يشير عنوان الرواية زيتون الشوارع، وكذلك عنوانها العام الذي تندرج تحته، والموسوم بـ " الملهاة الفلسطينية" الى أننا إزاء عمل ابداعي يبرز صمود أهل فلسطين، ويجسد نضالاتهم في سبيل وطنهم وتجذرهم كالزيتون في أرضهم التاريخية من النهر الى البحر.
كما يوحي العنوانان بالمعالجة الفنية التي يتوقع ان يعالجها السرد، وهي السخرية من هذا الواقع، الذي تضيع فيه الحقوق، وتنعدم الحرية؛ فالأرض مباحة كأشجار الطريق، والقضية تخلى عنها العالم، وغابت عن الأذهان، حسب ما تعنيه كلمة ملهاة في قواميس اللغة، فهي تعني المهزلة، من الجذر الثلاثي لها بالشيء لعب به، أو سلاه وترك أمره.
هذه الانطباعات الخارجية الأولى تدفعنا الى ولوج عالم الرواية، ونحن على يقين بأن سنتعايش مع عالم تخييلي يقدم المعاناة الفلسطينية، ويصور جبروت الطغاة في مصادرة الحريات والأحلام. ولكن هل كانت انطباعاتنا الأولى متوافقة مع هذا العالم الذي تقدمه الرواية؟
تكشف لنا افتتاحية الرواية عن ثلاثة رواة ينهضون بمهمة تقديم عالمها، وهم: سلوى الرواية المشاركة في الأحداث. وعبدالرحمن الكاتب الذي يتبنى تحريف ما تقصه سلوى، والراوي الكلي المعرفة الذي يمثل الأنا الثانية للمؤلف.
أحداث الرواية هي تكثيف لخمسين سنة من تقلبات الحال التي تعرض لها الإنسان الفلسطيني خارج وطنه، منذ ما قبل عام النكبة حتى أواسط التسعينيات من القرن الماضي. أمّا عن مكان تلك الأحداث فهي تدور في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن.
يشتغل إبراهيم نصر الله على قضية حساسة هي انتهاك الجسد، ويفعلها تفعيلاً كاملاً، وأشكال التعامل مع المرأة هو أحد المبررات الفنية لخلق نص روائي له امتيازه ورصانته وسرديته العالية، التي عرف بها نصر الله كروائي من طراز خاص.
ثلاث شخصيات نسائية تتحرك في هذه الرواية، لكن الرواية تكثيف لخمسين سنة من تقلبات الحال التي تعرض لها الإنسان الفلسطيني خارج وطنه، منذ ما قبل عام النكبة حتى أواسط التسعينات من القرن الماضي، وتأمل عميق لفكرة المنفى والإقناع، لكن الشيء الأساس الذي يشغل كل صفحات هذه الرواية هي فكرة الاغتصاب، في أجواء سردية قادرة على الإمساك بالقارئ بقوة... وجو من الحدة والنقمة والثورة يجعل المرء يشعر أحياناً بأنه غير قادر على التقاط أنفاسه.
رواية تعايش وتحاور أخطر وأدق مراحل هذا التاريخ، تلك المرحلة التي تكون فيها الهزيمة داخلية، وعوامل الضعف، تأتي من القلب والدماغ، وعناصر التفكك ماثلة أمام الأعين ثم لا ننتبه ولا نصحو.
رواية ممتعة بالمعنى الفني والجمالي للكلمة، ممتعة لتلك الشخصيات التي تمنحنا الشعور بتقديس الحياة وحبها، ممتعة لتلك النساء اللواتي لا شبيه لهن، ممتعة لهذا الحنين الذي لا يطاق للوطن، ممتعة لمجرد أن تقرأ عن أولئك الذين عاشوا وما توا وما ضمهم ثرى وطنهم.
رواية أصيلة، بالتجربة واللغة والمرجعية والشعر، وتلك المحاولة الجريئة والشجاعة والناجحة، بمزج الفنون معاً، والانتصار على التعميم والتهميش والتغييب، والقدرة على القول في زمن صار فيه حتى القول ملاحقاً أو ممنوعاً.
إبراهيم نصر الله ، كاتب و شاعر و أديب من مواليد عمّان، الأردن، عام 1954م من أبوين فلسطينيين، هُجِّرا من أرضهما في قرية البريج (فلسطين) عام 1948م، يعتبر اليوم واحداً من أكثر الكتاب العرب تأثيراً وانتشاراً، حيث تتوالى الطبعات الجديدة من كتبه سنوياً، محققةً حضوراً بارزاً لدى القارئ العربي والناقد أيضاً، ومن اللافت هذا الإقبال الكبير من فئة الشباب على رواياته وأشعاره.