ما زال الشيخ عطا الله يتذكر حينما كان يأتي المقرئون من دول عربية عديدة للترتيل في المسجد الأقصى في شهر رمضان، فكان هو رفيقهم في رحلة القراءة في الشهر المبارك، وشريكا في المشاعر الروحانية التي تغمر المسجد والمصلين في شهر رمضان.
ورغم تقلبات الأحوال السياسية، وما مر على المسجد الأقصى من انتهاكات ومناكفات وإغلاقات واقتحامات من المتطرفين وجنود الاحتلال إلا أن الشيخ عطا الله بقي على حاله في زاويته يقرأ القرآن منذ 65 عاما.
ولد الشيخ عطا الله عام 1927 في قرية سلوان، القرية الأكثر التصاقاً بأسوار وأبواب القدس القديمة، من الناحية الجنوبية الشرقية المحاذية للمسجد الأقصى وحائطه الخارجي، وهي من أكبر القرى المقدسية التي تعاني من الهجمات التهويدية وأكثرها سكاناً في التاريخ المعاصر.
وبدأ الشيخ عطا الله بتعلم القرآن الكريم وحفظه وترتيله منذ طفولته في قرية سلوان ثم انتقل إلى رام الله ونابلس والخليل لتلقي علوم القرآن وتلاوته، وسافر بعدها إلى مصر عدة مرات والتقى بمعلمي القرآن الكريم هناك للاستفادة من علومهم وتوجيهاتهم.
ثم عاد الشاب داوود عطا الله مفعما بالحيوية وحب القرآن الكريم، وعاشقا لمجاورة الأقصى منذ صغره، فبدأ عمله هناك مأذونا شرعيا في المسجد الأقصى، قبل أن يعينه الأوقاف رسميا مقرئا للمسجد، وظل يرتقي في قراءة القرآن حتى تحول إلى معلم من المعالم.
وما زال يذكر كيف كان يشارك القارئين مصطفى إسماعيل ومنصور الدمنهوري، حينما يأتيان من مصر لزيارة الأقصى في رمضان ويقرؤون القرآن فيه لشهر كامل، وكان عطا الله يستقبلهما ويقرأ معهما هو ومجموعة من القراء المقدسيين.
ليس هذا فحسب، بل ظل عطا الله محافظا على المعنى الحقيقي للانتماء، حينما وصل إلى سن التقاعد وظل متمسكا بمكانه في المسجد واستمر بقراءة القرآن الكريم حتى بلغ الآن الخامسة والستين.
ويتأسف الشيخ عطا الله على حال المسلمين، وواقع القدس الذي يختنق يوما بعد يوم بفعل ما يقوم به الاحتلال من مضايقات على المصلين وزوار المسجد، ويتمنى أن يعود حال المسجد إلى ما كان عليه قديما، قبل الهجمات الاستيطانية المسعورة التي زادت في السنوات الأخيرة.
يواظب الشيخ عطا الله على قراءة القرآن الكريم في المسجد الأقصى في مصلى قبة الصخرة والمصلى القبلي، حيث يتجمع المصلون من كافة أرجاء فلسطين للاستماع لتلاوته، قبل موعد الصلوات، وفي رمضان تبث تلاوته بمكبرات الصوت لتصل إلى جميع باحات الأقصى والبيوت المجاورة.
ورغم تقدمه في السن، ما زال الشيخ عطا الله يمتلك قوة في الصوت وسعة في النَفَس وإتقانا كاملا لأحكام التلاوة والتجويد، ويقول في أحد مقابلاته التلفزيونية من داخل المصلى القبلي في المسجد الأقصى العام الماضي، إن السر وراء ذلك يكمن في المواظبة على القراءة والتدريب.