"بألوان وأشكال جذابة" هكذا تعمل مصانع الحلوى في غزة، على صناعة حلويات الأطفال، من أجل ترغيب الأطفال على شرائها من المحلات "الدكاكين" المنتشرة في أحياء قطاع غزة.
"طائرة صغيرة، مصبوغة باللون الأحمر" يوجد بها سكاكر و"مصاصة"، هذا ما جذب الطفل يزن الحمارنة الذي يبلغ من العمر 3 أعوام، عند دخوله "الدكانة" المجاورة لمنزله في حي الشيخ رضوان وسط مدينة غزة.
ويقول والد الطفل يزن:" حلوى الأطفال انتشرت في "الدكاكين" بغزة بشكل كبير جدًا، حيث أصبحنا نرى أشكالاً كثيرة منها، وبأسعار رخيصة جداً، وكذلك لا توجد وصفات للمادة المصنوعة منها الحلوى.
ويضيف الحمارنة: "حذرت ابني من شراء هذه الحلوى بكافة أشكالها، حرصاً على صحته، كون أن هذه الحلوى لا تعرف تركيبتها، ولا الجهة المصنعة أو المستورد".
وتعد سكاكر "المصاص" "والجلي" و"الحلقوم" وغيرها من الحلويات المفضلة للأطفال قديما وحديثا وما زالت تحتل الصدارة لدى بائعي البسطات والدكاكين المنتشرة في الأحياء، وعلى أبواب المدارس والمتنزهات.
وانتشرت مؤخراً عدة صور وفيديوهات عبر شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تكشف مشاهد التلوث التي تحيط مكان تصنيع حلوى الأطفال، في الوقت الذي أغلقت الإدارة العامة للرعاية الصحية "الطب الوقائي" وبالتعاون مع مباحث التموين في محافظة شمال غزة، مصنع حلويات "حلب وعوامة" و"مصاص" يستخدم أدوات غير صحية.
وقالت الإدارة عبر صفحتها على موقع "فيسبوك" إنه "تم تحرير محضري ضبط إتلاف بجميع ما يوجد بالمصنع من حلويات ومواد خام" مضيفةً انه سيتم تحويل صاحب المصنع للنيابة.
كما أعلنت الإدارة عن إغلاق مصنع للحلويات الشرقية شمال القطاع، بسبب وجود آثار لفضلات القوارض والحشرات وعدم الالتزام بالشروط الصحية.
إغلاق مصانع حلوى الأطفال المنزلية دفع "الرسالة" للنبش عن مدى التزام مصانع الحلويات في قطاع غزة بالمواصفات الفلسطينية وشروط السلامة والأمان الواجب توفرها في بيئة المصنع، إضافة إلى معرفة مدى الالتزام بجودة المنتجات.
وتقمص "معد التحقيق" وظيفة صاحب "دكانة" خلال جولته الميدانية على بعض مصانع الحلويات المنزلية، في منطقة جباليا البلد، التي تعتبر من أكثر المناطق التي توجد بها مصانع منزلية في كافة المجالات.
وفي بداية الجولة رصدنا أحد مصانع الحلويات والسكاكر، الذي بدا فيه الإهمال في النظافة وعدم الالتزام بشروط السلامة، عدا عن الظروف غير الملائمة لحفظ تلك المنتجات، والآلات البالية التي يعلوها الصدأ وتحتاج إلى صيانة بشكل كامل.
والأهم من ذلك عدم التزام العاملين بشروط السلامة والأمان والتي تتمثل بلبس الزي الخاص خلال العمل، ولبس القفازات الخاصة، وغطاء الرأس، للحفاظ على المنتجات سليمة من الأمراض، وهو ما يعتبر مخالفا للمواصفات الفلسطينية، وفق مراقبي وزارة الاقتصاد.
وبعد دقائق معدودة من تواجدنا داخل المصنع اصطحبنا أحد العاملين خارجه لأنه يمنع دخول غير العاملين، حيث كشف لمعد التحقيق بأن كافة الألوان التي تزين حلوى الأطفال ذات مكونات مجهولة لكون اصحاب المصانع يستخدمون اصباغا "غير غذائية" أثناء صناعتها، بهدف إضفاء لون ملفت على الحلوى.
وقال لـ"الرسالة نت "، يسمح باستخدام محدود لمواد كيمائية اشبه بالمواد الحافظة لكونها تعمل على حفظ الحلوى، إلا أن هناك اصحاب مصانع يضيفون تلك المواد دون معايير محددة من أجل إعطاء ألوان جذابة وملفتة لنظر الأطفال.
