ضعف التدين والبطالة يحرفان بوصلة الأجيال نحو المجهول

المباحث: 95% من الجرائم يرتكبها الشباب

داعية: المساجد حاضن تربوي وارتيادها خير وقاية

أخصائية اجتماعية: السجن مدرسة وعلى الأسرة المسؤولية الكبرى

الرسالة نت – أمينة زيارة

يبدأ حياته بسرقة صغيرة , ثم يحترف المهنة, وينتهي به المطاف إلى ظلام السجن، حيث الوجوه الشاحبة والخائفة من المصير المحتوم، هناك يراجع نفسه نادما, يوم لا ينفع الندم , يجلس في زاوية السجن هائما يضرب أخماسا بأسداس, يعاتب نفسه على ما اقترفت يداه نتيجة جهله بالعواقب وغيابه عن الصدر الحنون اللذين أوديا به إلى هذه المحطة المظلمة ذات المستقبل المجهول.

 "الرسالة نت" بحثت عن الأسباب التي أدت بالشباب لارتكاب هذه الجرائم، وناقشت قضيتهم مع المختصين الذين بدورهم أجمعوا ان ضعف التدين والبطالة يحرفان بوصلة الأجيال نحو الهلاك أو المجهول.

**** قصص حية

هناك على باب الانتظار جلست وجوه متشابهة في الهم، تنتظر دورها للبوح بأسرارها، جميعهم جناة انحرفوا لأسباب مختلفة تبعاً للبيئة التي عايشوها، الشاب "م.س"24عاما وقف أمام المحقق مطأطئ الرأس ساردا قصته التي بدأت بسرقة مديره في العمل الذي ائتمنه على ماله، فقد دخل على صاحب شركة (...) لبيع الأجهزة الكهربائية بلباس البراءة ، فوظفه صاحب الشركة، وتركها بكل محتوياتها أمانة في عنقه، ولكنه خان الأمانة، بعد أن امتدت يده لسرقة 500 شيكل من اجل شراء جوال شخصي، وعندما لم يلحظ صاحب الشركة غياب هذا المبلغ توسعت سرقته، لتصل إلى مبلغ سبعة آلاف شيكل.

أما الشاب "أ.ق" 18عاما فقد تشابهت جنحته التي ارتكبها مع سابقتها ما عدا السبب، فهو ضحية وسوسة صديقيه اللذين يكبرانه بأعوام، فقد وسوسا له بسرقة أساور ذهبية ثمينة من أمه شاهداها في يدها مقابل إعطائه 300 دينار من ثمنها عند بيعها.

بدأ الشاب يبكي للمحقق بعد زجه في السجن ويدعي عدم معرفته عاقبة هذا الأمر, فصديقاه هما اللذان دفعاه للسرقة دون وعي ودراية.

بينما قضية الشاب "س.و" 18عاما فكانت أكبر وأعظم جرماً بعد قتله حارس مدرسة ليلاً بقطعة حديدية. وعن تفاصيل جريمته قال:" كنت اذهب مع أصحابي إلى المدرسة نلعب كرة القدم وندخن السجائر رغم منع والدي، وكان الحارس يصرخ علينا، وعندما ضاق به الحال ذهب لوالدي ليشكوني ، فانهال أبي علي بالضرب ، فضمرت في نفسي أن ألقن الحارس درساً لن ينساه،  وبالاتفاق مع زملائي ذهب إليه في المدرسة ليلاً بقطعة حديدية وضربته على رأسه وعندما رأيت الدماء هربت، ويكمل بندم: لقد أراد أن يقوم سلوكي فقتلته.

فيما كان للشاب "ك" 21عاما قضية أصعب من سابقيه، فقد استهل مشواره المهني بالسرقة وتدرج للمعاكسات والأعمال المنافية للأخلاق حتى وصل إلى الأعمال الجنسية الشاذة.

الشاب "ك" يعيش في أسرة مفككة ولا يوجد من يقوم سلوكه أو يحاسبه.

ويقول: "بدأت السرقة والتدخين في سن 11 عاما ، ومن ثم المعاكسات حتى انتهى بي الأمر إلى الممارسات الجنسية الشاذة مقابل المال، ويضيف: أسرتي لم تدلني على المسجد فلم أوجه وجهي يوماً إلى القبلة إضافة إلى إنني لم أصم رمضان قط.

*** الفراغ الديني

ويذكر الرائد فواز الصفطاوي مدير المباحث العامة في محافظة غزة أن قضايا السرقة التي يرتكبها الشباب تمثل 75% من مجمل القضايا، والقضايا الشاذة واللا أخلاقية 95%، أما المعاكسات 85%، بينما الأعمال المنافية للحياء 85%.

ويرجع  الصفطاوي أسباب ارتكاب الشباب للغالبية العظمى من الجرائم إلى الفراغ الديني الذي يحياه بعض الشباب والبطالة المتفشية في المجتمع, منوهاً إلى أن التربية غير السليمة ورفقاء السوء، والحاجز الكبير بين الأهل والابن هي من الأسباب الرئيسية وراء انحراف الشباب.

وأضاف: وطننا من البلدان المستهدفة في أمنها وشبابها، سواء من الاحتلال أو الرفقة السيئة التي تجره إلى الخسران، مشيراً إلى أن بعض الشباب يعيش بانضباطية شديدة أمام الوالدين، ولكنه في الخفاء يمارس أنواعاً من السلوكيات غير المقبولة اجتماعياً، مما يجعل بعض الأهل يستغرب استدعاءه للسجن.

