للوهلة الأولى تبهرك ضحكته، للشهداء ضحكات مميزة، وإذا بحثت عن سيرته، ستتلمس روعة العطاء والكرم السخي في سيرة شاب لم يتعد الرابعة والثلاثين من عمره.
قبل أسبوع من رمضان، دار الشاب حامد الخضري على بيوت الفقراء بصحبة والدته، كاسرا العادة السنوية حيث كان يبدأ توزيع المساعدات مع بداية الشهر الفضيل، ولكن شيئا أثاره هذه المرة ليوزعها قبل بداية الشهر بأسبوع، مجيباً والدته التي سألته لماذا:" أريد أن أرتاح"؟
وقد ارتاح حامد بالفعل، لأن صاروخا إسرائيليا غادرا اغتال الروح الكريمة المعطاءة قبل يوم من بداية رمضان في التصعيد الأخير على غزة.
ولمن لا يعرف حامد كثيرا فهو من أكبر تجار العملة في غزة، حيث أصدر ليبرمان نفسه قراراً بحظر شركته الخاصة بالصرافة، ورغم وضعه المادي الجيد إلا إنه كان مقاومًا لم يشغله المال عن الجهاد بل جاهد بماله ونفسه.
ومن القصص التي حدثت مع الشهيد حامد الخضري، والتي لا تخلو من الطرافة، حينما أرسل العام الماضي الاحتلال الذي يعرف الشهيد جيدا رسائل على هواتف بعض سكان المنطقة باسم حامد الخضري بأن يتوجهوا إلى محله لصرف 100 دولار كمساعده فتوجه الناس للمحل، ورغم أنه كذّب هذه الرواية للناس إلا أنه لم يرد أن يعودوا خائبين فوزع حامد مائة شيكل لكل شخص.
ولعل أهم ما أخبرنا به رفقاء حامد في المسجد هو حبه للعطاء والصدقة للدرجة التي دفعت بعض النساء لاقتحام جنازته في يوم وداعه، ومنهن من لم يصدقن الخبر وأغمي عليهن لحظة وداعه، وكلهن نساء ثكلى وأرامل كان يساعدهن حامد بكرمه وعطاءه.
ويذكر أحد رفاقه قصة عرفها بعد استشهاد حامد، أن امرأة أتت إلى مكتبه في شارع سوق الزاوية في شارع عمر المختار حيث يعمل وسألته شيئا من الصدقة، ووصفت له حال منزلها القديم المهترئ، فطلب منها عنوان بيتها، وذهب لتفقدها، وحينما رأى المنزل غير صالح للعيش طلب منها أن تأخذ معها كل الأشياء التي تريد وتخرج من المنزل، وأحضر فورا مقاولاً لاستلام المنزل وبناء منزل من ثلاثة طوابق لها ولأبنائها، لدرجة أن المرأة فوجئت من قراره ووقعت أرضا من فرحتها.
وكان حامد الخضري معطاءً بصمت، كريما دون حدود، لم يكن ماله ملكا له، بل ملكا للفقراء، ومسخرا لخدمة المجاهدين في سبيل الله، فقد ذكر أحد رفاقه القساميين بأنه أشرف على تجهيز الكثير من شباب القسام والمرابطين والمجاهدين، وفي الحرب الأخيرة على غزة دار على منازل المواطنين ووزع الكثير من ماله حتى وصل ما أعطاه للفقراء إلى 100 ألف دولار.
ويقول في ذكره صديقه وجاره أبو قاسم الشرافي في مقابلة مع الرسالة: صديق الفقراء الذي لم يزده غناه إلا تواضعاً ورقة وأدبا حيث لقبه أهل المنطقة ومجاهدوها بـ"عثمان فلسطين" نسبة للصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ويوزع طيلة العام الأموال والصدقات والطرود الغذائية واللحوم على المحتاجين والفقراء والمجاهدين خاصة في شهر الخير رمضان لم يرد سائل مال إلا وأعطاه.
يصرف الرواتب بشكل منتظم وشهري لبعض الفقراء والمجاهدين وساهم في دعم أعمال المقاومة ومركز تحفيظ القرآن الكريم هذا ما عرفناه عنه حتى اللحظة، ولكننا تفاجأنا بكثير من القصص بعد رحيله، لفقراء جاؤوا وشاركوا في جنازته وبكوه بكاء مريرا.
ويقول أحد أقاربه أنه استغرب من تصرفات حامد قبل استشهاده بأربعة أيام، حيث انتهى من ترتيبات إدارية ووزع أموال ومساعدات على الفقراء، وكان دائما يقول أريد أن أرتاح، ويكررها لدرجة استغربنا من تعجله في إتمام هذه الأمور.
وقد ذكره كل جيرانه في حي التفاح حيث كتب المسحراتي حازم الكتناني على صفحته "وداعا يا قمر.. التفاح وداعا يا ابو الغلابا وداعا يا ابو قلب طيب إلى جنات الخلد يا شهيدنا احتراما لروحك الطاهرة والي بيتك واهلك الكرماء لم نخرج للسحور لأنك لست مجرد أي إنسان أنت أخ لنا وسبب ضحكة أطفالنا وأيضا نحن أبناء أصل واحتراماً لوجع ودموع كل من يعشق هذا الملاك الف رحمة ونور لروحك الطاهرة يا بطل التفاح حامد يا ابو محمد ... الشهيد حامد هو من كان يستأجر لنا الطبل وقبل يوم من الشهادة قال لي أبشر سوف اشتري لك الطبل حتى ترتاح من قصة ايجار الطبل وكانت اخر زيارة للغالي عندما جاء الي بيتي المتواضع، سلام يا ابو الغلابة يا بطل".
وقد نعت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس عصر اليوم الاثنين قائدها الميداني حامد أحمد الخضري.
الذي استشهد في التصعيد الأخير على غزة بعملية اغتيال استهدفته حينما كان يستقل سيارته، حيث ادعى الاحتلال أن الخضري كان مسؤولاً عن جلب الأموال لحركتي "حماس" والجهاد الإسلامي من إيران.