وكانت "الرسالة" أعدت تحقيقا حول استخدام أصحاب مصانع الطعام أصباغا "مجهولة" وغير صحية، ودقت ناقوس الخطر بسبب استخدامها المفرط من المواطنين. الجهات المسؤولة وعدت بإنهاء هذ الظاهرة، إلا أن هذه الوعود لم تطبق على أرض الواقع، وبقيت صحة المواطن في خطر أمام غياب الرقابة.
تأثيرات كارثية
معد التحقيق حمل هذه القضية لرئيس قسم الكيمياء الدكتور رامي مرجان، الذي أكد أن حلوى الأطفال التي تصنع محليا تحمل تأثيرات كارثية على صحة الأطفال، كون أنها تضاف عليها أصباغ ومواد حافظة بشكل كبير.
دكتور كيميائي: حلوى الأطفال المصنعة محليا تحمل تأثيرات كارثية على صحة الأطفال
وذكر مرجان أن بعض المصانع المحلية تضيف صبغات ومواد حافظة لا نعرف تركيبتها، ولا تستخدم وفق معيار محددة، ومن شأنها أن تحمل تأثيرات كبيرة على الصحة، وقد تسبب تناولها للأطفال باستمرار بأمراض خطيرة.
ونصح مصانع الحلوى بضرورة استخدام الاصباغ بالنسب التي تسمح بها منظمة الصحة العالمية، كما نصح المواطنين بعدم شراء الحلوى رخيصة الثمن لأطفالهم لما لها من مخاطر على الصحة.
تجاوزات للمصانع المنزلية
"الرسالة" توجهت إلى رئيس قسم الطب الوقائي "مراقبة الأغذية" في وزارة الصحة بغزة المهندس زكي مدوخ، حيث أكد وجود شروط معينة لعمل حلوى الأطفال في قطاع غزة.
وقال مدوخ لمعد التحقيق: "يجب أن يكون المكان المستخدم لصناعة سكاكر الأطفال على قدر كبير من النظافة، سواء أرضه أو جدرانه وسقفه، وكذلك عدم استخدام أي مواد حافظة وصبغات غير مرخصة من وزارة الاقتصاد والصحة".
وأكد أن عددا من المواطنين تقدّم بشكاوى للجهات المختصة، حول أحد مصانع السكاكر والحلويات، الذي ينتج بعض السلع غير صالحة للاستخدام.
وأشار مدوخ إلى أن هناك مشاكل تواجه طواقمه من نقص الإمكانيات اللوجستية والكادر البشري، ما يؤدي إلى ضعف الرقابة في الدكاكين، وعلى المصانع، وخاصة المعامل المنزلية.
وأوضح أن طواقمه تتابع هذا القضية بالتنسيق مع الجهات المشتركة وهي بلدية غزة، ووزارة الاقتصاد الوطني، منوها إلى أنهم أغلقوا بداية الشهر مصنع حلويات شمال قطاع غزة.
مصانع منزلية
معد التحقيق توجه إلى مدير عام دائرة المستهلك في وزارة الاقتصاد بغزة المهندس عبد الفتاح الزريعي، للاستفسار عن آلية الرقابة على مصانع حلوى الأطفال، حيث قال في بداية حديثه: "يوجد في غزة المئات من المعامل العشوائية، وتعمل بالمنازل دون علم الجهات المختصة".
وأوضح الزريعي، أن الجهات المختصة في وزارة الاقتصاد تجري عمليات مراقبة في الأسواق، وتتابع بعض شكاوى الموطنين.
حماية المستهلك: يوجد المئات من المعامل العشوائية التي تعمل دون علم الجهات المختصة
وأكد أن الطواقم المختصة تعاني من إشكالية وجود معامل لتصنيع حلوى الأطفال في المنازل، والتي تعمل بمواد مجهولة المصدر ودون معايير محددة.
ولفت إلى أن هناك تجاوزات لبعض المواطنين الذين يعملون في هذه المهنة، حيث يعملون دون خبرة وهدفهم الوحيد جني الربح، مؤكدًا أن دائرة حماية المستهلك تنفذ جولات تفتيشية يومياً بالتعاون مع مباحث التموين والصحة والجهات المختصة، على مصانع الأغذية والتي من بينها مصانع الحلويات والسكاكر.
وأشار الزريعي إلى أن الهدف من هذه الجولات هو التفتيش على جميع المواد الغذائية والنظر في مدى صلاحيتها أو وجود فساد ظاهري أو داخلي، ومتابعة طبيعة عملها.
إضافة إلى ذلك، فإنه يتم التأكد من مطابقة المواد الخام المستخدمة في صناعة الحلويات للمواصفات الفلسطينية، سواء الكنافة أو النمورة أو السكاكر الأخرى، وفق أبو موسى.
