«إذا قالت أمك أنها تحبك، فتأكد من ذلك» مقولة يكتبها الصحافي المخضرم سيمور هيرش وهو يتذكر تقريره الذي كتب عام 1969، ورفضت أية صحيفة أن تنشره، لأنه كان عن الفظائع التي ارتكبتها القوات الأمريكية في حق المدنيين الفيتناميين في مجزرة ماي لاي.
وسط هذ العمل البارع، وكل الدهاء، والتشكيك المستمر، يظهر دفء هيرش وإنسانيته، وإن لم تكن مقصود؛ فيروي هيرش سيرته الذاتية بحسب التسلسل الزمني، منذ أيامه الأولى في شيكاغو، حيث كان يعمل بالتنظيف مع أسرته، في الجزء «الأسود» من المدينة، ما علمه الكثير عن العنصرية، ثم عمله صحافيًا لأخبار مراكز الشرطة، وعرف في وقت مبكر أن خبر جريمة ضد السود ليس مهمًا، الأهم هو خبر جريمة في حق رجل أبيض.
يحكي هيرش عن عمله لدى «الأسوشيتد برس»، و«نيويورك تايمز» وعن تقاريره البحثية، وكيفية حصوله على المعلومات، وكيف فقد الثقة في حكومة بلده مبكرًا لأنها كذبت وتسترت على جرائم، وأجرت تجارب كيميائية وبيولوجية محرمة، وارتكبت مذبحة في فيتنام، وخططت لاغتيال زعيم تشيلي، وتجسست على النشطاء المناهضين للحرب، وغيرها من الإجراءات المريبة.
قراءة هذه المذكرات مثل قراءة ملخص لتاريخ الولايات المتحدة، منذ الجزء الأول وهو حرب فيتنام، حتى النهاية مع الحرب على الإرهاب. وهي أيضًا مذكرات عن هيرش ومهنته، الصحافة، مقدمًا من خلالها درسًا لكل صحافي؛ فهيرش هو نموذج المحارب الأمريكي الكلاسيكي، الوحيد، والباحث عن الحقيقة والعدالة، وطالما كان اسمه سبب غضب كثير من العسكريين بسبب كشفه الفساد الأمريكي خلال الحروب منذ فيتنام وحتى ما سجله في كتابه السابق «سلسلة القيادة» في عام 2004 عن فضيحة سجن أبو غريب.