نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للكاتب إيان بلاك، يقول فيه إنه خلال عطلة نهاية الأسبوع، التي صادفت بداية رمضان، وقريبا من "يوم الاستقلال" الإسرائيلي، فإنه لم يكن واضحا إن كان اندلاع العنف على الحدود بين غزة وإسرائيل سيتطور إلى حرب شاملة أم لا.
ويشير بلاك في مقاله، إلى أنه قضى في الاشتباكات 25 فلسطينيا، وأربعة إسرائيليين، لافتا إلى أن هذا العدد متواضع مقارنة مع صيف عام 2014، حيث قتل 2250 فلسطينيا و67 إسرائيليا خلال عملية الجرف الصامد.
ويقول الكاتب: "يجب أن تخفف الهدنة، التي تفاوضت عليها مصر والأمم المتحدة، من الحصار الخانق الذي فرضته إسرائيل منذ أن سيطرت حركة حماس على غزة عام 2007، فستستمر ملايين الدولارات التي تبرعت بها قطر لدفع رواتب الموظفين الحكوميين، ومساعدة العائلات الفقيرة، وسيتمكن العاملون في صيد الأسماك من العمل على مسافة أبعد في البحر، بالإضافة إلى أنه سيتم تعزيز إمدادات الكهرباء والوقود".
ويلفت بلاك إلى أنه "وسط التكهنات بما سيحصل بعد، فإن ما هو مؤكد هو: قد يتكرر هذا مرة أخرى في أي وقت، قبل عام 2020، عندما تصل غزة إلى نقطة، توقعتها الأمم المتحدة منذ زمن، وهي أن تصبح الحياة فيها غير ممكنة لمليونين من سكانها، وغرد وزير إسرائيلي قائلا: (لم يتم تجنب الحرب، لكنها أجلت)، وسيقول المتشككون إن الجيش سيطلق عملية بعد انتهاء حفل مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجين) في تل أبيب الأسبوع القادم".
ويفيد الكاتب بأن "سبب آخر جولة من العنف كان فتح النار على المتظاهرين الفلسطينيين بالقرب من الحدود، الذي أصبح روتينيا خلال عام من (مسيرات العودة)، التي أبرزت حالة اليأس التي يعيشها الناس، وساعدت على استمرار روح المقاومة التي يولدها الحصار الإسرائيلي والعدوانية المتبادلة بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية في رام الله".
ويبين بلاك أن "بنيامين نتنياهو، الذي يشكل أكثر حكومة يمينية في تاريخ إسرائيل، لم يكن لديه الكثير ليقوله حول آخر جولة من القتال، وقد وجهت له انتقادات كثيرة بسبب فشله في هزيمة حركة حماس واستخدامها كأنها شريك في صراعه ضد قيام دولة فلسطينية، من خلال إبقاء الانقسام بين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية".
ويؤكد الكاتب أن "ما شجع نتنياهو هو الدعم الثابت الذي يحصل عليه من دونالد ترامب، الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وقطع المساعدات عن الأونروا، وأعلن عن اعترافه بضم هضبة الجولان السورية عشية انتخابات الكنيست الشهر الماضي، وكان رد نتنياهو أن وعد بالبدء بضم المستوطنات غير الشرعية المقامة في الضفة الغربية".
وينوه بلاك إلى أنه "خلال عدة أسابيع، بعد انقضاء رمضان، سيقوم صهر الرئيس ترامب، جاريد كوشنير بالكشف عما أطلق عليه (صفقة القرن)، ولم تنتقد أي خطة سلام قبل أن يتم نشرها كما تم انتقاد (صفقة القرن)، وتشير التسريبات والإيجازات إلى استثمارات كبيرة في غزة وفي الضفة الغربية بمساعدة السعوديين وغيرهم من المتزلفين للبيت الأبيض، وتحدث كوشنير عن (خطة تجارية ممتازة ذات عنصر اقتصادي يساعد الفلسطينيين على التقدم اقتصاديا)، وهي مقاربة رفضها رئيس الوزراء الفلسطيني في رام الله، محمد اشتية، واصفا إياها بالابتزاز المالي".