وشدد على ضرورة قيام الإعلام بدوره المنوط به في توجيه الشباب، ورفع همتهم للدفاع عن الوطن، حتى يكون لدينا شباب منتج، مبيناً أن هذه الجرائم كانت تحدث في السابق أمام العيان دون رادع وذلك لانتشار الفوضى والسلاح.

*****بالدعوة والإرشاد

وأوضح الرائد الصفطاوي أنهم يستخدمون أسلوبا لينا في التحقيق، معتبراً أن هذه الطريقة هى الأنجع في اخذ اعترافات المنحرفين ، مستدركاً: حينما لا تجدي الطريقة الدعوية نلجأ إلى الضرب البسيط كي يعترف بالجريمة.

ويؤكد مدير المباحث أن الحاجة للمال قد تدفع إلى الجريمة موضحاً أنهم استطاعوا بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية مساعدة هؤلاء الموقوفين داخل السجن من خلال توفير بطالة تقدر بـ100 دولار لمساعدة أسرهم بحيث يُكلف بأعمال داخل السجن.

ويختتم الصفطاوي حديثه بتوجيه رسالة للشباب: أنتم عماد الدين والوطن وصدق عليه السلام عندما قال: "نُصرتُ بالشباب" لذا على الشاب الالتزام بالمساجد واختيار الرفقة الصالحة والآداب الإسلامية لنكون عناصر بناءة في المجتمع لا هدامة.

****توعية بعد اعتقال

من جهتها، اتفقت الأخصائية النفسية عبلة بشير مع رأي سابقيها في الأسباب المؤدية إلى انحراف الشباب منها قلة الوازع الديني، منتقدة دور المؤسسات الأهلية العاملة لتقصيرها في برنامج التوعية ما بعد الاعتقال، وتساءلت عن دور المؤسسات قبل الاعتقال، مؤكدة أن السجن مدرسة ايجابية للشباب، لأنهم يخرجون منها أشخاصا آخرين يعانون من مشاكل جمعة، ولم تستبعد أن يترك السجن تأثيراً نفسياً سلبياً على بعض الأشخاص تبعاً للفروق الفردية فيخرج السجين أكثر عنفاً وقد ينطوي على نفسه، موضحة ، رغم ذلك، أن السجن نوع من العدالة في العقاب والجزاء".

وتبين الأخصائية بشير أن للانترنت والفضائيات دور كبير في ميل الشباب للانحراف من خلال ما تبثه عبر صفحاتها وقنواتها مع غياب رقابة الأهل بدعوى أنه شاب وقادر على صنع قرار وفهم واقعه، كما أن لرفقاء السوء الدور الأكبر في الانحراف والبدء بجنح كالسرقة، تتطور لتصل إلى جرائم كبيرة كالقتل.

ونصحت الأخصائية الاجتماعية الأسرة بضرورة متابعة توعية أبنائها باستمرار في كل القضايا الحياتية التي تخصهم ، والعمل على تقويم السلوكيات الخاطئة قبل استفحالها والتي من شانها أن تدفع الأجيال نحو الانحراف والسجن، إلى جانب محاولة دفعهم إلى المساجد لأنها الحاضن الآمن لهم وسيجدون فيها الراحة النفسية والجسدية والصحبة الصالحة التي ترشدهم للخير والصلاح.

*** فراغ وصحبة سيئة

بدوره أكد الداعية الإسلامية وفا عياد رئيس قسم أنشطة المساجد في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، أن الفراغ الذي يعيشه الشباب يدفعهم للانحراف، مبيناً أن علماء النفس يعتبرون أن فراغ الشباب والتفكك الأسري والرفقة السيئة من أكبر أسباب الجرائم في العالم.

وحول الأسباب الخارجية للانحراف أشار عياد إلى دور وسائل الإعلام وتأثيرها السلبي على الشباب فهو سلاح ذو حدين ، معتبراً أن ما تعرضه وسائل إعلامنا هو طريق للانحراف الفكري والسلوكي لدى الشباب ، كما أن البيئة المحيطة بالشباب أثرت بشكل كبير على سلوك الانحراف فالإنسان كما يقال ابن بيئته، فإن تربى في بيئة تعتز بالفضيلة والأخلاق الحسنة، صار الإنسان يعتز بالفضيلة، وإن عاش في بيئة موبوءة بالسموم الأخلاقية والفكرية فستنعكس على سلوكه.

*** برنامج دعوي

وفيما يتعلق بدور دائرة الوعظ والإرشاد في التعامل مع الشباب المنحرفين في السجون يشير الداعية عياد إلى أن  برنامج الإدارة في التواصل مع نزلاء السجون المنحرفين ساعدت على تعزيز الوازع الديني لديهم من خلال إلقاء محاضرات دينية أسبوعيا، وغرس الفضيلة والقيم الإيمانية، وإشراكهم في المسابقات الدينية وإقامة الأنشطة والندوات والفعاليات ومسابقات حفظ القرآن، وكان ذلك بالتنسيق مع هيئة التوجيه السياسي والمعنوي التابع لوزارة الداخلية.

ويشير عياد إلى أن برنامج وزارة الأوقاف يتكون من مجموعة من الفعاليات والأنشطة الدينية والتربوية تنفذها مجموعة من الوعاظ والدعاة المكلفين من الوزارة من خلال إلقاء محاضرات دينية أسبوعيا تهدف إلى تعميق الوازع الديني في نفوس النزلاء وغرس الفضيلة من خلال القيم الإيمانية.

إذا الحل يكمن في ربط الشباب بالمساجد، لأنها لم تنشأ للصلاة فقط، بل هي حاضن تربوي من شأنه تقويم سلوك الشباب.

البث المباشر