اعتاد بيل تطعيم أطفاله ضد الحصبة، قبل أن يقرأ على موقع فيسبوك منشورا عن أن هذه اللقاحات تأتي من خلايا أجنة مجهضة، وتصيب الأطفال بالتوحد، فبدأ يشك في دوافع صناعة المصل، وقرأ على الإنترنت نظريات تروج لهذه الشكوك. ورغم أنها غير مدعومة علميا، فإنه قرر عدم تطعيم طفله الرابع، والنتيجة أن طفله أصيب بعدوى حصبة شديدة ومات.
أنقذ تطعيم الحصبة الملايين من الوفاة، واليوم ترتفع حالات الحصبة في أميركا وأوروبا منذ بداية العام 2019، حتى تضاعفت في فبراير/شباط الماضي، الأمر الذي يزداد سوءًا مقارنة بالعام الماضي بأكمله حسبما صرحت به المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض بسبب مقاطعة الكاثوليك واليهود للتطعيم.
واليهود الأرثوذكس المتشددون أكثر الرافضين للمصل، وأصبحوا أكبر أسباب تفشي الحصبة في أميركا منذ عقود.
وتم تسجيل 12736 حالة حصبة و203 حالات وفاة حتى الآن هذا العام حول العالم. وتصنف الأرقام عام 2019 كثاني أسوأ عام منذ أعلنت أميركا أنها خالية من الحصبة منذ قرابة عقدين من الزمن، بعد كارثة ديزني لاند عامي 2014 و2015، عندما زارها طفل مصاب وانتشرت الحصبة بين الأطفال الموجودين في المكان.
ففي ذلك العام ظهرت بأميركا 465 حالة حصبة مؤكدة منذ بدء تفشي المرض وحتى الآن، أغلبهم من الكاثوليك واليهود المتشددين، حتى أعلنت الولاية أن حالة الطوارئ المعلنة بسبب الحصبة ستُكرر خلال شهرين حتى يُقبل المقاطعون على التطعيم أو يدفعوا غرامات تصل إلى ألف دولار.
ووفق المجلة الأوروبية للصحة العامة، بلغت حالات الحصبة في أوروبا أعلى مستوى لها منذ 20 عاما، حيث سجلت 60 ألف حالة و72 حالة وفاة. وحذرت الأمم المتحدة من أن الارتفاع المفاجئ لحالات تفشي الحصبة في العالم له تأثير كارثي على الأطفال، كما حذرت اليونيسيف من ارتفاع غير مسبوق للمرض بين الأطفال غير المحصنين.
وأفادت دراسة عالمية أجرتها منظمة اليونيسيف بأن 98 دولة حول العالم سجلت ارتفاعا في حالات الحصبة عام 2018 مقارنة بالعام 2017. ويشمل هذا المجموع عددًا من البلدان التي سبق أن قضت على المرض.
ولوحظت الزيادات ليس فقط في البلدان المتأثرة بالنزاعات المسلحة مثل اليمن وفنزويلا حيث تعطل الوصول إلى التطعيم، ولكن أيضًا في الدول التي شهدت زيادة عدد المقاطعين بسبب المعلومات الخاطئة التي نشرها دعاة مكافحة التطعيم، أو لاحتوائه على مادة الجيلاتين المستخرجة من الخنزير والمحرم في الشريعة الإسلامية.
وقال المدير التنفيذي لليونيسيف إن انتشار المرض دعوة للتفكير، فهناك لقاح آمن وفعال وغير مكلف ضد مرض شديد العدوى، وقد أنقذ من قبل قرابة مليون شخص كل عام على مدى العقدين الماضيين، وإن "الفاشيات" الخطيرة التي نشهدها اليوم ستتسبب في نتائج وخيمة تقع على الأطفال وحدهم.
العلم في مواجهة الإنسانية
إن الادعاءات بأن اللقاحات -وحتى الطعام والعطور والكريمات المضادة للشيخوخة- تحتوي على خلايا من الأجنة المجهضة ليست جديدة، ويروج لها الكاثوليك كسبب لرفضهم التطعيم رغم سماح الكنيسة بذلك.
