الأطفال يلوحون بأيديهم إلى رمضان، بعضهم يعتقده صديقا سيمر من هنا حاملا فانوسه المضيء الذي يشبه فوانيسهم الملونة، لكنها غزة أضواءها تختلف عن أضواء العالم، ورمضان لن يمر من هنا الليلة كما كان متوقعا.
يتمشى الأطفال في لحظة المساء رغم القصف في الأسواق يتحضرون لرمضان، ويعتقدون أنها مجرد ضربة أو ضربتين، ثم تعلن التهدئة عن قرارها، ويأتي رمضان ليهنئهم.
أصوات الأغاني المرتفعة في أكبر مكان للتسوق في غزة تغطي بعض الشيء على أصوات القصف المسعورة، يرفع صاحب المتجر من صوت الأغنية" اهلا رمضان، هل هلالك يا رمضان" ولكن رغم كل شيء صوت القصف يعلو بالقرب، والحديث يدور عن طفلة، فانوسها قد كسر، وهو لا زال قابعا في علبته الورقية، لم تخرجه، كانت تنتظر صوت التراويح، لتقول لجدتها وهي تغني مع فانوسها أين هو رمضان يا جدتي، فتضحك الجدة، وتضحك الأم.
وفي منزل أبو عرار كان المشهد مختلفا حينما اجتمعت العائلة في منزلهم بحي الزيتون، يتنسمون هواء ربيع أتى على غير عادته لاستقبال رمضان، حينما سقطت صاروخ إسرائيلي في أحضان الجالسين أطفالا ونساء كانوا يغنون لاستقبال رمضان.
كانت صبا ابنة الأربعة عشر شهرا التي خطت خطواتها الأولى قبل دقائق، كانت ممددة إلى جانب أمها، حينما قرر الصاروخ الإسرائيلي ألا تصحو من غفوتها، بينما سقطت زوجة عمها فلسطين شهيدة بعدها بساعتين.
لا ضحكات في منزل أبو عرار اليوم، لن يزورهم رمضان، ولن تشتعل أنواره في منزلهم، قصف المنزل، ورحلت صبا التي كانت تتعلم المشي للتو، تحت إصرار من أخوتها لتستطيع حمل الفانوس الصغير ومفاجأة جدتها، ثم لحقت بها فلسطين أبو عرار، بينما كان أطفال العالم يشترون أطعمتهم المفضلة، وبينما كان صوت الأغنية يصدح في متجر مزين باستقبال الشهر الفضيل.
رحلت لأن هناك صاروخ إسرائيلي كان يحوم في سماء غزة فاختار منزلها، هكذا كما في كل مرة، يبدأ العد تنازليا، ويحبك قرعته فيقع الاختيار على روح رضيعة ترقد بسلام في حضن أمها، فيغتال قلوب أسرة بأكملها.
هل رأيت صورة صبا وهي ممددة في ثلاجة الموتى، لم يتوقف الأمر عند مقتل رضيعة، فإسرائيل لا تكتف بذلك الكم، خمسة شهداء في ليلة الشهر الكريم، لا يكفي، ما زال هناك تعطش أكبر لديها لمزيد من الدم.
فقد استهدفت قوات الاحتلال بشكل متعمد مدنيين وأطفال عزل لترسخ شريعة الغاب التي تنهجها فيسقط سبعة شهداء وهم الرضيعة صبا محمود أبو عرار(عام وشهرين) وزوجة عمها فلسطين صالح أحمد أبو عرار (37عاما) وجنينها عبدالله ابو عرار، والشهيد عماد محمد نصير 22 عام شمال قطاع غزة, والشهيد خالد محمد ابو قليق 25 عام شمال قطاع غزة وغيرهم من لحق بركب الشهداء.
تدور الطائرات في سماء المدينة، تختار قلبها وأكثر الأحياء اكتظاظا بالسكان والمتاجر، لتقصف البيت وباب الرزق، وطرقات الفرح، والأهلة المزينة الأنوار، وتحال المدينة إلى ركام، وينطفئ كل شيء، ويعود السكان إلى بيوت بدون أسقف، وأطفال لا ينتظرون من العالم شيء، ولا يحلمون بأن يشربوا كوب العصير ليكسروا صومهم عند آذان المغرب، كل ما يحلمون به أن لا يتحولوا في لحظة إلى رقم يمر سريعا أمام شاشات الفضائيات، كما مرت صبا.