وأشار الزريعي، إلى أن الوزارة تأخذ عينات من جميع المواد التي تدخل عبر معبر "كرم أبو سالم"، لفحصها في المختبرات ومعرفة مدى ملاءمتها للمواصفات الفلسطينية، حتى يتم اقرار السماح لها بالدخول من عدمه.
وتنص المواصفات الفلسطينية على ضرورة توفر الشروط الفنية والصحية، في المنشأة والمواد الخام التي تدخل في صناعة المواد الغذائية.
وأكد الزريعي، أن هناك تجارا يدخلون البضائع وهم يعلمون موعد انتهائها لكنهم يهدفون إلى كسب أموال أكثر، مشدداً على أن وزارته تقف لهؤلاء بالمرصاد، محذراً إياهم في الوقت ذاته من تكرار ارتكاب مثل هذه المخالفات كونها تضر بالمستهلك الفلسطيني.
إغلاق مصانع منزلية
وخلال البحث عن الجهة المسؤولة لمتابعة المصانع المحلية، التقت "الرسالة" أحمد قنيطة مدير مباحث التموين والمعادن الثمينة في الشرطة بغزة، حيث أقر أن الطواقم الفنية أغلقت عدد من المصانع والمعامل المنزلية لصناعة حلوى الأطفال خلال الشهر الماضي، لأنها غير صالحة، وبسبب عدم اتباعها المعايير الصحية.
وأوضح قنيطة، أن هناك تعاونًا مستمرًا مع وزارة الاقتصاد والصحة والبلدية، مما يساعد في الكشف عن أصحاب المعامل المنزلية الذين يهملون في النظافة.
وأشار إلى أن دائرة المباحث تعمل على فحص وتفتيش المواد الخام والأغذية التي تنتجها مصانع الحلويات، من حيث الجودة والتأكد من مطابقتها للمواصفات الفلسطينية، مشيراً إلى أنه يتم أخذ عينات من بعض المصانع في حال الشك بها.
وأضاف "في حال تم الكشف عن وجود مخالفات يتم ايقاف المصنع عن العمل فوراً، لتصويب أموره القانونية، المتعلقة بالمنشأة، وإذا تكرر الفعل ذاته يُرفع ملف صاحب المصنع للنيابة العامة لأخذ المقتضى القانوني بحقه.
وأكد قنيطة وجود مخالفات واضحة لدى بعض أصحاب المصانع خاصة في نظافة المكان وسلامة العاملين فيه، مشيراً إلى أن الاجراءات المتبعة تكون حسب حجم المخالفة.
مباحث التموين: نعمل على فحص المواد الخام والأغذية التي تنتجها مصانع الحلويات
وأشار إلى أن بعض التجار يستوردون الحلويات التي مضى من صلاحيتها ثلث المدة وهو ما يخالف قانون حماية المستهلك.
وقال قنيطة "بعض التجار يعملون على خلط البضائع المستوردة منتهية الصلاحية مع البضائع غير المنتهية"، مشدداً على أنه يتم محاسبة هؤلاء وملاحقتهم قانونياً.
وفي مسألة النظافة، يتم اخطار صاحب المصنع بإعادة تصويب أموره، أما في حال وجود غش في المنتج يتم عمل محضر ضبط واتلاف وتغريمه مالياً.
جولة البحث قادت "الرسالة" إلى بلدية غزة، باعتبارها المسؤولة عن ترخيص هذه المصانع المنزلية.
وهناك قال رشاد عيد رئيس قسم مراقبة الأغذية والتراخيص المهنية والصحية في البلدية، إن طواقم البلدية تجري حملات رقابة على مصانع الحلوى من الناحية الفنية ومعايير السلامة الصحية.
وذكر عيد أن البلدية لا تعطي تراخيص للمصانع المنزلية، إلا بعد أن يحصل أصحابها على ترخيص معتمد من الاقتصاد والصحة، مؤكدا أن مئات المصانع المنزلية في غزة غير مرخصة، ولا توجد جهات مختصة تتابعها باستمرار، وفق قوله.
البلدية: لا نعطي تراخيص للمصانع المنزلية إلا بعد أن يحصل أصحابها على ترخيص الاقتصاد والصحة
ولا شك أن الجهات المختصة مطالبة بمضاعفة جهودها في ضبط المصانع المنزلية في غزة، والتأكد من التزامها بالمعايير الصحية، وذلك حفاظاً على سلامة المواطنين من الأمراض التي ترهق وزارة الصحة لاحقاً بمعالجتها.