ووفق المجلس الأميركي للعلم والصحة، يتطلب صنع اللقاحات استزراع الفيروسات في الخلايا، حيث لا يمكنها التكاثر من تلقاء نفسها، وتم استخدام خلايا الحيوانات لتطوير اللقاحات.
ما التطعيم؟
التطعيم مستحضر يُعطى للشخص لتكوين مناعة في جسمه ضد مرض معين، ويتكون من جراثيم المرض التي تم قتلها أو إضعافها، وعند دخولها الجسم تحفّز جهاز المناعة على تكوين أجسام مضادة لمرض معين وذاكرة مناعية، بحيث يتذكر الجهاز الميكروب المسبب للمرض فيهاجمه ويقضي عليه فورا عندما يدخل الجسم في المرة اللاحقة.
وهناك عوامل عديدة وراثية وبيئية قد تسهم في الإصابة بالتوحد عبر التأثير في نمو الدماغ بوقت مبكر، ولكن التطعيم ليس منها.
وهنا نستعرض بعض الإفادات العلمية التي تنفي علاقة التطعيم بالتوحد:
وفقا للجنة العلمية لدراسة سلامة التطعيمات التابعة لمنظمة الصحة العالمية، فإنه بناء على مراجعتها الأدلة بشأن هذا الزعم لا توجد علاقة بين التطعيم والإصابة بالتوحد.
وفقا لمراكز التحكم في الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، فإن التطعيمات لا تؤدي إلى التوحد. كما أن مكونات التطعيمات -لمن يزعم أن المشكلة ليست في التطعيم بل في المواد المضافة إليه- أيضا لا تؤدي إطلاقا إلى التوحد.
وفقا لوزارة الصحة القطرية لا توجد أي علاقة بين لقاح الحصبة والحصبة الألمانية والنكاف (MMR) وإصابة الأطفال بمرض التوحد، ولا تعدو الأخبار التي تربط بينهما عن كونها شائعات لا تستند إلى أي أساس علمي.
ولكن من أين أتت هذه المغالطة بأن التطعيم يؤدي إلى التوحد؟
تعود هذه المغالطة إلى عام 1998 عندما نشر الطبيب أندرو وكفيلد دراسة في المجلة الطبية البريطانية "لانسيت" وشملت 12 طفلا مصابا بالتوحد، وزعم فيها أن المطعوم الثلاثي (MMR) الذي يعطى ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية قد يؤدي إلى الإصابة بالتوحد.
وبعد نشر الدراسة تم إجراء عدة مراجعات لها، وتبين الآتي:
المراجعون وصفوا البحث بأنه "تزوير متقن".
تم إجراء عدة أبحاث لاحقة، لكن لم ينجح أي منها في إثبات مزاعم وكفيلد.
في العام 2010 سحبت مجلة "لانسيت" الدراسة.
في العام نفسه تم سحب ترخيص وكفيلد لممارسة الطب في المملكة المتحدة.
وفي قراره سحب ترخيص وكفيلد، قال المجلس الطبي البريطاني إن الطبيب كان بإمكانه التراجع عن نتائج بحثه والاعتراف بوجود إشكاليات، ولكنه لم يفعل وتصرف بصورة غير صادقة وغير مسؤولة.
كما لفت إلى حادثة حصلت قام فيها وكفيلد بدفع خمسة جنيهات إسترلينية لأطفال حضروا حفل عيد ميلاد مقابل تبرعهم بالدم لدراسة يجريها.
ورغم ثبات بطلان مزاعم وكفيلد فإن هذه الدراسة ما زال يستخدمها معارضو التطعيم لدعم مزاعمهم التي كثيرا ما يتم تقديمها مع مزاعم بوجود "مؤامرة" من قبل جهات معينة أو شركات الأدوية التي تصنع التطعيمات ولا تريد للناس معرفة الحقيقة للحفاظ على أرباحها على سبيل المثال.