلية على وصف إيران بالدولة المارقة، والخارجة عن القانون، فضلا عن كشف نتنياهو لمواقع ومنشآت نووية إيرانية جديدة، وإبرازه لهذا في مجلس الأمن.
البرنامج النووي الإيراني
وتوجه نتنياهو دوما إلى مجلس الأمن الدولي لإدانة إيران وفضحها عن الاستمرار في تدشين مفاعلات نووية، حتى نجح في دفع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بفرض عقوبات جديدة على طهران، لأكثر من مرة، سواء الحكومة نفسها أو لشركات إيرانية أو لأفراد إيرانيين أيضا.
ويذكر أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أعلن، في 8 مايو/ أيار 2018، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، الموقع مع إيران في 2015 ، بخصوص برنامجها النووي، حيث أعيدت إجراءات الحظر التي كانت متوقفة بعد تنفيذ الاتفاق النووي، الأولى بعد 90 يوما والثانية بعد 180 يوما من إعلان الخروج من الاتفاق.
وبدأت الولايات المتحدة، في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2018 الماضي، تنفيذ الحزمة الثانية من العقوبات وتستهدف قطاعين حيويين بالنسبة لطهران هما النفط والمصارف، إضافة إلى 700 من الشخصيات والكيانات.
وبالتالي، فإن مهاجمة إيران تعد أولى ثوابت الانتخابات الإسرائيلية.
الجبهة الشمالية
على الرغم من دخول القوات الإسرائيلية في عملية "درع الشمال"، التي نفذها الجيش الإسرائيلي بين الرابع من ديسمبر/ كانون أول الماضي، وحتى 13 يناير/ كانون الثاني الجاري، ضد حزب الله اللبناني في الجبهة الشمالية، فإن الداخل الإسرائيلي لم يرض عن العملية برمتها، كونها لم تردع الحزب اللبناني في تهديد الجبهة الشمالية لبلادهم.
وطمح نتنياهو وحكومته في توجيه قوة سياسية ضاربة لحزب الله، دوليا وإقليميا، ومحاولة كشف "الأنفاق" أمام المجتمع الدولي، والقيام بحملة سياسية ودبلوماسية مكوكية، ولكن كثير من وسائل الإعلام العبرية وصفت هذه الحملة بت"الفاشلة"، كونها لم تردع حزب الله، أو تسكته عن توجيه الاتهامات المتوالية لإسرائيل، إذ كانت تل أبيب تهدف إلى وصف حزب الله بـ"الإرهابي" من قبل المجتمع الدولي.
تبادل الاتهامات
يخوض حزب "الليكود" الحاكم، برئاسة نتنياهو، سباقا انتخابيا ينافسه فيه بضراوة حزب جديد يعرف بـ "تحالف أزرق وأبيض" أو "كاحول لافان" باللغة العبرية، وهو حزب يميني وسطي، اكتسب شعبية في استطلاعات الرأي في الأشهر الأخيرة. لكن الأحزاب الأخرى قد تحظى بنفوذ واسع ومؤثر، في نهاية الأمر، عند تشكيل حكومة ائتلافية.
يترأس حزب "أزرق أبيض" الجنرال بيني غانتس، رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي السابق، الذي حاول الترويج لنفسه بقدراته الأمنية، كرئيس سابق لأركان الجيش الإسرائيلي، في وقت شكل الجنرال المتقاعد غانتس، الجديد في عالم السياسة، تحالف "أزرق وأبيض"، في شهر فبراير/ شباط، مع يائير لبيد، زعيم الحزب الوسطي "يش عتيد"، أو "يوجد مستقبل"، باللغة العربية، ورئيسين سابقين لأركان قوات الجيش الإسرائيلية، الجنرال موشيه بوجي يعلون، والجنرال جابي أشكنازي.
والثابت أن الجنرال غانتس قد وعد بتقديم طريقة مختلفة في إدارة الحكومة الإسرائيلية، وإنهاء ما وصفه بالأسلوب الخطابي الاستقطابي لنتنياهو.
ومن أجل استمالة الناخبين اليمينيين في إسرائيل للتصويت له، بدلا من التصويت لنتنياهو، تحدث غانتس بلهجة حادة ضد إيران، وكرر نفس مواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بخصوص النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وتجنب ذكر حل الدولتين.
وتعمد غانتس نفى الانسحاب أحادي الجانب، من الضفة الغربية المحتلة متعهدا بتعزيز بناء المستوطنات هناك، والحفاظ على حرية حركة القوات الإسرائيلية في الضفة. في وقت يعتبر القانون الدولي المستوطنات غير شرعية، لكن إسرائيل لا تتفق مع هذا الرأي.
استطلاعات الرأي
وأشار آخر استطلاع رأي إسرائيلي إلى تفوق حزب "أزرق أبيض" على حزب "الليكود"، حيث حصل الأول على عدد مقاعد بين 28-32 والثاني على 26-3، وهي نسبة تتفاوت بين يوم وآخر.
تفاوتت استطلاعات الرأي الإسرائيلية حول تفوق كل من الحزبين، ففي استطلاع يظهر تفوق "أزرق أبيض"، وفي آخر يتفوق "الليكود، ولكن التفاوت بينهما قليل جدا، ومن الممكن أن يبرز ائتلاف حزب "أزرق أبيض" بالفعل على حساب الليكود الحاكم، منذ العام 2009.
قضايا الفساد
وأحدث قرار النائب العام الإسرائيلي، أفيحاي مندلبليت، توجيه تهم إلى نتنياهو في ثلاث قضايا فساد من بين أربع قضايا فساد ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي، هي "1000"، و2000" و"3000" و"4000"، وتنتظر جلسات الاستماع الأخيرة، شرخا في الحملة الهادفة لإعادة انتخابه رئيسا للوزراء. ويظل الوضع حتى الآن مبهما بشأن ما إذا كانت هذه التهم، في نهاية الأمر، ستدفع المؤيدين للالتفاف حوله أم أنها ستبعد الناخبين عنه.
واستغل منافسو نتنياهو هذه القضايا في توجيه الاتهام لنتنياهو بأنه ليس جديرا بتولي منصب رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وبالتالي، يعد ملف تبادل الاتهامات أحد الثوابت الانتخابية في إسرائيل، قبيل أي انتخابات للكنيست
مصالح الناخب
من الثوابت في الانتخابات الإسرائيلية هو تفوق مصلحة الناخب الإسرائيلي على حساب أي حزب، إذ ينتظر الناخب حتى الساعات الأخيرة ليختار الحزب الذي سيرشحه، وهو ما يعني أنه لا يمكن الجزم بتفوق حزب على حساب آخر، ولكن كثير من القوى الرافضة لنتنياهو ترشح غانتس، وكثير من القوى اليمينية تؤيد نتنياهو، وهو ما ستظهره الساعات القليلة القادمة .