تفاجأ سكان قرية جفنا شمال مدينة رام الله المحتلة، باطلاق نار كثيف على منازلهم من مسلحين يطالبونهم بـ"دفع جزية" لكنّ هؤلاء المسلحين لا ينتمون لداعش هذه المرة بل يقف خلفهم مسؤول كبير في حركة فتح ومرشح سابق بالمجلس الثوري في الحركة.
تقول المصادر داخل القرية، إن اطلاق نار كثيفا من المسلحين حصل داخل منازل القرية التي يقطنها في المجمل مسيحيون، بعد شكوى تقدمت بها إحدى نساء القرية للشرطة لحمايتها من اعتداء تعرضت له أثناء قيادتها لسيارتها وهي تقل أبناءها بعد عودتهم من المدرسة، ما عرضهم جميعا للخطر.
أوقفت السلطة المعتدي، لكنّ والده القيادي الفتحاوي خليل رزق اصطحب عددا من مسلحي الحركة والعاملين في الأجهزة الأمنية ليبدؤوا باطلاق النار صوب منازل المواطنين، ليطالبوهم بدفع ما يسمونها "الجزية".
النائب في المجلس التشريعي والقيادي الفلسطيني نايف الرجوب، اتهم متنفذين بالسلطة بالوقوف خلف الحادثة، "وأطلقوا كلمات نابية بحق سكانها فقسم كبير منهم من المسيحيين".
يقول الرجوب لـ"الرسالة": "عربدوا وطالبوا الناس بدفع الجزية، وكان يقود الحملة رئيس الغرفة التجارية السابق في رام الله وهو قيادي بفتح، واطلق بصحبة بعض المسلحين النار صوب منازل الناس ورموا الحجارة على منازلهم".
وجفنا هي قرية فلسطينية تقع على بعد كيلو متر ونصف إلى الشرق من مدينة بيرزيت وعلى الطريق منها إلى عين سينيا. يبلغ عدد سكانها حوالي 2000 نسمة، غيرهم حوالي 400 في المهجر. تبلغ مساحة أراضي القرية قرابة 11,000 دونم.
هذه الحادثة جاءت بعد أسبوع واحد فقط من إعدام الأجهزة الأمنية لشاب في مدينة قلقيلية، بعد اعتقاله بساعات قليلة، حيث أطلقت النار على قدمه وتركته دون تقديم إسعاف سريع له.
بدأت الحكاية وفق ما يرويها والده راتب لـ"الرسالة" عند مداهمة قوة من المكافحة لمنزله، فبدأت بخلع الباب وإطلاق غاز مسيل للدموع، وصولا للقبض على محمد وشقيقيه، والتهمة: "اشتباه بحيازة مخدرات!".
وجرى القبض على محمد وشقيقه بعد سحبهما والتنكيل بهما وضربهما بشكل مبرح، "حاول محمد القفز من يد القوة محاولا الهروب من التعذيب الشديد، فأطلقت النار على حوضه، ثم سحبته إلى داخل الدورية ينزف دمًا"، والقول هنا لوالده.
ويضيف: "طلب شقيقه منهم فك قيده لسد النزيف في فخده، فرفضت الدورية وذهبت به الى مستشفى درويش نزال بالمدينة حيث فارق الحياة".
"لم تعلن الأجهزة الأمنية وفاته على الفور، بل بدأت بمسلسل جديد من خلال الادعاء باستدعاء طبيب من نابلس لربط وريد فخذه المقطوع، ثم بعد ساعات قليلة خرج محمد وقد تم تغطية عينيه، واخبروا والده أنه سيتم نقله الى مستشفى رام الله التخصصي للضرورة".
جرى نقل محمد الى مستشفى رام الله، وعندها صدمت عائلته بسؤال من الاستشاري هناك "لماذا أتيتم بهذه الجثة هنا!"، فعرفت العائلة أن عملية نقله تمت وهو متوفى في محاولة من الأمن لامتصاص غضب أهله في قلقيلية!، وفق والده.
ويتابع: "قتلوه هناك ثم لعبوا مسرحيتهم من خلال نقل جثته الى المستشفى برام الله بذريعة أنه حي، وكل ذلك تم نتيجة بلاغ كاذب كما أفادت الأجهزة الأمنية للعائلة بعد ذلك".
لم تنته مأساة العائلة عند هذا الحد، فوالدة محمد تسكن في الأردن، بعد ان انفصلت عن والده منذ سنوات عديدة، حاولت التقدم بطلبات عديدة لوداعه قبل تشييعه، لكن محاولاتها بائت بالفشل، ولم يتسن لها إلقاء نظرة الوداع على جثمانه.
"بدي اشوفه بدي أشم ريحته، فرجوني إياه"، كانت تلك آخر كلماتها عبر الهاتف لنجلها الآخر، وهي تذرف الدموع في محاولة رجاء أخيرة تلقي فيها نظرة الوداع على فلذة كبدها الذي قتل بعيدا عنها.
وجاءت هذه الحادثة عقب أسابيع قليلة من إعدام الوقائي للشاب محمود الحملاوي بعد تعذيبه في سجونها، تلك الحادثة التي أثارت الرأي العام، دون أن يفصح أمن السلطة عن أي نتائج تحقيق متعلقة بها.
ويعلق الرجوب على هذه الحوادث بالقول: "الاستهتار بالناس وأمنهم وكرامتهم أصبحت ظاهرة في الضفة، في كل مكان عربدة للأجهزة الأمنية، رأينا كيف اعتقل دويكات على أبواب الجامعة.. هذا العدوان كتب له أن يسجل ويراه الناس أما الاعتداءات اليومية في كل المدن لا تكتب ولا تصور حتى يراها الناس".
وتابع الرجوب: "فلتان أمنى وعلى رأسه المتنفذون والسلاح الشرعي والوحيد كما سماه الرئيس الفلسطيني".
وأكد أنه طالما هناك احتلال وأعوان له فإن الفوضى ستكون قدرًا لسكان الضفة، مستطردًا بالقول: "كنا نجلد بسوط الأمن الإسرائيلي، واليوم أصبحنا نجلد بسوط إضافي ممثلا بالسلطة التي زادت بلاء الناس".