ويقول الكاتب: "لا أحد يشك في حاجة الغزيين للمساعدات، لكن كما أثبت اندلاع العنف الأخير، فإن التطوير الاقتصادي وحده لن يحل القضية الفلسطينية ما دامت هناك إسرائيل قوية تدعمها أمريكا دون انتقاد، تتمتع بسيطرة كاملة، وتقدم مشاريع الاستيطان والأمن الإسرائيلي".
ويرى بلاك أنه "إذا ما كانت صفقة ترامب، كما يتوقع الكثير، ميتة لدى وصولها، فإن على آخرين العمل على إيجاد طريقة للرد. بريطانيا منشغلة في البريكسيت، لكن بالرغم من ذلك فإن بريطانيا عضو دائم في مجلس الأمن، بالإضافة إلى أن هناك مسؤولية تاريخية لبريطانيا بعد مرور أكثر من مئة عام على وعد بلفور، وهو تذكير صارخ بأن وعد اليهود بـ(وطن قومي) لم يعر اهتماما لمن وصفهم (الطوائف غير اليهودية)، التي شكلت وقتها 90% من سكان الأرض المقدسة".
ويشير الكاتب إلى أن "أعضاء البرلمان البريطاني صوتوا بعد حرب غزة عام 2014 بالأكثرية للاعتراف بدولة فلسطين، التي أعلنها ابتداء ياسر عرفات عام 1988 بعد الانتفاضة الأولى، وموقف الحكومة منذ ذلك الحين هو أن بريطانيا (تحتفظ بحق الاعتراف بدولة فلسطينية ثنائيا في الوقت الذي تختاره، وعندما سيساعد الأمر بشكل أفضل لتحقيق السلام)، لكن لم تكن هناك عملية سلام منذ أن استسلم جون كيري في نيسان/ أبريل 2014، واعترفت السويد حينها بفلسطين فجافتها إسرائيل، لكن إن تبعتها فرنسا، وهو ما يرى الدبلوماسيون أنه ممكن، فإنه سيكون هناك أمن في الأرقام، حيث سيكون هناك أربعة من الخمسة أعضاء الدائمين في مجلس الأمن (الصين وروسيا معترفتان بالدولة الفلسطينية) معترفة بالدولة الفلسطينية".
ويجد بلاك أنه "قد أصبح من الشائع استبعاد فكرة تحقق حل الدولتين، وتظهر الاستطلاعات في الطرفين أن التحمس والتأييد للفكرة آخذ في التراجع، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتفاصيل الشائكة لقضايا اللاجئين والحدود والمستوطنات والقدس، ويقول كوشنير عن حل الدولتين: (لا تذكروه حتى)، أما الأوروبيون الذين دعموا الفكرة لوقت طويل يصرون على أنه يجب الدفاع عن هذه الفكرة مهما فعل ترامب".
ويقول الكاتب: "بكلمات المفكر الفلسطيني المستقل مصطفى برغوثي، فإن لم يكن الإسرائيليون مستعدين للتفاوض على حل الدولتين فدعهم إذن يتفكرون في حل الدولة: لكن كيف يمكن إقامة تلك الدولة -بحقوق متساوية لليهود والعرب- يبقى ذلك أمرا غامضا، طموح ليست له استراتيجية عملية".
ويختم بلاك مقاله بالقول إن "اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين ستكون له أهمية رمزية قوية، وسيقوي الموقف المبدئي المتجسد في عقود من قرارات الأمم المتحدة، والمترسخ في القانون الدولي، والطريقة الوحيدة لحل هذا الصراع الأكثر سمية وصعوبة وتسببا بالانقسام على مستوى العالم بتأييد الحقوق القومية، وحق تقرير المصير للشعبين في بلديهما المستقلين، واللحظة للنزول عن السياج وفعل ذلك أخيرا تقترب بشكل سريع".